بردونيات (الآتون من الأزمة)

> «الأيام» عبده يحيى الدبااني:

> قضية الغلاء الذي يسحق الناس لا سيما الفقراء بين زمن وآخر هي قضية اقتصادية اجتماعية وتبدو بعيدة عن الشعر بعض البعد، ولكن مع هذا فقد وجدنا في الشعر العربي بمختلف مراحله قصائد تصور سوء الأوضاع المعيشية للناس لا سيما في الشعر الذي يقال باللهجة العامية (الشعر العامي).

أما قصيدة البردوني (الآتون من الأزمة) فيبدو أنها تصور ما وراء قضية الغلاء نفسه بل تفلسف القضية وتشعرنها وتضع يدها على مواطن الداء والأورام الخبيثة وتقترح التطبيب والدواء وإن كان تدخلاً جراحياً مكلفاً وخطيراً، فهكذا هو الشعر ضرب من التطرف ولا يجمل التطرف ولا يصح إلا في الشعر أو في الفن عموماً مع أن للفن طريقته في الاعتدال فقد يجنح إلى الاعتدال المتطرف كما يجنح إلى التطرف المعتدل.

فقصيدة البردوني إذن تصوير فني للأزمات التي تسحق هذا الشعب المسكين متوسلاً بالخيال من أجل الكشف عن جذور هذه الازمات، هكذا يبدأ الشاعر صرخته الفنية:

يا حزانى.. يا جميع الطيبين

هذه الأخبار من دار اليقين

إن شاعر القوم منذرهم و موطن فراستهم.. فما هذه الأخبار؟

قرروا الليلة أن يتجروا

بالعشايا السفر بالصبح الحزين

فافتحوا أبوابكم واختزنوا

من شعاع الشمس ما يكفي سنين

وقعوا مشروع تقنين الهوى

بالبـطـاقـات لكـل العـاشـقـين

هكذا أخضع السماسرة وأرباب الاحتكار ومصاصو الدماء كل شيء للمتاجرة والكسب والابتزاز، لقد أرادوا أن يحتكروا مالا يحتكر ويبيعوا مالا يباع ويستأثروا بما هو مشاع فضلاً عما تحمله الأبيات من رمز إلى أن هؤلاء الذين لم يذكر لهم الشاعر أسماء يتاجرون بأقوات الفقراء وراحتهم وأمانيهم فهم في الأخير كأنما يمتصون دماءهم فعلاً لأنهم يحتكرون أقواتهم التي هي مصدر دمائهم:

قرروا بيع الأماني والرؤى

في القناني رفعوا سعر الحنين

فتحوا بنكين للنوم بنوا

مصنعاً يطبخ جوع الكادحين

أنكم أجدر بالسهد الذي

بعد الـفجر يوـصل الثأنرين

وهكذا تستمر القصيدة في لا معقوليتها العاقلة إذا جاز التعبير تذكرك بالمسرح اللامعقول الذي يعالج قضايا واقعية معقولة فليس الخيال إلا وسيلة للكشف كما ذكرنا فهؤلاء المجهولون الذيم (قرروا) يمضون تباعاً بهذه الأفعال الخارقة من مثل:تجفيف شطآن الأسى لكي يبيعوها وتعليب الأمراض وإعلاء سعرها وبناء سجن للأمن وإعلان مجانية الموت في إشارة فنية إلى وصول الأحوال إلى عكس ما ينبغي أن تكون إلى لا معقوليتها.

ازمة النفظ لها ما بعدها

أنكم في عهد (تجار اليمين)

فاسبقوهم يا حزانى وارفعوا

علم الإصرار وردي الجبين

واحرسوا الأجواء منهم قبل أن

يعلنوها أزمة في الأكسجين

لقد جسد الشاعر ملابسات الأزمة وكشف عن أسرارها بما ذكر وما لم يذكر وهاهو يشير إلى كيفية الخروج من هذه الأزمة التى تطحن الناس وآدميتهم وأحلامهم ومقومات حياتهم الفطرية الضرورية إذ يقول:

إنهم أقسى وأدرى أنما

جـربوا معـرفة السـر الـكمين

عندما تدرون من بايعكم

يسقط الشاري وسوق البائعين

عندما تدرون من جلادكم

يحرق الشوك ويندى الياسمين

عندما تأتون في صحو الضحى

تبلع الأنـقاض كـل المخـبرين

أنكم أتون في أعينكم

قـدر غـاف وتـاريـخ جنين!!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى