الجنيد.. اليوم الضالع ترمّلت

> محمد علي محسن:

> من أين ستكون البداية؟ وماذا سنكتب وعمَ سنتحدث في هذه اللحظات العصيبة والاليمة؟ ما أصعب الكلام وما أوجع الحروف عندما تصمت قلوب البشر فكيف إذا ما كان هذا الإنسان عزيزا وقريبا وصديقا وقبل ذا وذاك إنسان؟ المؤكد أن واحدا بقلب وروح وفكر ونقاء وذكاء وإلهام وسماحة وذاكرة وعفوية وطيبة ووحدوية ووطنية صالح قاسم الجنيد لجدير اليوم ببكاء الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه، وليس فقط مسقط رأسه الضالع المكلومة والثكلى برحيله. نعم فالأوطان تثكل برحيل الرجال العظام والنوابغ والشجعان، فلقد ثكلت فرنسا بوفاة رئيسها ديجول وحينما أطلق خلفه بومبيدو (اليوم فرنسا ترمّلت)، كان محقا وحينما غادرنا شاعرنا الربادي ترملت إب وعندما توفي الشاعر الكبير عبدالله البردوني ترمّل وطن، كذلك الحال اليوم حينما نقول إن الضالع أرملة وثلكت برحيل الجنيد.

الجغرافيا مثل الإنسان تشعرك بالحزن واليتم كلما كان الخطب عظيما، والضالع ما عرفتها قط بمثل هذه الفاجعة التي منيت بها وأخذت منها أعز وأخلص الرجال لها، لا أدري أيهما ننعى ونبكي الإنسان الذي عشق وأحب وأخلص لأهله ومجتمعه ووطنه أم نبكي هؤلاء وأنفسنا جمعيا بهذا المصاب الجلل وهذه الخسارة الكبيرة التي مني بها شعبنا ووطننا الحبيب، فصالح الجنيد من قلائل الرجال الذين وإن رحلوا بأرواحهم وأبدانهم عن الحياة الفانية ستظل سيرتهم الناضحة بالأفعال والمواقف الإنسانية النبيلة والشجاعة، وستظل بصماتهم وأدوارهم وإنجازاتهم خالدة لا تموت أبدا في ذاكرة ووجدان الأجيال المتعاقبة.

ما أحزنني وما أحزن صنعاء المتشحة بالسواد والحسرة والصمت وهي تودع أشجع الرجال وأنقاهم سريرة ومحبة لكل الناس، فحتى أولئك الذين اختلفوا مع فقيدنا في حياته ومسؤولياته تراهم لا ينكرون فيه الكفاءة والسماحة والطيبة والإخلاص والبساطة والعفوية والثقة وغيرها من الصفات النادرة التي قلما يجدها الإنسان في مسؤول هذه الأيام إلا فيما ندر. رحم الله محافظنا الجنيد الذي كان شعلة من الحيوية والنشاط أينما حل وارتحل، فلقد عرفته عن قرب لثلاثة أعوام تحمل فيها زمام السلطة المحلية بالضالع (99-2003م) وكان خلالها نعم الإنسان المثقف والشاعر والفقيه والرياضي والإعلامي والإداري والمالي والمخطط والمهندس والقاضي والمستثمر والتاجر والفنان والمؤرخ والناقد ...إلخ. هكذا عرفته ملما وخبيرا في كل المجالات والتخصصات.. حالة نادرة ربما لم أشاهدها مجتمعة بغير رجلين هما المفكر أبوبكر السقاف، أطال الله عمره، والآخر فقيدنا الراحل الجنيد.

عُين محافظا في ظروف استثنائية قاهرة للجبال قبل الرجال وغادر الضالع يوم 4/1/2003م بعد أن نُزعت الألغام وحل السلام والتنمية بدلا عن الرصاص والبنادق والمواقع العسكرية. كنت واحدا ممن أوقفوا عن العمل إلى أن وصل الخلف الطيب الذكر الربيعي، ومع ذلك أول ما سطرته كان مدحا لا قدحا بحق الراحل عنا اليوم، فواحد بقدراته ونبوغه ومسؤولياته وطاقاته ومواهبة المتعددة بلا شك يجبرك على احترامه وتقديره في جميع الأحوال، فكيف إذا ما قلنا إن كل هذه الملكات تم توظيفها بأعجوبة وإخلاص لمصلحة المحافظة الناشئة الوليدة.

كل الذين اختلفوا مع الجنيد سياسيا وحزبيا وتنظيميا ووظيفة وخطابا هم في الوقت الحاضر أكثر خلق الله حزنا وإدراكا لقيمة الرجل لمحافظة لم تستفق بعد من هول الصدمات والضربات الموجعة، ويكفي القول هنا إن ما شهدته من نهضة نوعية شملت نواحي عدة وفي مدة وجيزة ما زالت ماثلة للعيان يصعب تكرارها ثانية، كل الذين عرفوا أو نهلوا واستفادوا من معارف وصفات نادرة حملها قلب وعقل المحافظ (أبي أحمد ومعتز) بلا شك هم وليس غيرهم من يقدر وقع المصاب الجلل الذي رزئ به وطن وترمّلت منه محافظة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى