وتلك الأيــام .. قراءة في كف الحرية

> د. هدى علي علوي:

> «أعطني صحيفة حرة.. أقلب لك العالم رأساً على عقب» ..كيف للفكرة أن تقوم لتحيا وتحيا لتقوم كفلسفة متأصلة في الذات الإنسانية التي طالما جاهدت في سبيل تحررها من الخوف في التعبير عن أفكارها وآرائها فشقت طريقاً وعراً وقاسياً من أجل نيلها حتى بدا تاريخ الأمم كما لو أنه نضال لا يتوقف من أجل انتزاع تلك الحرية.

لقد كانت حرية التعبير ومازالت هي المعيار الحاسم لقياس مدى ديمقراطية نظم الحكم في مختلف الدول «إذ لا يمكن أن توجد ديمقراطية حقيقية بلا صحافة حرة».

لهذا تبنت المواثيق والإعلانات والعهود الدولية هذه الحرية وحظرت أي قيد عليها عن طريق الرقابة أو الإيقاف أو الإلغاء بالطريق الإداري، كما تضمنت دساتير معظم الدول نصوصاً تكفل حرية التعبير، على أن تلتزم القوانين بمتقتضيات القواعد الدستورية كون مناهضتها معيباً لهذه القوانين.

والحقيقة أن الدستور اليمني لم يعترف صراحة بحق النقد كونه ضمانة لتحقيق حرية الرأي، لكنه أخذ به ضمناً في النص الذي ينظم حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، على أساس أن النقد هو المنطلق لذلك البحث أو ذاك الإبداع.

ويستند المشرع في هذا الحق إلى أهمية المصلحة التي يحققها للمجتمع من خلال كشف العيوب القائمة وانتقاد الأشخاص الذين يتصدون للأعمال العامة، وهذه الأهمية ترجح على حق أحد الأفراد في الشرف والاعتبار ويفترض أن تخضع هذه الحرية في أدائها لإطار من المبادئ تمسى بآداب وأخلاقيات المهنة.

إن فرض طوق من المحددات السلطوية على حرية التعبير أمر يتعارض مع طبيعة متطلبات وسمات العصر إلا من منطلق أن حق الرأي هو الأصل والحظر هو الاستثناء، حيث إن قيود النشر فيما تقدم من الزمن لم تكن تواجه صعوبات، أما في زمن الصحافة العالمية المفتوحة وتدفق المعلومات وثورة الإعلام الإلكتروني والفضائيات والأقمار الاصطناعية واستخدام التقنيات في نقل وتداول الكلمة والصورة فإن سن قانون لتضييق هذه الحرية لن يكون أمراً ميسوراً.

ولما كانت الصحافة رسالة نبيلة تستهدف تنوير الشعوب بما يستجد من أحداث وما يطرأ من أزمات، حيث تشكل فطرتها على التحليل والاستقراء فلا تحيد كسلطة رابعة عن تعبئة الرأي العام في اتجاه الضغط على صناعة القرار، كما تجتهد في تشكيل الوعي واستنهاض الهمم وحشدها بالكفاحية والقيم، في زمن يشيع فيه التقهقر والاتكالية والانطفاء ويشيخ فيه الفكر والحلم والكبرياء فلا احتفاء بالعلم ولا تتويج للمعرفة، ولا رسالة للفن ولا للأدب معركة طالما بقيت الأمية تنخر عظم ربع سكان الوطن العربي ويخاصم نصفه الآخر الأبجدية الثقافية والتكنولوجية.

ولكن «كيف للكاتب أن يكون ضمير الأمة ولسان حالها فينهض بالمجتمع على الحق والخير والجمال؟» وسيف القمع لا ينفك يكرس منطق تكميم الأفواه ويشل ديناميكية العقل ويحرض على إقامة الحواجز الذهنية المصطنعة داخلنا فينشط فيروس الكتمان وينمي وهم جلاد الذات بدلاً من مقص الرقيب فتنتشر التابوهات التي تحرم فك الشفرات وتنصب أعواد المشانق المطاطية التي لا تهتم بإعادة الروح إلى خالقها بالقدر الذي تسقط قائمة المحاذير السوداء في غرفة أهواء المتلقي المغلقة لتلقنك فنون التقاط الغسيل القذر بعيداً عن شبح إرهاب الدول. وإذا لم تكن مأجوراً أو عميلاً تبتهل إلى الله أن لا يبطش بك زوار الفجر أو أعوان العسكر وأن لا تحلل فتوى ظالمة دمك لمجرد أنك شطحت في السخط أو انتشيت في لحظة ألم أو لعلك قرعت مع الطيبين أجراس الخطر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى