السينما وأدب شكسبير العالمي

> «الأيام» وليد خليل سيف:

> لم يعد الكتاب في عصرنا هذا هو المصدر الوحيد للثقافة والمعرفة فقد ظهرت وسائل أخرى يتلقى الجمهور بواسطتها ثقافته، ومن أهم هذه الوسائل وأقواها تأثيراً السينما، فالسينما تشكل الآن جانباً كبيراً من ثقافة الجمهور في جميع أنحاء العالم، وقد أصبح للفن السينمائي مثل بقية الفنون الأخرى كتب تبحث في تاريخه وتتحدث عن مدارسه واتجاهاته كما أصبحت له مجلات متخصصة ونشرات دورية تتابع كل جديد في عالمه وأخباره، وقد أدت قراءة تلك الكتب والمجلات والنشرات إلى ظهور فئة من الجمهور لديها ما يمكن تسميته «ثقافة سينمائية» وأمكن نسبتها إلى أحد الأشخاص مثلما نقول إن هذا لديه ثقافة أدبية أو فلان ذو ثقافة مسرحية وهذا يفهم في الموسيقى وذاك يتذوق الفن التشكيلي وهكذا نرى أن المثقف السينمائي هو الذي يلم بتاريخ السينما وتطورها وهو يعرف الأفلام المشهورة بالقراءة عنها -وإن لم يكن قد شاهدها - كما يعرف وسيلة التعبير السينمائي الذي تميزه عن الفنون الأخرى كما يميز بين أسلوب المخرجين واتجاهاتهم المختلفة وعند ارتفاع التذوق السينمائي لدى الجمهور إلى هذه الدرجة يؤدي ذلك إلى تطوير الفن السينمائي.

والجدير بالذكر أن المسرح قد سبق الفن السينمائي منذ زمن طويل واعتمدت السينما عليه من خلال نقله الأدب العالمي المرتبط أساساً بمن كتبوا في المسرح ونقلت أعمالهم بعد ذلك إلى السينما بجانب اشتغالها بالنصوص الخاصة بها أو تحويل الروايات إلى أعمال سينمائية. وأهم هؤلاء المسرحيين وفي مقدمتهم على مر العصور الأديب والشاعر الإنكليزي ويليام شكسبير. إذ تعد مكتبة شكسبير العالمية هي الأزخر والأرقى بالأعمال الأدبية سواء بالكوميديات مثل: العاصفة، ترويض السليطة، حلم ليلة صيف، تاجر البندقية، مجهود الحب الضائع.. الخ، أو المسرحيات التاريخية مثل: مأساة الملك ريتشارد الثاني، حياة الملك جون ومماته، حياة الملك هنري الخامس.. الخ. أما التراجيديات مثل : روميو وجولييت، يوليوس قيصر، ماكبث، هاملت، الملك لير، عُطيل، أنطوني وكليوباترة.. وعدة أعمال أخرى ونصوص شعرية عديدة.

وقد تجلت عبقرية ويليام شكسبير في مسرحياته بأنها عالجت أهم الأمور التي تدخل في التكوين الإنساني من أفعال يختص بها البشر مثل: الكره، الحب، الغيرة، الطمع، الخيانة والغدر، الجشع، الطموح اللامتناهي، الغرور، الانتقام، نكران الجميل.. فاستفاد من مسرح شكسبير عدد كبير من المبدعين في عالم الفن المسرحي والسينمائي. وبالطبع المسرح قدم كل أعمال شكسبير وبكل لغات العالم تقريباً.

ونقلت تلك الأعمال المسرحية إلى اللغة السينمائية عندما بدأت السينما الناطقة في 1927 تأخذ تطورها كفن متميز بحد ذاته (مرئي وسمعي) انتشر وراج وتعددت خصائصه وعناصره كصناعة وفن معتمداً على التطور في فن التصوير والمؤثرات البصرية والماكياج والديكورات والإضاءة والصوت ومؤثراته والموسيقى التصويرية والمونتاج وبالطبع الكتابة المتخصصة في الفن السينمائي والإخراج وحرفيته والتمثيل الذي يعتمد على تجسيد الشخصيات وفهم أبعادها النفسية وإن أكثر من عملوا في التمثيل السينمائي والتلفزيوني بعد ذلك كانوا ممثلي مسرح في الأساس فالتمثيل المسرحي علم متميز منذ أمد طويل وإن المبدعين والموهوبين في هذا التخصص يتسابقون لتقديم شخصيات شكسبير سواء على المسرح أو السينما أو التلفزيون لإظهار موهبتهم في مجال التمثيل والوصول للنجومية والشهرة.

ومن عملوا في هذا الحقل المسرحي والسينمائي وكان لهم نصيب الأسد في عمل أفلام من أدب شكبير خاصة نأخذ نموذجين على أعلى مستوى:

الأول: السيد/لورانس أوليفيه Sir Laurence Olivier الممثل والمخرج الإنجليزي الأصل فقد كان يعمل على المسرح تمثيلاً وإخراجاً وبرز وحصل على جوائز مسرحية في بريطانيا ومن ثم اتجه إلى السينما ممثلاً ومخرجاً ومنتجاً فأبدع في فن التمثيل السينمائي حيث قدم «هاملت» فيلما عام 1948م من إنتاجه وتمثيله وإخراجه ونال جائزة الأوسكار كأحسن ممثل عن دوره «هاملت»، ثم عمل فيلم الملك هنري الخامس وفيلم الملك ريتشارد الثالث وعدة أعمال أخرى لشكسبير في السينما والتلفزيون.

وقد منحته ملكة بريطانيا لقب سير ويعد واحداً من أعظم ممثلي العصر في المسرح والسينما لتجسيده معظم الشخصيات على كل المستويات والمعقدة في تركيبها النفسي وخاصة الشكسبيرية منها. وقد تزوج بالممثلة الأميريكية فيفيان لي لتي حصلت على جائزة الأوسكار كأحسن ممثلة في الفيلم الكلاسيكي «ذهب مع الريح» إنتاج 1939م أمام النجم الأميريكي كلارك جيبل.

أما النموذج الثاني: هو المخرج والممثل والمنتج السينمائي الأميريكي: «أورسون ويلز» Orson Welles فقد قدم لنا من أعمال شكسبير «ماكبث» 1948م و«عُطيل» 1952 حيث كانا من إنتاجه وإخراجه وتمثيله.. وجسد تلك الشخصيات الشكسبيرية التراجيدية وعلاجه للطمع في ماكبث والغيرة القاتلة في عُطيل. ويعد واحداً من أحسن مخرجي السينما في العصر.

وأكثر ما ميز أورسون ويلز في أعماله وخصوصاً في الإخراج السينمائي كان في فيلمه «المواطن كين» Citizen Kane إنتاج 1940 فقد ابتكر أشياء كثيرة وأساليب جديدة في حركة الكاميرا والزوايا واستخدامه للإضاءة الجانبية وكان لأول مرة يصور السقف ولم تكن تعرف من قبل واستعمل بدقة الخلفية التي فيها عمق ورؤية والفلاش باك استخدمه ببراعة ولم يكن يُستخدم آنذاك في السينما الأمريكية وكما هو معلوم أن الفلاش باك (وهو العودة إلى سرد الماضي) يكسر التعايش مع الفيلم ويكسر التسلسل السردي، وفيلم المواطن كين يعد من أحسن وأهم الأفلام السينمائية التي جعلت من أورسون ويلز عبقرياً كمخرج حتى الآن مما ساعده أن يعمل أفلاما عديدة بعد ذلك ومنها ماكبث وعطيل لشكسبير وقد تزوج من الممثلة الأميريكية ريتا هيوارث التي كانت تدعى ملكة السينما لجمالها الفائق عام 1943م.

وإن كنا قد أخذنا نموذجين في تقديم أعمال شكسبير فهناك العديد أيضاً من جسد تلك الشخصيات من الممثلين النجوم منهم: شارلتون هستون ومارلون براندو وجيمس ماسون وديبورا كير ولويس كالهرن وريتشاد بيرتون وفرانسيسكا آنس وغيرهم من الممثلين والممثلات وظل المبدعون في هذا المجال حتى يومنا يعيدون تقديم تلك الأعمال وكل حسب رؤيته باستخدام العناصر الفنية لهذا الفن الراقي.

فمثلاً عام 1971م قدم المخرج السينمائي رومان بولانسكي فيلم (ماكبث) بطولة فرانسيسكا آنس وجون فينش وعام 1995م قدم المخرج Oliver parker أوليفر باركر «عُطيل» بطولة لورانس فيش بورن وأيرين جاكوب وكينيث برانه.

وهكذا نجد أن كل من هو مرتبط بفن المسرح والسينما لابد وأن يهتم بقراءة ذلك الأدب الرفيع لشكسبير لأنه يعالج قضايا الإنسان بكل معانيها.

وأجمل ما قرأته وحفزني أن أكتب عن السينما مقالي الثاني هذا في جريدتنا الغراء «الأيام» هو مقال أستاذنا المؤلف والممثل المسرحي الكبير والعلم الإعلامي القدير سعيد عولقي حفظه الله والذي يحمل عنوان (يوم كانت عدن بندر) الصفحة الأخيرة بتاريخ 25/4/2007م وذكره زيارة الموسيقار فريد الأطرش لعدن في فبراير 1956 بواسطة النبيلين الفاضلين حسن وحسين إسماعيل خذابخش خان اللذين كانا يملكان دار عرض (السينما الأهلية) في كريتر/عدن حيث كان الفن عموماً في عصره الذهبي ومدينة عدن كان يتواجد فيها العديد من دور العرض حيث كان هناك وعي للقائمين على الفنون والثقافة والإعلام والمهتمين بزيادة وتحسين دور العروض حتى بلغ عددها ما يقارب الـ11 دار عرض نحتى بذاية الستينات، مما لاتجده منذ منتصف الستينات وحتى الآن عند افتتاح أسواق ومولات ولا نجد فيها دار عرض واحدة حديثة.

ومن المعروف أن شريط الفيلم السينمائي كان له دور مهم في توعية الناس وإثراء ثقافتهم بجانب الكتاب والصحف والإذاعة ومن ثم التلفزيون ومازال حتى يومنا هذا، فعلى سبيل المثال كانت دار عرض (السينما الأهلية) في كريتر/عدن ( 63/1964) تبث قبل بدء عرض الفيلم الأساسي فيلماً تسجيلياً إخبارياً موجها للجريدة السينمائية المصرية عن يوميات الثورة اليمنية وزيارات مجلس قيادة ثورة 26 سبتمبر للدول الصديقة وأخبار مصر الثورية في عهد جمال عبدالناصر وذلك ساعد كثيراً في إيقاظ الإحساس الوطني والقومي لدى الجماهير.

فالسينما لغة الشعوب فن الصورة والصوت التي تخاطب العقل والوجدان مثلما تخاطب منذ زمن بعيد فلاسفة الفن في كل العصور مع قضايا الإنسان.. ولعل السينما ذلك الفن الراقي استطاع أن يجسد أدب ويليام شكسبير الرفيع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى