الإشاعة أداة من أدوات الحرب النفسية

> د. يحيى قاسم سهل:

>
د. يحيى قاسم سهل
د. يحيى قاسم سهل
الإشاعة ظاهرة اجتماعية وجدت منذ أن وجد الإنسان على الأرض، وشكل من أشكال الاتصال الإنساني المنطوق والمكتوب ونوع من أنواع الاتصال الشخصي والجماهيري وأداة من أدوات الحرب النفسية، ولذلك حظيت باهتمام وعناية علماء الاجتماع والنفس والسياسية والاقتصاد والإعلام لما لها من تأثير كبير على حياة المدنيين والعسكريين في السلم والحرب.

يدور موضوع الإشاعة حول شخص أو شيء أوفكرة. وليس لها زمان أو مكان محدد فهي موجودة في كل المجتمعات وتظهر في الغالب في وقت الأزمات أو الحروب والكوارث الطبيعية والرخاء والكساد الاقتصادي.

وفي لسان العرب: شاع الخبر «انتشر وافترق وذاع وظهر» ورجل مشياع «مذياع لا يكتم سراً» والشائعة «الأخبار المنتشرة».

أما المعجم الوسيط فقد أورد كلمة الشائعة والإشاعة وعرفها على النحو التالي:

الإشاعة: الخبر ينتشر غير متثبت منه، الشائعة: الخبر ينتشر ولا تثبت فيه. فالإشاعة والشائعة والشاعة كلها تحمل نفس المعنى ألا وهو نشر المعلومات.

وللإشاعة من ناحية المصطلح عدة تعريفات بحسب رؤية الدراسة ومن التعاريف التي يمكن الركون إليها تعريف عالمي النفس L.J.posman,G.W.Allport في دراستهما الموسومة «تحليل الإشاعة (Analysis of Rumor aعام 1947م إذ عرفا الإشاعة بأنها «خبر أو قضية أو اعتقاد محدد قابل للتصديق أو التكذيب يمرر من شخص لآخر عادة مشافهة دون الإشارة إلى معايير أكيدة للصدق».

ويعرف د. إبراهيم أحمد عرقوب ، من قسم علم الاجتماع في الجامعة الاردنية، الإشاعة على النحو التالي: «معلومات أو خبر أو قصة قابلة للتصديق أو التكذيب وغير معروفة أو مؤكدة المصدر يتم تناقلها مشافهة بطريقة غير رسمية في حالة الاتصال الشخصي وجهاً لوجه، أو رسمياً كما هو الحال في الاتصال الجماهيري السمعي كالإذاعة أو البصري كالمطبوعات أو السمعي/ بصري كالتلفاز».

وبحسب د. عرقوب فإن أهداف الإشاعة تتمثل في الآتي: 1- بث الخوف والرعب والحقد والكراهية والعداوة وزرع بذور الفتنة والشك واليأس والأمل في نفوس الجمهور المستهدفين. 2- تشويه سمعة وصورة الأفراد والجماعات والمجتمعات والشعوب والدول والقادة. 3- خلخلة وحدة الصف. 4- تهجير المدنيين عن طريق بث الرعب في قلوبهم. 5- تحطيم إرادة القتال لدى العدو. 6- تهبيط معنويات المدنيين والعسكريين. 7- العمل على تكوين الرأي العام أو جسه أو تعبئته أو تضليله حول موضوع ما يلامس حياة الناس اليومية. 8- خداع العدو وتضليله عن طريق تعمية الأمور عليه. 9- العمل على تقوية الروح خاصة وقت الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية.

ويختار مروجو الإشاعة الوقت المناسب والجو الملائم والتربة الخصبة لإنتاج الإشاعة بغية تحقيق مآربهم، وقد أثبتت عدة دراسات تجريبية بأن انتشار وترويج الإشاعات يعتمد بشكل رئيسي على قانون معين وعلى العمل الجماعي. فالأفراد والجماعات يطلقون الإشاعات ويشتركون في ترويجها.

ويعتمد مدى انتشار الإشاعة على شرطين أساسيين:

الأول أهمية الموضوع الذي تدور حوله الإشاعة بالنسبة للمستمع و القارئ أو المشاهد لوسائل الإعلام مثل إشاعة (الرقم القاتل) التي انتشرت مطلع الشهر الجاري. والشرط الثاني هو الغموض، أي غموض الموقف لدى الجمهور. فقانون رواج أو انتشار الإشاعة يعني أن كمية الإشاعة المنتشرة تختلف بحسب حجم أهمية موضوع الإشاعة للأشخاص الذين تعنيهم ومدى غموضه.

والسؤال الذي يدرو في ذهن القارئ هو: من ينشر الإشاعة وكيف يتم تداولها بين الناس؟

يقوم على نشر الإشاعة أو ترويجها عدة أشخاص لكل منهم دور، وبعضهم يأخذ دور الناقل أو المبلغ أو الرسول ووظيفته إيصال الرسالة الاتصالية (الإشاعة) إلى الجمهور المستهدف، وهو أهم دور في عملية انتشار الإشاعة.

ويأخذ البعض دور المفسر والبعض دور المشكك، ويحاول الآخرون لمصلحة ما تقديم التفسيرات الخاصة بتلك الإشاعة دون غيرها.

ويقوم آخرون بدور متخذ القرار بالقيام بتصرف بناء على الأخبار أو المعلومات الواردة في تفاصيل الإشاعة، فإذا سمعوا بأن هناك سلعة ما ستفقد من السوق أو سيرتفع سعرها يهرعون إلى السوق لشراء كميات ضخمة منها وتكديسها للمستقبل خوفاً من المجهول، وهؤلاء هم عامة الناس الذين ينقصهم الوعي الكافي.

وليس للإشاعة عمر محدد، فمن الإشاعات ما يحيا لمدة ساعات أو يوم أو أيام أو أسبوع أو أسابيع أو شهر...إلخ.. وقد تموت الإشاعة لتعاود الظهور في فترات دورية.

في عام 1991م نشرت نتائج تحليل للإشاعة قام بها علماء العلوم الاجتماعية في أمريكا توصلوا فيه إلى (أن الإشاعة عبارة عن نوع من الفيروسات النشطة التي تنمو بسبب قدرتها على توليد مخاوف لدى الجمهور المستهدف تمكنها من الانتشار. وتتغير هذه الفيروسات لتناسب أوضاعاً جديدة. أما بالنسبة لعمر الإشاعة فقد قالوا بأن بعض الإشاعات عاشت لعدة قرون) مثل إشاعة صلب عيسى عليه السلام من قبل اليهود، في حين أن الله رفعه إليه كما أخبرنا القرآن الكريم. وتصنف الاشاعات حسب موضوعاتها ودوافعها، فهناك إشاعة الخوف أو العنف أو الرعب، وإشاعة الكراهية والعداء، وإشاعة جس النبض، وإشاعة الشغب، وإشاعة التبرير، وإشاعة حرب الأعصاب، وإشاعة التنبؤ، وإشاعة الأمل والحلم، والإشاعة الاقتصادية وإشاعة قذف الأعراض (حادثة الإفك) ...إلخ.

وتقسم الإشاعة حسب الجمهور المستهدف إلى إشاعة فردية يدور موضوعها حول فرد مهم أو أسرة معينة أو مؤسسة معينة. ويكون تأثيرها جماهيرياً.

وهناك الإشاعة الجماعية: يدور موضوعها حول أقلية من الأقليات أو فئة من الفئات أو طبقة من الطبقات وتتوجه إلى نقاط الضعف فيها.

وأيضاً إشاعة دولية: يدور موضوعها حول شيء يهم الرأي العام العالمي.

ولا شك أن للإشاعة وظائف أداة من أدوات الحرب النفسية، وهذه الوظائف هي الدوافع التي تسهم في إنتاج وترويج الإشاعات.

ويجمع المختصون على الخصائص التالية للإشاعة:

1- الإشاعة هي علمية نشر المعلومات ونتاج هذه العملية. 2- من السهل أن تنطلق الإشاعة وليس من السهل أن تتوقف، فالإشاعة تسير أسرع من النار في الهشيم.

3- قد تكون الإشاعة صادقة، أي قد تحتوي المعلومات الواردة في الإشاعة على نواة للحقيقة ومثال ذلك إشاعة حول زيادة في رواتب الموظفين أو استقالة شخص...إلخ، والتي قد تتحقق في بعض الأحيان. 4 - قد تكون الإشاعة كاذبة، أي قد ترتكز على معلومات غير مؤكدة أو عارية من الصحة. وهذا هو الأصل. 5- قد تكون الإشاعة صادقة وكاذبة. 6- من الصعب تعقب أو التأكد من مصدر الإشاعة أثناء انتشارها. 7- من المحتمل أن يتغير محتوى الإشاعة على مر الزمان كلما انتقلت من المصدر الأصلي إلى ناقلها أو مروجها. وتعتمد كمية التغيير أو التشويه على رغبات ودوافع ومخاوف وذكاء وذاكرة الناقل والمروج وعلى شدة الردود العاطفية التي تولدها لدى الأفراد والجماعة والمجتمع والشعب.

قال تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} الحجرات آية 7 .

ويجب عدم نقل الإشاعة امتثالا لقوله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} النور الآية 15 .

وقوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً}.

ويقع الدور الكبير على وسائل الإعلام في دحض الاشاعة وإطلاع الجمهور على حقائق الأمور، وقد كانت صحيفة «الأيام» سباقة لذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى