نعم لحكومة إنقاذ من... حروب «كل» الآخرين !

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
لا يضيرنا أن يكون السيّد حسن نصر الله هو الذي اقترح حكومة إنقاذ أو "حكومة طوارئ"... وكان يغنينا عن قبولها، أو رفضها، رئيس الجمهورية (رغم لاشرعيته المشغول بنقلها إلى الحكومة واجتماعاتها والمداولات والمقررات) لو لم يكتف الاسبوع الفائت بجعل "مبادرته" الداعية إلى التقاء الرئيسين البري والسنيورة (وتأليف حكومة تشكّل مخرجاً من الأزمة التي كان سبّاقاً إلى مشاهدة خطورتها ومضاعفاتها...) مجرد تصريح صحافي، عقّب عليه مساء السبت بتصريح تلفزيوني، ومن "الجزيرة" بالذات....

نقول: لو لم يكتفِ بذلك، بل بادر فعلاً - أو لا تكون "المبادرة" مبادرة، ورئاسية! - إلى تجاوز كل "خيوط العنكبوت" الدستورية التي حاكها بينه وبين المؤسسات الدستورية، وتنقية الأجواء بدعوة الرئيسين البري والسنيورة إلى اجتماع في القصر على نحوٍ يجعلهما يتجاوزان كل العقد فيلبيانه، ويستمران في الاجتماع في ظل البقية الباقية، ولو ضئيلة، من الهيبة الدستورية إلى ان يتفقا على مخرج.

****

اذذاك كان يقول الرئيس السنيورة كل التحفّظات التي أدلى بها تعليقاً على اقتراح السيّد حسن نصر الله، وربما كان اذذاك كذلك تمكن الرئيس البري من تقديم التعهدات (هذه المرة مواجهة، ومن دون وساطة أحد ولا مبادرة أحد، وبما له من "مونة" بحكم شخصيته، فكيف بموقعه وبما صار قد سلّف وبذل) التي تحصّن مشروع الحكومة الانقاذية من المخاوف عليها والعثرات...ولا نخال الوقت قد فات، فلا يزال في وسع الرئيس لحود أن ينطلق بالمبادرة هذه ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية، بدل الاستمرار في التهويل، كما فعل في خاتمة حديثه التلفزيوني، بحل سحري يظن انه لا يزال في متناوله... وهذا "الحل" أيّاً يكن، هذا اذا كان حقاً موجوداً، هو من المستحيلات الدستورية التي تحفل بها الجنة التي سميناها "العصفورية الدستورية"... وامنيتنا، بل نصيحتنا للجميع ان نتحاشى ولوج ابوابها، لأنها كلها ستكون مرصودة، واذا فُتحت فعلى جحيم يساعدنا "فتح الاسلام" على الاحتراق في نيرانه.

****

وعندنا ان من الضروري ان يتم الاجتماع الرئاسي، اذا حصل كما نتمنى، حول جدول أعمال واضح يجري الاتفاق على بنوده بصراحة والتزام.

وجدول الأعمال هذا، كما يتراءى لنا انه يفرض نفسه، هو الآتي:

أولاً: وجوب التمييز بين "فتح الاسلام" ومدنيي المخيمات، فيستمر الجيش في تنظيف المخيمات، بمساعدة المنظمات الفلسطينية، ويقبض على من يتيسر القبض عليهم من "الارهابيين" وتجرى محاكمتهم ومعاقبتهم على نحوٍ يحفظ العدالة ويعيد إلى الجيش كرامته ويكرّس هيبته. ويجري الاتفاق ضمنا، انما صراحة، على قفل باب المناقشة، كل مناقشة، في مَن نصب فخاً لمَن، ومَن كان يجب ان يتحاشى ماذا...

ثانياً: يفتح ملف المخيمات الفلسطينية على مصراعيه في ضوء ما جرى عليه الاتفاق في لجنة الحوار ولم يطبّق منه شيء. وهو: منع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، من أين أتى ويأتي ومراقبة تسلل هذا السلاح واتخاذ التدابير للحؤول دون تسلله من جديد، فضلاً عن تسلل "الارهابيين" الذين "حذرتنا" مصادر الشقيقة سوريا وسلطاتها - من الرئيس البشّار إلى الوليد المعلّم، مروراً بشرع الفاروق!!!... حذرتنا من تسللهم و"استقعادهم"، قاعدة واحدة واكثر في لبنان.

علماً بأنه يجب علينا ان نرفض منطق دمشق التي قالت غداة انفجار عدوان "فتح الاسلام"، ان لا حل أمنياً للمسألة ما لم يتم حل سياسي لها. والى ذلك يجب ان يفهم الرؤساء الثلاثة صراحة (فيما اذا تم اجتماعهم وتشاورهم في جدول الأعمال الشامل بالجدية والتعمّق المطلوبين) ان "فتح الاسلام" وسائر "جند الشام" وما شاكلهم قد يفلتون من أيدي السحرة الذين ابتكروهم فينقلبون عليهم ويصيرون خطراً على استقرارهم... وهم بذلك أعلم! مفهوم؟

ثالثاً: في اطار ملف المخيمات الفلسطينية، يجب ان توضع خطة نهائية لمنع تغلغل المافيات والعصابات على أنواعها إلى هذا المخيم أو ذاك، وان يجري اتفاق واضح وملزم مع السلطات الفلسطينية المسؤولة وكل المنظمات على التدابير الواجب اتخاذها كي لا تتكرر المآسي التي أدت إلى حرب 1975 أو جولات 1968 و1973 التي سبقتها. ولا مانع اذذاك، بل من الضروري ان تباشر محادثات جدية ومسؤولة في شأن ما يسميه الفلسطينيون "حقوقهم المدنية" والتي متى توافرت تُغيّر وحدها التركيبة الاجتماعية - الاقتصادية للمخيمات التي تشكل ارضية الاجرام. ولنتصارح في كل هذه الامور ونمنع استمرار المتاجرات السياسية بالبؤس الفلسطيني كما بالتوطين.

رابعاً: وتتصل بالملف الفلسطيني - اذا اقلعنا عن الرياء! - قضية ترسيم الحدود مع سوريا وضبطها، وهذا ما كان تقرر بالاجماع في لجنة الحوار، كما كان قد تقرر تبادل التمثيل الديبلوماسي مع سوريا، فيجب ان يكون واضحاً ان حكومة الانقاذ يجب ان تنفّذ القرار الحواري الذي اتخذ بالاجماع.

وفي هذا الاطار، أو ما يكمّله، يجب الاتفاق - من دون "كركبة" الامانة العامة للأمم المتحدة بالمواقف المتبادلة والتناقضات المخجلة - على هوية شبعا ومزارعها وانتقال السلطة عليها موقتاً من الاحتلال الاسرائيلي إلى ادارة "أمم متحدية" مؤقتة في انتظار تحريرها الديبلوماسي، وفق ما كان قد اتفق عليه في مجلس الوزراء.

ولا بأس اذا تقرر في جدول الاعمال ان تلتزم الحكومة الانقاذية العتيدة التنسيق الكامل مع الديبلوماسية السورية في شأن احياء المفاوضات مع اسرائيل (وهذا ما يبدو انه صار ممكناً أكثر مما كان في الماضي القريب) على أساس المشروع العربي وقواعد مؤتمر مدريد.

خامساً: معاودة البحث في استراتيجية مقاومة بحيث لا تبقى معها "المقاومة الاسلامية" مقاومة ضد الدولة، بل أداة لبنان في كليته كـ"دولة مقاومة" تواجه العدو الاسرائيلي بنهج موحّد تتلاحم ضمنه كل الفئات وكل الاحزاب، ويكون للجيش الوطني فيه دوره المميز.

سادساً: يجري التفاهم على استصدار قرار مجلس الأمن في شأن المحكمة ذات الطابع الدولي وفقاً لما تكون قد صارت اليه مشاورات مجلس الأمن، وأياً يكن موقف دمشق من القرار الذي طالبت الديبلوماسية السورية من الدول غير الدائمة العضوية بمعارضته، بما فيها دولة قطر الشقيقة. على أن تفهم الشقيقة سوريا ان المحكمة الدولية لن تحكم لبنان ولا تحاكمه، وهي تشكل لمحاكمة من يظهر التحقيق مسؤوليتهم عن الارهاب والاغتيالات، فقط لا غير. ولن تسمح الحكومة اللبنانية ولا مجلس الأمن ولا يقبلان بغير ذلك.

****

هذا هو جدول الأعمال الذي يفرض نفسه ويفرض ان يكون ثمة اتفاق واضح صريح على مجرياته... أو لا تنقذ "حكومة الانقاذ" احداً، ولا تكون، في اسبوع عيد التحرير، اداة تحرير بل الطريق إلى مزيد من ظلم لبنان وابقائه رهينة "حروب آخرين"، اياً كانوا، أشقاء أم اقرباء أم غرباء وأعداء.

ونختم بأن الأزمة التي نعيش كانت، ولا تزال، هي الدليل القاطع على ان لبنان لم يعد يحتمل الاستمرار ساحة حروب لم يعد الآخرون يشعرون انهم حتى في حاجة إلى انكار "أفضالهم" في اشعالها وخوضها وأخذ الشعب اللبناني فكل فئاته رهينة لهم وضحية.

والانقاذ الحقيقي الذي ننتظر من الحكومة العتيدة - اذا تصدّق علينا الله ووكلائه والمتعددين وأوحى بتأليفها - سلوك طريقه هو انقاذ لبنان وكل اللبنانيين، أفرقاء أفرقاء، من اسر المتحاربين على أرضنا وبأجسادنا... وأجساد الفلسطينيين والسوريين كذلك، ولو لم يدركوا بعد!

عن «النهار» اللبنانية 28 مايو 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى