بحر التواهي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
أسلمت "«التواهي» فلذة من كبدها إلى الروضة «القلوعة» عقب افتتاح النفق الجميل الذي غيّر الجغرافيا فأصبح خليج الفيل «جولدمور» محصوراً بين نفقين وتابعاً إدارياً للقلوعة وإن كان حضارياً ونفسياً معلقاً بالتواهي، وما الحب إلا للحبيب الأول، ولكم نقلت فؤادي حيث شئت وشاء لي الهوى، فلم أجد مكاناً أشتري منه فرحي أفضل من هذا «السوبر ماركت البحري العظيم» الممتد بحجم الأشواق من «شاطئ العشاق» حتى «عروس البحر» وصولاً إلى «نادي البحارة» الذي أضناه الانتظار لذوي الملابس و القبعات البيضاء، كما لم أجد مكاناً يليق بدموعي أنبل من هذا المكان المطرز بالآلام كمحارات البحار التي تلد اللآلي، لذلك أسير على رماله كأنني أجس نبضه ولطالما رددت:

امش الهوينى إن هذا الثرى

من أعين فاتنة الاحورار

أُكْبر في «الكثيري» إقدامه على لملمة المواقع السياحية المتلاحمة والمتناثرة كما يلملم طائر القطا فراخه تحت جناحيه، ولولا ذلك لراحت بددا وأصبحت أثراً بعد عين، وهذه الأوله، والثانية عادها لما تكون، فعدا الاستثمار المجزي في «الشيراتون» فإن السندريلات الأخر مهملات إلا من مشاريع على الورق مودعة في رأس «باوزير» ذلك الرجل الطيب، الذي يغرقك في شبر ماء من كرم الضيافة «طبعاً من طرف اللسان» ولكن هذا يكفي في زمان «الهنجمة» وشيوع حكمة عمنا يحيى عمر اليافعي «إن شفت شي في طريقك وأعجبك شله» وأنا أرى أن الإصلاح ينبغي أن يبدأ من «الحمامات»- أعزكم الله- فمرفق سياحي يشع كقطعة ألماس على خليج التواهي بحمامات تنتمي إلى مقاهي الطرقات الخارجية التي لا تمتد إليها يد بتنظيف يعتبر نكتة تضحك الأرامل النادبات «ولكنه ضحك كالبكاء» وإذا ما صلح الحال هناك فسيصلح في مكان آخر، بتوفيق من الله وبركة دعاء الوالدين وجاذبية الأرزاق التي إذا أقبلت انقادت بشعرة وإذا أدبرت قطعت سلاسل الحديد، وياعيني على الخُرَّد العِيْن من النساء الفائحات كورد البساتين وهن يتهادين بفساتينهن المسبلة على أحذيتهن احتشاماً في تلك السبخات الحمَّامية- باستثناء الشيراتون طبعاً- أما الرجال فـ «ليس الأعاريب عند الله من أحد» كما يقول أبو نواس، «وقد ذل من بالت عليه الثعالب».. وهذا يكفي.. ويامن تتحدثون عن السياحة، فتشوا الحمامات فهنالك تُنصرون أو تُقبرون، ومالنا لانفكر في جائزة شرف تمنح سنوياً لأفضل المرافق السياحية نظافة حمامات، وجائزة «تفلة قرف» لأوسخها يقفل المرفق على إثرها مع التشهير والتعزير على أنغام فرقة «حسب الله»:

ولم أر في عيوب الناس عيباً

كعجز القادرين على التمام

يا..عيباه.. يا.. عيباه، مع الاعتذار للطفي وأحمد قاسم رحمهما الله.

أما عن «التاكسيات» فحدث ولا حرج، فأنت محظوظ جداً إذا وجدت سيارة أجرة عمرها أقل من عمر صاحبها، وأكثرهم مخزنين ومحشرين وقرفانين من الحر، ولن تصل إلى المكان الذي تقصده إلا وقد قرأ عليك المعشر المتفق عليه لإكرام السائح، وقد اصطدت تاكسياً في لهيب الظهيرة في التواهي ثم اكتشفت أنه هو الذي اصطادني حين هب خمسة آخرون كانوا مخزنين تحت ظل شجرة فأخذوا يوصونه بي بالأصوات العالية المنكرة يتبعها الغمز واللمز حتى أنني نزلت من السيارة وسألته عن الأجرة مقدماً، فقال لي: مالك ولأبوهم، حتى لو ركبت مع واحد منهم كنت باسوي مثلهم، قلت له: ونعم الأخلاق، هكذا هكذا وإلا فلا لا.

وطول الطريق إلى مخبازة «أبو شنب» الشهيرة في واجهة سوق التواهي وأنا أحتضن الباب الذي لا يغلق، وقد أخذ يغني ليحيى عمر فراسة منه أنني من قوم «إذا دخلت المدينة قول باسم الله» ولما سألته إن كان هذا الشاعر لايزال حياً (مات منذ أكثر من قرنين) قال لي بتعالم إنه الأسبوع الماضي سلم أغنية لمحمد عبده». «وياسلام لو تشوف كيف كان منور في الصورة» عرفت أن ذمته أوسع من كذبته، وفي المطعم وأنا أزرّ العرق طلبت حوت سمك، فسألني المقرب: معك وإلا من عندنا ، فتشت جيوبي فلم أجد شيئاً، قلت له: من عندكم.. اللهم طوِّلك ياروحي..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى