امرأة واحدة لا تكفي

> د. هدى علي علوي:

> «إن كلتيهما تجر ساقية وتدور كجاموسة» ..يعتقد بعض المفكرين الإسلاميين أن الأصل في نظام الزواج يقوم على الزوجة الواحدة، حيث إن الإسلام لم يوجب تعدد الزوجات ولم يبطله، بالقدر الذي عدله وهذبه وعلى خلاف ذلك يرى اتجاه فقهي أن نظام التعدد لم يبن استثناءً بل هو مبدأ أصيل، وعليه فليس هناك حرج في ممارسته ولو كان من أجل المتعة وحدها باعتبار أن الإذن شرعي بإباحته للرجل فقط.

وينتقد مؤيدو هذا الرأي نظام الزوجة الواحدة ويعتبرونه دعوة لإشاعة النفاق الاجتماعي، على أساس أن هذا التقييد يخلق دافعاً لإقامة الصلات السرية وينشئ سبباً لانتشار العلاقات غير الشرعية التي تحكمها الأنانية وينوء تحت ثقلها التخاذل والهروب من المسئولية بدلاً من الالتزامات التي يفرضها رباط الزوجية كميثاق علني يترتب عليه الإحصان والتكاثر وتكوين أسرة، فخطب الكثير من دعاة تعدد الزوجات لهذا الحلال وتغزلوا به وأغرقوا مآثر الرجال ببطولات وهمية تعلي هذا النظام وحكمته في مسايرة قوانين الطبيعة ومراعاة الفطرة الذكورية، مع أن خطاب العقل يفترض أن هذا التعدد لم يكن ليتمخض لملاءمة تكوين الرجل أو احتياجاته الحسية إلا لكونها أدنى الأسباب اعتبارا ودرجة وقد كان للرسول (صلى الله عليه وسلم) منهج في هذا الشأن أقدر على التصدي للحملات الباطلة التي تشكك في النظام الإسلامي ومقومات خلوده كتنظيم اجتماعي في كل زمان، لو أن عقلاءنا الذين آثروا الحجج الواهية والحكم السقيمة قد اعتلى أحدهم المنبر وأطلق لغيرته العنان ليصرخ ملء صوته أن تعدد زيجات النبي الكريم لم يكن طمعاً في المرأة أو سعياً وراء رغبة، إنما هو أمر خاص به وحكمة ذلك أنه كان في مبدأ تأليف أمة ونشر دين جديد وبناء دولة وإنه لم يتزوج بكراً إلا عائشة، والسنة لا تعني مجرد التقليد أو التشبه إنما هي منهج وطريقة، فإذا أراد أحدكم الزواج بأخرى وكانت امرأة واحدة لا تكفي فعليكم أولاً بالأرامل وأمهات اليتامى لتكرسوا الكفالة في أصدق مشاهد العدل الرباني، ومن لم يرد فعليه أن يستطلع القيود الواردة على إباحة التعدد، فإذا لم تعان زوجته العقم ولم تشكُ مرضا مزمنا أو معديا ولم يظهر ضعفها أو شيخوختها فليقرأ مرات نص الحكم القرآني {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} وفيه تحذير على استعصاء تحقيق العدل والتريث قبل الوقوع في الحرج وبالتالي التأثيم عليه، وإذا كان التفسير قد حدد المساواة في الحقوق المادية فقط بحيث يستطيع الزوج أن يعدل في الإنفاق والمسكن والمبيت وحسن المعاشرة وحقوق الزوجية، فقد اشترط الأمن من الظلم وفي هذا إظهار أن دائرة إباحة التعدد قد ضيقها النص تضييقاً شديداً حتى جعل مجرد الخوف من الظلم موجباً الاكتفاء بزوجة واحدة وأما المساواة في الحب والمشاعر فقد تم تعليقها على حجة ما لا يملكه الإنسان أو يقدر عليه.

إن آلة الدعاية المجتمعية الصدئة التي تعمل مخلصة في الترويج لتعدد الزوجات كنظام مثالي درءاً للفاحشة أو إسهاماً في معالجة مشكلة زيادة عدد الإناث يجب أن تتحطم أمام الخطاب التصحيحي وعلى طوق النجاة من وهم الكمال وخدر الخيال الذي يدفع البعض إلى تعاطي عقار الصبيان وارتكاب حماقات الكبار بسبب تأثير جرعات مكثفة من هرمون الفحولة أن يرتطم بعاهات الوجدان وقبح المصالح، فلا هالة من الجمالية التراثية على وحش شهريار في ألف ليلة وليلة الذي ينشب أنيابه دون رحمة في تاريخ الثقافة العذرية ولا قراءة لمانشيتات تجارية تسوق لنمطية استهلاكية في ارتباط المرأة بالرجل فتوسمها بالزواج تزلفاً وتضفي تكييفاً شرعياً على صداقات المسفار وعلاقات الفرندز أو غطاء على نزوات الصيف أو ما يعرف بالزواج السياحي وغيرها من الطفيليات الناشطة التي ترتفع بالرغبات الدنيا حد السمو وتحقنها ضد بكتيريا العفن لتمنحها مناعة ضد الوقوع في شرك المحظور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى