الأمثال اليمانية من العدين إلى عدن

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
بعض الكتاب يضعون مقدمات لمؤلفاتهم تسحر القراء لعمقها واحتوائها على كنز من المعلومات تضيء موضوع الكتاب إلى أن تشعر أنك قد تشبعت علما حتى قبل البدء في قراءة المادة الرئيسية، كذلك أحسست عند قراءة مسرحيات الكاتب الإيرلندي المبدع برناردشو، وأخص بالذكر تلك التي سماها ميجر برباره. لكن ذلك كان في الستينيات.

وهنا في الوطن أجد في مقدمات كتب الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني مادة زاخرة تنم عن علم غزير بأسلوب سهل ورشيق في أكثر مؤلفاته الثلاثين التي رأت النور وتلك التي تنتظر الطباعة منها «عدن في عيون الشعراء» على سبيل المثال، وتلك التي تناولت الشعراء إدريس حنبلة ولطفي جعفر أمان وعلي محمد لقمان. واليوم أراني أقرأ مرتين مقدمته الممتعة عن «الأمثال اليمانية» التي استثمر لها علومه الأكاديمية في البحث والتنقيب والترتيب مما سيجعل كتابه الصادر عن جامعة عدن التي أراها تتجلى وتتبلور بقيادة الدكتور عبدالوهاب راوح وقبله الدكتور صالح باصرة والكوكبة اللامعة التي تعمل فيها إلى واحدة من أبرز جامعات الوطن والعالم العربي.

أعجبتني المقدمة الأدبية الرائعة ثم برمجة الأمثال التي عرفت بعضها منذ الصغر ومن حكايات أمي وجدتي رحمهما الله، لأن نسبة عالية من الأمثال جاءت باللهجة العدنية، وتقريبا كل أمثال الجزء الجنوبي من الوطن من إب والعدين إلى كريتر والشيخ عثمان مرورا بلحج كانت بالعدنية كما يلي:

- فلان يغمز بالغدره.

- مغني جنب أصنج.

- في بلاد العور أعور عينك، المثل الإنجليزي يقول ما يشبه ذلك «إذا كنت في روما تصرف مثل أهلها».

- مع العور يا شقرا.

- عمية تخضب مجنونة - شائع جداً في عدن.

- زي اللي يبول بالنيس (الرمل).

- ينفخ في رماد.

ولم أعثر على المثل القائل «يسكب مي (ماء) في سلة» مع أنه قريب من الذي يبول في النيس.

استند الدكتور الهمداني أو بالأصح رجع إلى كتاب الأستاذ إسماعيل بن علي الأكوع الذي طبع عام 1967م، وكنت أتمنى أن يشير إلى كتاب أو بالأصح كتيب الأمثال العدنية لمؤلفه الأستاذ القدير عبدالله يعقوب خان الذي كان يقيم في شارع العيدروس في بناية مواجهة لشركة ألبيس الرئيسية ومنه تواصل السير إلى الجامع العتيق، وطبع في دار «فتاة الجزيرة» بُعيد أو أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد جاهد الأستاذ خان في جمع أكبر عدد ممكن، بدأها بالمثل القائل: أبرد يا مرق لما يجيك اللحوح، وهو الذي ضمنه الدكتور كتابه تحت حرف الألف، وعلق عليه في صفحة 26 بقوله: «كيف يبرد المرق وكيف يجي اللحوح؟ لكنها تظل صورة تعبيرية يمنية في جوانبها».

وهو مثل من الأكثر شيوعا في عدن ويعني كما علمت أن قائله يشير على المخاطب - بفتح الطاء- بالتريث إذا اشتط غضبا وكأنه ينصحه بالهدوء، لأن المرق عادة ما يكون بل يجب أن يكون حارا للغاية، فإذا تركته فترة حتى تهبط درجة حرارته استطعت أن تغمس اللحوح فيه لتأكله مبتلا بالمرق الحامض كالذي نصبه على العصيد.

وبعض الأمثال تتحول مثل: «إذا فلّس اليهودي دوّر في دفاتره»، إلى أن أصبح: لما يفلس البنيان- الهندوكي التاجر- يفتش دفاتره بحثا عن ديون معدومة. كذلك «إذا كثر الطباخون فسد المرق» والأقدم منه «إذا كثر الطباخون حرق اللحم»، وهناك ما يماثله في الإنجليزية «كثرة الطباخين تفسد الشوربة».

وهناك أمثال قيلت حبا في السجع ليس إلا مثل القائل «إذا كان بالدال قوة كان في الهندي مروة» مع العلم بأن الدال وهو العدس يحتوي على كنز من النشويات النافعة التي تعتمد عليها الشعوب الآسيوية ولا يستطيع أخونا المصري الاستغناء عنه، ومع ذلك هناك من ذوي المروءات في آسيا ومصر ما لا يمكن حصرهم. أما مثل «ساهن من الظبية لبن» فقد كان يستخدم في عدن لأكثر من سبب وغرض يؤدي معناه أي أن يتوقع تلقي مكافأة من أي نوع كانت.

وهناك أمثال لا يعرفها إلا أهل عدن من حافة حسين والقطيع إلى المعلا والتواهي والشيخ عثمان، لأن كلماتها دارجة حتى العظم، مثلا «من طعم الحالي دندل مشافيره» المشافير هي الشفاه، ودندل مشتقة من تدلى، كما أن دلا دلا مشتقة من الكلمة العربية ذاتها. كذلك المثل القائل «كعّف اليهودي مرق» وهذا احتاج إلى شرح المؤلف لأن اليهود في عدن كانوا يعافون المرق العدني و(كعّفه) تعني أجبره على شربه.

وذكرني المثل القائل «أنت ابنك بيزمط» الذي قاله أحد تجار عدن في القرن الماضي وهو على أهبة السفر إلى بومبي. فجاءه أناس يطلبون منه هدايا لأسرهم على أن يسددوا ثمنها عند عودته واستلامهم لها، وروى لي الوالد رحمه الله أن المسافر كان يهز رأسه بسخرية حتى وصل آخر وبيده روبيات تكفي لشراء (زماطة) بالونات أو لعب تصدر أصواتا كالصفارة هنا قال له التاجر: «أنت ابنك بيزمط».

أمتعني الدكتور أحمد بكتابه كما فعل من قبل في «عدن في عيون الشعراء» وقضيت ليلة ساهرا أو سارحا مع سبعين عاما من الذكريات الحاليات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى