آخر بساتين فوة

> علي سالم اليزيدي:

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
غابة على مد النظر وهي غيظة من كثرة الاخضرار، بل سوداء يخالها الناظر وبها من كل الفواكه والأشجار والخضار، أنها فوة الزراعية ضاحية المكلا الغربية الشهيرة منذ القدم بالماء والشروج الخضراء، كانت بعيدة عن مدينة المكلا والمسير إليها يحتاج إلى نصف يوم ثم ساعات رويداً رويداً حتى أصبحت ضاحية أو المكلا الجديدة، وفوة وما جاورها من أماكن تشبهها مثل الرمة والجنة وليس بعيداً الخربة، تزرع الموز الحالي والمانجو (الامبا) ثم الباباي وعلوب الدوم، والتمر الرطب، وكذا البسباس والحبحب والبامية، وظلت على مدى سنوات مضت هي المصدر الأساسي للفواكه والخضار التي تزود بها مدينة المكلا وسكانها وأسواقها، أنشأ بها السلاطين والمزارعون الكبار المزارع وقنوات الري والآبار وأقاموا أرضاً تعطي ذهباً، وظهرت بفضل الزراعة في فوة حياة ومدينة وانتعاش رافق المدينة المجاورة وارتبطت أسماء بهذه الزراعة منهم آل بامحيسون وبابرعوص وآل الخلاقي وآل الفردي وآل باضاوي وآخرون.

وساد عصر ذهبي عرفته فوة، حيث أقام الإنجليز بها مزارع الدجاج والبيض منذ الستينيات وأدخلوا أنواعاً من بذر الفواكه استقدمت من الخارج، ونجحت زراعتها في فوة ضاحية المكلا القديمة، المدينة الحديثة اليوم، وفجأة ذهب ذلك الزمن، وما كان أخضر صار يابساً، وما لم تصل إليه العين بالنظر من كثافة الزراعة، أصبح أرضاً جرداء لا يرى بها غير القبح، وهجم البناء والحجر على المزارع، داس الموز وحطم النخل وسقط الباباي والبيدان ولم يتبق إلا النزر اليسير من بساتين فوة، تحكي زمناً تليداً، وظهرت مدن وشوارع ومنازل، جاء حي ابن سينا، وحي المتضررين، وربوة الرماية وحي السموح والدواجن، وذهبت أسماء سادت ثم بادت مثل البنقلة، وسوق فوة القديم، والطلائع، وتبدل الزمن، الأرض الجرداء تعطي نقوداً أكثر وبأسرع وقت بينما الزراعة تحتاج إلى عناية، وولى المزارعون والشباب يلهون بالهاتف الخلوي وألعاب العصر التلفزيونية، والكهول ماتوا أو اعتكفوا في المساجد، أناس جدد يشترون الأرض والعمارات تصعد وأهل المنطقة يعرضون بقايا المزارع والعروش والحجر.. إنه زمن النقود الزائفة التي سحرت العقول وقدمت الاستهلاك والرغبة، بدلاً من حب الأرض والمستقبل، وغابت المشاريع وجمعيات التوعية والتنمية ودعم الفقراء والمزراعين، ذهبت مع الريح والأحلام تتطاير. وأمام هذ ا كله توقفت امرأة من هذا الزمان، إحدى النساء الحضرميات امتحنها الزمن وصارعت أيامه، ليلى الشعيبي، أرادت إلا أن تزرع بستاناً من نوع جديد، وتحفظ النشء والشباب، إنها مديرة المعهد التجاري بفوة، وبعد 24 عاماً من عمر هذا المعهد في أطراف فوة القديمة، ومع كل الهجوم على ما هو أخضر قالت الأستاذة الفاضلة ليلى الشعيبي عافاها الله: ليس لدي إلا أن أزرع ما يزهر في عقول الشباب والشابات، حديقة أزهار للمعلومات والعلم، واحتفلت مع طلابها الفنانين والشباب والصغار بعيد المعهد في آخر بساتين فوة، وتحت شعار (حتى لا تبقى الأرض جرداء فلتزهر العقول ونحيا).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى