كلمة وفاء لموسيقار أطرب الجميع

> «الأيام» عمر جبلي:

> قال لي صديق إن عشاق فن فريد الأطرش قد انقرضوا أو على أحسن الأحوال قد شارفوا على الانقراض!! وإن الملايين التي شغفت إعجابا بأغانيه وأفلامه وحفلاته حينما بلغ أوجه في سماء الفن والموسيقى في الخمسينات والستينات، لم يعد منهم في دنيا الوجود إلا من بلغ من العمر عتيا، منهم من شغلته الحياة بمنغصاتها فانصهر بها تاركا ما كان ينتابه من شغف الاستماع إلى أغنيات فريد الأطرش وتلهف على مشاهدة أفلامه إذا ما أتيح لها العرض، ومنهم لم تنغصه الحياة بمتاعبها فمكث يستعيد الأيام الخوالي من الخمسينات والستينات ويستذكر أيامها ولياليها التي اقترنت بنشاط فريد وحيويته وعطائه المتوالي ونشاطه الوثاب.

تمعنت مليا فيما قاله ذلك الصديق وتساءلت هل حقا تلاشت تلك الملايين من عشاق فن فريد الأطرش ولم يبق منها إلا النزر اليسير الذي يعيش على الذكريات يستجر منها أوقاتا من أيام حلوة مضت ولم تعد؟ ولم يطل تساؤلي..إذ صادف أنه في بضعة أيام حصلت على أجازة قصيرة حاذرت ألا أضيعها إلا قابعا أمام الشاشة الصغيرة أتابع الأحداث وما أشقها علينا في هذه الحقبة الكئيبة لما تتضمنه من أوجاع عربية لا سبيل إلى تفاديها إلا بمشاهده البرامج الفنية التي نلجأ إليها علها تمحو الآثار المؤلمة التي تركتها فينا الأحداث المضطرمة في عالمنا العربي البائس.

وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الحالك المضروب حول فريد الاطرش وكل ما له صلة به، إلا أن بعض الأنفاق الضيقة من الأضواء تمكنت من أن تلقي بأنوارها على فريد الأطرش عبر بعض من البرامج التلفزيونية التي استطاع معدوها كما يبدو الإفلات من قبضة التعتيم الجائر، ومن تلك البرامج برنامج باسم (وحشتنا يا نجم) الذي يتناول سيرة الفنانين الراحلين ويقدم أجزاء من أعمالهم الفنية، مصحوبا بالتعليق، ثم يتركون المجال مفتوحا للمشاهدين لكي يدلوا بدلوهم عبر المكالمات التلفونية.. فتقاطرت الاتصالات الواحد تلو الآخر وما كان أشدها تأثيرا في النفس ومهيجا للأشجان حينما تناولت ذلك الماضي الجميل بحقبته الفنية المتألقة وهم يتذكرون أغنيات فريد الأطرش الشهيرة ومواويله التي تميز بها ولم يكن له مثيل في أدائها.. كما عبروا عن اشتياقهم العارم إلى الاستماع لترانيم عوده الذي لم يكن يضاهيه في العزف عليه أحد.

وفي سياق نقاش دار بين المذيع وإحدى المشاهدات دافعت الأخيرة عن فريد الأطرش فيما يؤخذ عليه أن مجمل ألحانه تتسم بالحزن والأسى والبكاء والعويل في مواويله، واستشهدت في دفاعها ببضع أغنيات ملؤها الفرح والبهجة والسرور، وبعد انتهاء الحوار كانت حصافة لائقة من المذيع أن قدم إحدى أغنيات فيلم (أحبك أنت) وهي (الحياة حلوة) فكان تعزيزا لما تطرقت إليه المشاهدة من مداخلة فإذا بالجو فعلا يمتلئ بالتفاؤل والاستبشار أثناء أداء فريد الأطرش الأغنية بصحبة الكورس الذي ضج الجو بأدائه المرح ما بين المقطع من الاغنية والآخر بترديده:

الحياة حلوة بس نفهمها *** الحياة غنوة ما حلى أنغامها

ارقصو غنوا وانسوا همومها

الحياة حلوة

وفي برنامج تلفزيوني آخر فاتني مشاهدته من البداية ومعرفة عنوانه تمكن معدوه من الإفلات من الحصار واستطاعوا تسليط الأضواء على تاريخ فريد الأطرش الفني بأسلوب سلس واختيار موفق لمشاهد من أفلامه ومقاطع من أغانيه، وهو ايضا فتح المجال للمشاهدين أن يتصلوا ويشاركوا في حوار مع مقدمة البرنامج، وقد أثار الانتباه اتصال فتاة بالبرنامج لكي تتناول أعمال فريد الأطرش بالنقد والتحليل والجدير بالذكر أن بعض المشاهدين أو المستمعين يتسمون بالإعجاب بفن فريد الاطرش ولكنهم لم يكونوا يعيرون اهتماما بالإلمام بدقائق الأمور وبجوانبها المترتبة لظهور هذه الأغنية أو ذلك الفيلم، المهم بالنسبة لهم أنهم مغرمون بفنه ويتوقون إلى سماع أغانيه ومشاهدة أفلامه وكفى. غير أن البعض الآخر من المعجبين كان قد جمع بين الإعجاب والإلمام بالخلفيات المفصلة التي تشير إلى متى غنى هذه الأغنية ومن مؤلفها ومتى ظهر في ذلك الفيلم ومن مخرجه ...إلخ.

لذا كان مثيرا للاهتمام أن مقدمة البرنامج سألت مشاهدة عبر إحدى المكالمات التلفونية عن ثلاثة أفلام وثلاثة مخرجين لهم علاقة بثلاث أغنيات هي (اياك من حبي) و(الفلاحة) و(جميل جمال) فما كان من المشاهدة إلا أن أجابت بثقة وبدون تردد بأن الاغنية الأولى في فيلم (ماليش غيرك) إخراج بركات والثانية في فيلم (انت حبيبي) إخراج يوسف شاهين والثالثة في فيلم (لحن الخلود) إخراج بركات أيضا، فلم تتمالك مقدمة البرنامج نفسها وهتفت قائلة «برافو» وأتبعت هتافها بسؤال آخر عن اسم معين اشتهر به فريد الأطرش في أغلب أفلامه السينمائية وعلى الفور أجابت المشاهدة أنه وحيد، والأغرب من ذا وذاك أن المذيعة حينما سألتها عن سنها أجابت المشاهدة بأنه ثلاثة وعشرون عاما، أي انها خلقت بعد وفاة فريد الأطرش ببضعة أعوام.

وبطبيعة الحال ان المتابعين لأفلام فريد الاطرش لا يغيب عن بالهم اسم (وحيد).. وأبرزها فيلم (لحن الخلود) الذي جمع بين بضعة من أشهر الممثلين هم سراج منير وفاتن حمامة وماجدة، وهم يرددون «غني يا وحيد» فيأخذ فريد الأطرش عوده ويشدو بأغنية جميل جمال التي انتهت بالاقتحام الشهير في ذلك المشهد للفنانة الشهيرة مديحة يسري.

وعلى ذكر اسم وحيد، أجرى راديو صوت العرب مقابلة في أحد برامجه مع عدد من الفنانين منهم عبدالحليم حافظ بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة فريد الأطرش، ومما ذكره عبدالحليم في سياق حديثه عن فريد ان أحد معارفه الذي كان يعمل في مصلحة تسجيل المواليد أخبره أن إحصائيات أكثر الأسماء المسجلة في أعوام الخمسينات كانت وحيد. وعزا عبدالحليم نتيجة ذلك الإحصاء إلى المدى الواسع الذي بلغته شهرة فريد بين أوساط الجمهور وتمتعه بإعجابهم وتيمنهم باسمه ولو كان في الأفلام.

وباسم جموع المعجبين بفن فريد الاطرش الذين انقرضوا على رأي ذلك الصديق، والذين هم مثلي في طريقهم إلى الانقراض، أرجو أن يكون ما تقدم من سطور بمثابة كلمة وفاء لفنان أطربنا بألحانه وأشجانا بصوته وشنف أسماعنا بترانيم عوده ومتعنا بأفلامه سواء أكانت كوميدية أم درامية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى