من منطق الشرعية في مواجهة «العصفورية الدستورية» !

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
يجب إهداء قرار مجلس الأمن بإنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الى أرواح القضاة الشهداء الأربعة الذين جلسوا على قوس محكمة في صيدا للفظ حكمهم في قضية ارهابية صارت منسيّة، ففاجأهم من النافذة رصاص لا يزال مجهول الهوية (؟!)... وحتى الآن لم تتمكّن السلطة القضائية اللبنانية من إنجاز تحقيق معقول في «الجريمة النكراء» فكيف بإصدار حكم عادل لا يثأر لشهداء العدالة، بل يُطمئِن، على الأقل، سائر القضاة الى «حصانتهم الحياتية»...ولا يزال في لبنان مَن يستغرب اضطرارنا الى اللجوء إلى العدالة الدولية المحصّنة من مجلس أمن منظمة الأمم المتحدة التي اضطر لبنان الى اعلان الحرب على اليابان، قبل سقوطها بأيام كي يكتسب حق الانضمام الى مؤسِّ سيها والتنعّم بامتيازاتها.

<<<
في أسبوع إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لا نستلهم فقط ذكرى رفيق الحريري وبقية من يُتوقع أن تنظر العدالة الدولية في اغتيالهم أو محاولة اغتيالهم، فضلاً عن محاولة اغتيال أمن لبنان واستقراره في رأس بيروت واشرفيتها، وفي عاليه والمتن، وربما غداً أو بعد غدٍ في مناطق أخرى، إذا نفّذت دمشق تهديدات سفيرها اللاديبلوماسي في نيويورك ووزير خارجيتها المعلّم وفاروقها “الشرعوي”... وكلها مواقف قد يعتبرها المدعي العام الدولي قرائن وعناصر “اتهام ذاتي” يضمها الى ملف المحاكمة...فحذار الاستمرار!

نقول: نستلهم، ابعد من ذلك، ذكرى الرؤساء الشهداء بشير الجميل ورينيه معوّض ورشيد كرامي (هل يستلهم يا ترى دولة شقيقه ذكراه؟) وكمال جنبلاط والمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح، فضلاً عن زملائنا الأحباء (قدْر سمير قصير الذي احتفلنا بذكرى استشهاده الطريّة أول من أمس) نسيب المتني وكامل مروة وسليم اللوزي ورياض طه... وكلهم تنام عدالة قضاياهم في ظلال الإرهاب الفكري والنفسي، بل الضميري الذي سربل الشرعية اللبنانية وكل سلطاتها، عهداً بعد عهد... ولا تفسير لذلك كله غير الخوف!

<<<
من هنا ان المطلوب من المحكمة ذات الطابع الدولي ان تحدث هزّة قضائية، بل ثورة في لبنان تعيد الى جمهوريته ولو بعض الايمان بأن ثمة قوانين يجب تطبيقها – ويمكن – غير قوانين شريعة الغاب التي ترعى أنظمة هذا وذاك من الاشقاء الذين يطمحون الى دفن هويتنا في طيّات عقائدياتهم البالية ومافياتهم المتوحشّة، ولو تستّرت باسم دين هو منها براء.

وأمنيتنا السياسية الأولى في هذا الإطار والسياق هي أن تتمكن الدول المتطوعة للقيام بمساعي اعادة شيء من العقلانية الى ديبلوماسية المنطقة من أن تساعد الشقيقة سوريا في الجاء اسرائيل الى قبول الدخول في مفاوضات سلام معها كي ننتهي والعالم العربي وجامعته وفلسطينييه من تذرّع دمشق بحربها “النظرية” مع اسرائيل للبهورة باسم «وطنجية» تدّعي احتكارها وهي التي تزرعها في حلف موضوعي مع العدو الذي يعترف بذلك، بدليل تفرّده، كلما تزعزع نظامها، باحتضانه في الدعوة إلى الحفاظ على استقراره كي لا تتزعزع معادلات السيطرة الاسرائيلية على المنطقة.

وإن ننسَ، لا ننسى، ان دمشق كانت تفاوض هذا العدو سرّاً – وهو الذي كشف السر وساق البراهين عليه – بالذات عندما كان يُفترض فيها أن تهبّ لنصرة “المقاومة اللبنانية” في حربها مع هذا العدو وهو يقطّع شرايين الحياة في كيان لبنان، ويدمّر المدائن والقرى ويغتال الأهالي شيوخاً ونساء وأطفالاً... ومقاتلين... وبالكاد تنصرنا دمشق بأكثر من عبارات التعزية!

<<<
أمنيتنا السياسية الثانية، المكمّلة لتلك، هي أن ننطلق من تصفية عصابة “فتح الاسلام” (بفضل بطولة الجيش التي لو طلبت منه الحكومة ممارستها عام 1975-1976 لوفّر على لبنان بعض الحروب التي وقع في شركها...) الى فتح ملف المخيمات الفلسطينية بكليتها، وذلك انطلاقاً مما جرى الاتفاق عليه وتقرر في لجنة الحوار الوطني، فتصبح “حكومة الاتحاد الوطني” التي صار لا مفر من تأليفها هي المؤتمنة على القرارات الآتية التي توافقت عليها لجنة الحوار بإجماع اعضائها:

1 وقف التسليح الفلسطيني الذي فقد شرعيته لأنه لن يتوجه، انطلاقاً من المخيمات، الى خوض حرب تحرير في فلسطين المحتلة ولا الى المساهمة في أية انتفاضة محتملة هناك. بل على العكس يخشى أن يتوظّف في تحويل المخيمات “غزة مصغرة” تتحارب فيها المنظمات بدل ان تتآلف. فضلاً عن خطر تحوّل بعض المنظمات – “الفالتة” إلاّ من قبضة الاجهزة غير الفلسطينية – عصابات إرهابية غير فلسطينية أو رديفاً لهذه العصابات تحتضنها كما كاد ان يحصل في مخيم نهر البارد، وكما يحصل في سواه.

2 الاعتراف بالحكومة الفلسطينية حكومة دولة شرعية وتشجيعها على اعلان نفسها هكذا من دون انتظار موافقة اميركا أو اسرائيل، ثم تحرّك الديبلوماسية اللبنانية للاستحصال على الاعترافات الدولية بهذه الدولة، وانطلاقاً من ذلك مركزة التعامل مع المخيمات والمنظمات وكل الهيئات الفلسطينية في علاقات نظامية مع الحكومة الفلسطينية التي يطلب منها لبنان اعطاء “هويّات” للفلسطينيين، فلا تستمر عبارة “لاجئين” هي تسميتهم وصفتهم القانونية، بل يجري التعامل معهم كمواطنين عرب لدولة عربية قيد الانشاء. وهكذا تسقط التفويضات “الذاتية” لبعض المتزعمين والقادة العسكريين الموروثة قياداتهم من ايام العمل الفدائي الذي انقضى زمانه.

3 تطلب الحكومة اللبنانية من حكومة الأمر الواقع الفلسطينية انابة أحد وزرائها او ممثليها الذين يتمتعون بصفة تفاوضية ملزمة غير منازع عليها للتباحث مع وزير لبناني يكلف بالشؤون الفلسطينية في كل الامور التي تعني حياة المخيمات وما صار يوصف بالحقوق المدنية للاجئين.

وهي مبادرة تضع حداً لكل المتاجرات بالتوطين وما اليه. ويمكن اذذاك ان يوضع نظام او يوضع اتفاق ذو صفة دولية شرعية مستوحى لا من اتفاق القاهرة الذي صار باطلاً وقد زالت مبرراته، بل من الأنظمة والمقررات التي كان قد باشر وضعها وأقرّ بعضها الاستاذ المعلّم كمال جنبلاط حين كان وزيراً للداخلية عام 1971.هكذا – ونقولها بصراحة ووضوح – ينقطع امكان تفويض دمشق أو سواها الى هذا أو ذاك من مدّعي الصلاحية المرجعية الفلسطينية جهات أو مسؤوليات او قيادات تمكنّهم من القيام، وفي ظل غطائها، بأعمال متصلة بالمخابرات وما اليها وصولاً الى الارهاب.

<<<
القرارات الثلاثة هذه تثبت كم صار من الضروري تأليف حكومة اتحاد وطني (ترث حكومة السنيورة برئاسته ربما متجاوزة المعادلات الحيسوبية في تمثيل المجلس، وبيان حكومته الذي شرعن «المقاومة» وسلاحها الموقت، وبالنقاط السبع وقرارات مجلس الأمن ولا سيما منها القرار 1701، والتزامات باريس 3 الخ...) وحده مثل هذا التصرّف من الحكومة التي نطالب بها (وتتزايد المطالبة بها وصولاً الى ما يقارب الاجماع اللبناني والعربي والدولي) وحده يحمينا من خطر الفراغ الذي تخطط لإيقاعنا فيه “العصفورية الدستورية” التي تبتكرها الولاية غير الشرعية للرئاسة اللحودية الممدّدة بالدماء.

وأخيراً، وليس آخراً، وحدها حكومة هكذا يكون منهجها توحي بأنها قادرة على الحفاظ على لبنان وتنمية حكمه بحيث يصير ممكناً انتخاب رئيس وفاقي، انما رؤيوي كذلك، من غير ان يفرضه علينا احد، كبديل من الفراغ الذي يريدوننا ان نقع فيه... وقد نقع، فينقلب الامر على الجميع من دون استثناء.

عن «النهار» اللبنانية 4 يونيو 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى