رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والنشأة:مشيخة العقربي، التي كانت إحدى ولايات اتحاد الجنوب العربي والتي كانت تحدها شمالا سلطنة لحج، ومن الشرق ولاية عدن وسلطنة لحج، ومن الجنوب عدن الصغرى، ومن الغرب بلاد الصبيحة، ومساحة المشيخة 100 ميل مربع (أي 25.900 هكتار - حوالي 64.000 فدان)، تتعرض حاليا لنهب على نطاق واسع ومنظم، وتتعرض معها لنفس النهب أراضي عدن ولحج، وقد أعرب شيخ العقارب الشاب الفاضل الشيخ محمد محمود محمد فضل عن قلقه من النهب الذي تتعرض له أرض العقارب.

الشيخ محمد علي العقربي من مواليد بئر أحمد حاضرة مشيخة العقارب في سبتمبر 1910م. نشبت خلافات بين عدد من أسر المشيخة فدارت حرب طاحنة بينها ونجحت مساعي أهل الخير في رأب الصدع ولم الشمل، وتقرر إبعاد الشيخ محمد علي العقربي إلى لحج وإبعاد الطرف الآخر إلى عدن كلاجئين سياسيين.

دخل الشيخ محمد علي العقربي دائرة الضوء في السلطنة اللحجية العبدلية بفضل حنكته وحزمه وثقافته وحبه للناس وللعدل وللعصرنة فأحبه الحاكم والمحكوم، لأن منعطفات حرجة مرت بها السلطنة بينت نوع معدن الشيخ العقربي فأثبتت الأحداث أن خيرة الرجال - وأحدهم العقربي - هم الذين يرتقون بمواقفهم إلى مستوى الحدث ويخرجون أمتهم من عنق الزجاجة وقلما نجد أمثال هؤلاء الرجال في هذه الأيام التي استشرت فيها الانتهازية ولعب الأوراق واستمراء نهب الأرض والمال العام والضحك على الذقون.

الشيخ العقربي مع أعيان آخرين يصلحون ذات البين بين الشقيقين فضل وعلي

توفي السلطان عبدالكريم فضل، سلطان لحج في عدن يوم 18 يونيو 1947م عن عمر ناهز السابعة والستين عاما وشيع جثمانه إلى مسجد العيدروس بكريتر (عدن) يوم 19 يونيو، حيث تمت الصلاة عليه هناك وتم دفنه في المقبرة الملحقة بالمسجد. تم تنصيب أكبر أنجاله (فضل عبدالكريم 1907-1977م) سلطانا للحج اعتبارا من 22 يونيو 1947م بموجب إشعار رسمي تلقاه كير كبرايدkir kbride نائب والي عدن acting governor من السلطان فضل وأرفق مع كتابه وثيقة انتخابية وقعتها الهيئة الانتخابية التقليدية المكونة من البيوت الخمسة للأسرة الحاكمة (وهم بيت آل فضل محسن وآل منصر وآل عبدالله محسن وآل علي محسن وآل عبدالكريم محسن) وزعماء العبدلي (وهم السيد حسن بن جعفر السقاف، منصب الوهط والشيخ أحمد عبدالرب أبوبكر والشيخ درويش بن أحمد بن عمر والشيخ محمد فضل عبيد، من قبيلة العزيبة والشيخ سيف بن أحمد عبدالكريم من أهل سلام) لنقلها إلى الحكومة البريطانية.

احتقنت العلاقة بين السلطان فضل من جهة وبين أقاربه من الأمراء ويتصدرهم الأمير علي عبدالكريم (رئيس مجلس المديرين، أي رئيس الوزراء) وذلك في النصف الثاني من عام 1950م وبلغت ذروتها في مطلع يناير 1951م قبل بدء مراسم الاحتفال الكبير بزواج السلطان فضل، الذي طلب من أخيه غير الشقيق علي عبدالكريم فضل وآخرين من الأمراء مغادرة الحوطة حالا، وساد الهلع وسط أقارب السلطان فبدأوا النزوح ليل الاثنين حتى عصر الثلاثاء 2 يناير 1951م إلى عدن وبلغ عددهم حوالي 1000 شخص.

أعرب السلطان عن نيته ورغبته في عودة المياه إلى مجاريها فقام يوم الاثنين الموافق 9 أبريل 1951م بزيارة أخيه علي في قصر الشكر بكريتر (يشغله حاليا مكتب مركز الأبحاث اليمني وفرع هيئة الآثار والمخطوطات بعدن)، كما جرت مساعي الصلح الحميدة بين الشقيقين السلطان فضل وأخيه غير الشقيق علي عبدالكريم - السلطان لاحقا - قام بها المشايخ فضل منصور وعبدالعزيز البان ومحمد علي العقربي وعبدالله الحبيشي في 17 أبريل 1951م.

الشيخ محمد العقربي مديرا للداخلية في إدارة علي عبدالكريم

وجه السلطان فضل عبدالكريم كتابا إلى أخيه علي عبدالكريم يوم 17 مايو 1951م بتعيينه رئيسا لمجلس المديرين، الذي قبل بقرار تعيينه وبعث برده للسلطان وضمنه أسماء المديرين الذين قبلوا التعاون معه وهم: حسن بن علي مديرا للعدل، والسيد عبدالله علي الجفري مديرا للمعارف، ومحمد علي العقربي مديرا للداخلية والتموين، ودرويش بن أحمد عمر مديرا للزراعة، وعلي بن أحمد مهدي مديرا للبلدية والصحة، وعوض بامطرف (والد الأستاذين علي وعمر) مديرا للمالية، أما الخارجية فكانت من نصيب علي عبدالكريم كالسابق.

الشيخ العقربي رئيساً للمجلس التشريعي وعوض بامطرف رئيساً لمجلس المديرين

انتهت اللجنة المكلفة بصياغة الدستور اللحجي في مارس 1951م من عملها وتم رفضه بحجة أنه لم يعرض على الشعب اللحجي، فاضطر السلطان إلى تعيين أعضاء المجلس من بعض رؤساء القبائل والأعيان وأمرهم باختيار أحدهم رئيسا للمجلس فاختاروا الشيخ محمد علي العقربي رئيسا له، وافتتح المجلس صباح الاثنين 31 مايو 1951م بين دوي المدافع وهتاف الحاضرين، وعليه أصبح رئيس الدولة ونائب السلطان بنص الدستور اللحجي، وعيّن الشيخ عوض بامطرف رئيسا لمجلس المديرين ومديرا لمالية لحج.

كان السلطان قد أصدر عفوا عاما عن كل خصومه فعاد بعضهم فيما رابط البعض الآخر في عدن، إلا أن شائعة سرت في عموم لحج في يوم الجمعة 21 سبتمبر 1951م أن جميع الأمراء ومن ضمنهم العائدون اتفقوا مع رؤساء القبائل في اجتماع سري عقد بإحدى القرى على حدود السلطنة الجنوبية على تنصيب الأمير فضل بن أحمد سلطانا على لحج، فثارت ثائرة السلطان فأمر بإحضار كل من كان من الأمراء إليه في القصر فانتشر الرعب في أوصال السلطنة وكان الهروب الثاني الأكبر إلى عدن.

نما إلى علم السلطان أن مصدر الإشاعة كان الأمير أحمد مهدي فقبض عليه السلطان وسجنه وسجن أيضا الأمير حسن بن علي، عم الأمير أحمد مهدي وشقيق آخر سلاطين لحج السلطان فضل بن علي رحمه الله(والد الشيخ محسن بن فضل). ظل الأمير حسن بن علي وابن أخيه الأمير أحمد مهدي رهن الاعتقال في (القصر الحجري) بالحوطة مدة ستة أشهر وكان السلطان يتذكر محاولة الاغتيال التي طالت حياته وما أحدثته من تشوهات في جسمه فكان يطلق النار ليلا على القصر الحجري.

الشيخ محمد علي العقربي يتولى مقاليد الأمور في لحج

أمر السلطان فضل بإحضار السجينين الأمير حسن بن علي وابن أخيه الأمير أحمد مهدي إلى القصر وأحضر قاضي لحج وذلك يوم 15 أبريل 1952م، وأمرهما بأن يسجلا شهادتهما أمام القاضي عن ضلوعهما مع أخيه علي عبدالكريم بالتآمر عليه، ولما لم يحقق السلطان مراده أمر بقتلهما، لأن آخر من رآهما كان قاضي لحج.

رفع أمراء لحج وأعيانها بلاغا إلى حكومة عدن، فأصدر والي عدن بلاغا صحفيا اقترح فيه بأن يقوم قاضي المحكمة العليا بزيارة إلى لحج ليجري تحقيقا حول مصرع الأميرين، وطلب من السلطان تسهيل مهمة قاضي المحكمة العليا واقترح على السلطان إجراء فحوصات طبية أثناء إقامته في عدن وأن يشكل مجلس وصاية لإدارة شؤون السلطنة أثناء غيابه، وانتظر الوالي وصول السلطان إلى عدن يوم 23 أبريل 1952م.

غادر السلطان فضل أراضي لحج برا إلى تعز مساء الأحد 20 أبريل 1952م وسادت السكينة عموم البلاد، وفي صبيحة اليوم التالي تقدمت قوة من جيش محمية عدن إلى لحج بقيادة الضابط السياسي وطسwatts وتسلم البلاد من الشيخ محمد علي العقربي، مدير الأمن والنائب عن السلطان بحكم الدستور.

عقدت هيئة لحج الانتخابية التقليدية اجتماعا برئاسة الضابط السياسي وطس لتشكيل مجلس وصاية من التالية أسماؤهم:

1- الأمير فضل بن أحمد، 2- الأمير علي عبدالكريم، 3- السيد حسن جعفر قاضي لحج، 4- الشيخ درويش بن أحمد عمر (العزيب).

الشيخ العقربي ورسالة السلطان فضل

عند مغادرته أراضي لحج مساء 20 أبريل كتب السلطان الهارب فضل عبدالكريم رسالة للشيخ محمد علي العقربي أنه غادر في زيارة تقليدية لجلالة الإمام أحمد وأنه سوف يعود بعدها إلى لحج، في نهاية أبريل 1952م.

أعلن انتخاب علي عبدالكريم سلطانا على لحج في 5 يوليو 1952م بدلا عن أخيه فضل، الذي لجأ إلى المملكة العربية السعودية وامتد به العمر هناك حتى عام 1977م.

الشيخ العقربي وجهود الصلح التي أرهقت خزائن محاكم لحج

عمل الشيخ محمد علي العقربي على حل النزاعات بين أهالي السلطنة ويجنبهم إهدار المال والوقت والأعصاب حتى أن أحد سلاطين لحج صارحه أكثر من مرة بأن المحاكم اللحجية قد أصابها الإفلاس ولم تعد ترفد خزينة الدولة اللحجية بحصيلة رسوم القضايا المرفوعة إليها، بل ونصحه بتوفير جهده لكي لا تتعطل أعمال المحاكم وتضعف معها إيراداتها، أحد مصادر إيرادات السلطنة.

الشيخ العقربي وشعار «الطالب الفقير»

عمل الشيخ محمد علي العقربي على تسخير جزء من موارد الدولة لصالح الطالب الفقير، ومن تلك الموارد استقطع هامشا ضئيلا وتراكمت مخصصات لا يستهان بها أسهمت فيها البلدية ومنتجو القطن ورواد دور السينما والمواصلات، ووظفت تلك الإيرادات في شراء حاجات الطلاب الفقراء من الزي المدرسي والكتب والأقلام والكراسات ودعم الجهود الرامية إلى بناء المدارس الأهلية وأجور المدرسين، بل وفي ابتعاث الطلاب للدارسة الجامعية في الخارج.

الشيخ العقربي ودعم الحركة الرياضية

كان الشيخ محمد علي العقربي، رحمه الله، من أكثر المتحمسين للرياضة وقدم لها التشجيع والدعم وتأصل ذلك الحماس عندما كان رئيسا لنادي الشعب اللحجي، وكان ناديا رياضيا وثقافيا حمل أهدافا سياسية، وتمتع رحمه الله بحضور منتظم في المباريات الرسمية والودية التي كانت تقام في ملاعب لحج بين الأندية المحلية، وكان حضوره كضيف شرف مساهم في شراء الكؤوس أو التروس التي كان يقدمها للفرق الفائزة.

الشيخ العقربي أحد رموز النظام المؤسسي

عرفت لحج النظام الإداري والمؤسسي وكان الشيخ محمد علي العقربي أحد رموز ذلك النظام، وتجلى ذلك في تنظيم التصرف بالأراضي وفق لوائح ونظم تحدد إجراءات صرف تراخيص البناء والتوثيق وإنشاء إدارة مختصة بتوثيق المواليد وصرف شهادات الميلاد وكذا توثيق الوفيات وصرف شهادات الوفاة.

الشيخ العقربي خالد في وجدان سكان لحج

برزت بصمات الشيخ محمد علي العقربي في إدارة وأمن السلطنة اللحجية وفي وجدان أهالي لحج الذين بادلوه الوفاء بالوفاء والحب بالحب، فنحت اسمه في الصخر وهيهات لعوادي الزمان أن تمحوه، وعند وفاته في أواخر سبعينات القرن الماضي تقاطر أهل لحج من كل حدب وصوب وحملوا نعشه عـلى أكـتافهم والـدمـوع تـبلل وجناتهم حبا ووفاء لذلك الشيخ الوقور المهذب والمهيب.

ما مصير مشروع نجله عبدالله؟

نشرت «الأيام» موضوعا موسوما (منجزات الشيخ محمد علي العقربي في كتاب قادم) في عددها الصادر يوم 22 يناير 2003م، للزميل عياش علي محمد، وورد في الموضوع أن الأخ عبدالله العقربي، نجل الشيخ الراحل محمد علي العقربي يعكف حاليا على تأليف كتاب يضمن فيه أعمال ومناقب والده الراحل الكبير. إن إنجاز مشروع هذا الكتاب سيغني المكتبة التاريخية اليمنية وسيستخلص منه الباحثون والدارسون دروسا قيمة عما فعله السلف وسيحللون العوامل التي أدت إلى تعثر الخلف.

المصادر:

1- علاقة سلطنة لحج ببريطانيا (1918-1959): د. دلال بنت مخلد الحربي.

2- العبادل سلاطين لحج وعدن: حسن صالح شهاب.

3- منجزات الشيخ محمد علي العقربي: عياش علي محمد («الأيام»- 22 يناير2003م).

4- الشيخ محمد علي العقربي- ضمير لحج ووجدانها: عياش علي محمد («الأيام»- 18 يوليو 2001م).

5- السلطان علي عبدالكريم، قصر الشكر وعهد الجحود: نجيب محمد يابلي («الأيام»- 24 يناير 2001).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى