ارحموا طه حسين

> عبدالناصر النخعي:

> لا يختلف اثنان في أن الاستاذ الدكتور طه حسين قد أثرى الفكر العربي والعالمي بآرائه، على الرغم من أنه قد خرج عن المألوف في كثير من هذه الآراء، وقد رُمي بعد ذلك بكثير من التهم من قبل العلماء والفقهاء والأدباء.

غير أن المنصفين من العلماء والأدباء قد أثبتوا تراجعه عن أقواله وآرائه التي شذت عن المألوف. وإنه لمن الإنصاف أن نشير هنا إلى أن أول من أكد هذا التراجع بالأدلة الموثقة - من كتب طه حسين نفسه- هو الدكتور محمد أبو الأنوار في بحثه الموسوم :«كلام جديد عن طه حسين» .

فكل ماجاء في كتاب طه حسين «الشعر الجاهلي» تراجع عنه في كتابة «مرآة الإسلام» وقد بين أبو الأنوار أن منهج طه حسين في إنتاجه الأدبي كان يقوم على ركيزة أساسية وهي أن ما يفكر فيه ويقتنع به يكتبه ويسطره، ولا يعاد النظر فيه.

ولا شك أن الإنسان قد يعرض له تغيير في فكره وقوله، فما يقرأه طالب العلم والناقد اليوم ويتمثله ويقتنع به قد يتخلى عنه ويتركه غداً أو بعد غد وهذا شيء ملاحظ في السير الذاتية لكثير من العلماء والأدباء.

وطه حسين واحد من هؤلاء الناس على الرغم من انتهاجه في فترة من فترات حياته نهجاً خاصاً خالف به كثيراً من المفكرين، فما يراه الناس شراً قد يرى طه حسين أن فيه خيراً ورخاءً، فنرى مثلاً أنه يدافع عن الحرب وفوائدها فهي ليست شراً محضاً، لأنها تهب الحياة خصوبة ونماءً، إذ بعد توقفها تتجدد الحياة وتنمو، وتمنح الإنسان ثورة في حياته المادية والعقلية.

ومما عرضه الدكتور محمد أبو الأنوار في بحثه المذكور آنفاً أنموذج لتراجعات طه حسين، فيقول في كتاب «الشعر الجاهلي» في أثناء حديثه عن القراءات القرآنية إذ وصفها بأنها ليست قراءات توقيفية، ولم يقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قرأت بها قبائل العرب كل بحسب لهجته، هذا نصه:

«إنما تشير إلى اختلاف اللهجات بين القبائل التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن، كما كان يتلوه النبي وعشيرته من قريش فقرأته كما كانت تتكلم، فأمالت حين لم تكن تميل قريش ومدن حين لم تكن تمد وقصرت حين لم تكن تقصر».

ونرى طه حسين يتراجع عن هذا القول الخطير الذي يجر عليه من الشر الكثير كما جاء في كتابه «مرآة الإسلام» في أثناء حديثه عن الموضوع نفسه:«وقد تختلف قراءة المسلمين لبعض ألفاظه مداً وقصراً وإمالة، ولكن سبعاً من هذه القراءات وصلت إلينا متواترة، وأجمعت عليها الأمة، ولا بأس منها على النص لا في لفظه ولا في معناه».

ووردت أقوال كثيرة في «مرآة الإسلام» تنص صراحة بتراجع طه حسين عما قاله في «الشعر الجاهلي».

وعلى أية حال فالدكتور طه حسين يكفيه شرفاً أنه حصل العلم وأفاد منه وهو ضرير، وفاق بذلك مئات بل ملايين المبصرين، فإن يكن قد أخطأ في مطلع حياته العلمية فإنه قد تراجع عن هذه الأخطاء فيما يعد وقد أفضى إلى ما قدم.

وهنا نبث دعوة إلى المتحاملين على الدكتور طه حسين لدراسة كتبه ومراجعة أقواله، وموازنتها، ولا شك في أن من سيقدم على هذا العمل سيخرج فيما بعد بنتائج تفيده وتفيد طلابه، بدلاً من ترديد الأقوال المكرورة، التي سمعناها ومازلنا نسمعها من بعض أساتذتنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى