التحقيق الصحفي الذي أدى إلى حجز مراسلة «الأيام» بصنعاء في معكسر النجدة .. مواطنون يسكنون أطلال منازل يناشدون بتعويضهم أو كف المضايقات عنهم

> «الأيام» بشرى العامري :

>
إحدى البيارات المحفورة حديثا مخبـأة حتى لا يراها أفراد الشرطة
إحدى البيارات المحفورة حديثا مخبـأة حتى لا يراها أفراد الشرطة
مجموعة كبيرة من الناس يقطنون أشباه بيوت، بقايا أبنية طينية يسدون ثغراتها وأركانها المتهدمة بـ(طرابيل) زرقاء مهترئة أو بقايا ملابس .. 12 بيتاً لا يزيد الواحد منها عن لبنتين أو ثلاث ولكن يسكنه ما يزيد عن الخمسة عشر شخصا لا أدري كيف ينامون أو يعيشون داخله! وتلك المنازل خالية من الخدمات فلا ماء ولا مجاري والكهرباء مكشوفة، وتجد هؤلاء القاطنين يعيشون حالة من الرعب والذعر لأنهم محاطون بمعسكر مستحدث بجانبهم، فخروجهم ودخولهم ممنوع، أن يزورهم أحد ممنوع، دخول أدوات البناء أو ترميم منازلهم أو دخول سياراتهم لهذه الحارة ممنوع وحتى دخول خزانات المياه، الأطفال يتعرضون يومياً للتخويف ورجال الحارة يتعرضون للتحرش من أجل الاشتباك مع أفراد المعسكر، وحتى النساء لم يسلمن من الأذية.. كل ذلك من أجل ترك منازلهم وأراضيهم للمعسكر والرضوخ لشروطهم.

هذه المشاهد في قلب أمانة العاصمة والمعسكر ليس معسكرا حربيا بل هو معسكر خاص بأفراد شرطة النجدة.

البداية

بدأ التحقيق حينما أتى إلى مكتب «الأيام» بصنعاء المواطن عبدالحفيظ المشرقي، أحد ملاك وساكني حوش المرور بمنطقة بير عبيد بشارع تعز وكان قد تقدم بشكوى تعدي أفراد شرطة النجدة عليه وعلى قاطني الحوش، وقدم أوراقاً لشكاوى متعددة من قبل الأهالي وصور لبصائر (وثائق) ملكيتهم للأراضي التي عليها منازلهم، وعلى أثر هذه الشكوى قمت بالنزول الميداني إلى موقع تلك المنازل.

عند وقوفي أمام مدخل الحارة وجدت الشارع الرسمي والأمامي ترتص فيه عمارات شاهقة وجميلة لمحلات تجارية ومحلات مواد بناء وبنوك وفنادق وما إلى ذلك، واستغربت من الشكوى، وعند حضور بنات المشرقي الصغيرات دخلت معهن الحارة، وكان في الداخل اثنان من أفراد الشرطة لم يعيرا مروري من أمامهما أي اهتمام، وأعتقد أنهما توقعا أني من ساكني الحارة، دخلت منزل المشرقي القديم جدا المبني على لبنتين والمكون من غرفتين صغيرتين وحوش ضيق..

> قال المشرقي - الذي يعول أسرته التي تتكون من عشرة أطفال متفاوتة أعمارهم إلى جانب أمهم - عن بداية المشكلة:

«اشترينا أراضينا هذه في عهد السلال، وكانت هذه المنطقة عبارة عن أراض زراعية واشتريناها من ملاكها الأصليين بني معياد، وكانت الأراضي المجاورة لنا مازالت أراضي زراعية، وفي أيام الحمدي نشب خلاف بين قريتي بيت معياد وقلفان دار الحيمة، وقام الشجار بين هاتين القريتين على أساس من يملك أكثر في هذه الأراضي ثم اشترى الحمدي هذه الأرض وأنهى بذلك الخلاف، وتم تخطيط الأرض على أن تكون حديقة الجندي المجهول ويكون بيننا وبينها جولة وشارع رئيسي، وكان قد وضع الحمدي حجر الأساس حينذاك، وفي عهد الرئيس علي عبدالله صالح تم تحويلها حجزاً لوزارة الداخلية، ونحن قاطنون جميعاً في الحارة من قبل ذلك كله، وقامت وزارة الداخلية بعمل سور حول هذه الأراضي امتداداً من شارع تعز وحتى شارع خولان ونحن بداخل هذا السور وطول السور تقريباً كيلومتر ونصف أو كيلومترين ثم بنوا مخازن للأمن ثم بنوا في الجهة الثانية المرور وجزأوا الأرض للبحث والأمن والجوازات، وكلما استحدثوا مبنى ضاق الخناق علينا أكثر، ونحن حتى الآن لم نستطع أن نأخذ أي حق من الدولة لا تعويضنا ولا تركنا لحالنا، وتم إطلاق عشرين مترا من الشارع الرئيسي لشارع تعز للتجار الكبار، ونحن مشكلتنا لا تزال عالقة حتى اليوم».

منزل تهدم جزء منه ومنع ترميمه فغطي بالطرابيل وسور آخر مبني بمخلفات الشارع
منزل تهدم جزء منه ومنع ترميمه فغطي بالطرابيل وسور آخر مبني بمخلفات الشارع
مدخل الحارة

وعن بداية الطريق أيضاً في المواجهة ودفاع هؤلاء المواطنين عن حقوقهم ووجودهم في هذه المنطقة تحدث المشرقي قائلاً: «بعد قيام الوحدة سمحوا للتجار بالبناء على الشارع الرئيسي وكان أثر ذلك أنه أغلق علينا كل منفذ للحارة، وتشارعنا حينها مع مالك البنك اليمني التجاري وكان لم يبن بعد وإنما شرع في البناء، وأخرجنا لجنة من رئاسة الجمهورية ومن مجلس النواب برئاسة ياسين سعيد نعمان ونزلت اللجنة الينا وأمروا بعمل مدخل للحارة، وعندما راجعنا البلدية لأجل ذلك وجدنا مخططا لمدخل من شارع تعز عرض (8) أمتار وداخل جولة وأمام بيوتنا شارع (10 أمتر) وألغي هذا المخطط لأن البلدية لا تستطيع تنفيذه لأنه حجز لوزارة الداخلية، وتشارعنا ثلاث سنوات واستطعنا الحصول على هذا المدخل لأنه ضرورة أو أن ندخل حارتنا بطائرة هيلكوبتر، واستمرينا هكذا وبدأت البنايات الحكومية حولنا تظهر، وكان لديهم هنا خدمات حراسة فقط حوالي طقم أو اثنين.. وبدأوا كما قلت ببناء السور ثم أقاموا المنشآت والمرور والجوازات وأقاموا معسكر المنشآت وكنا نعتقد بأنها مجرد حراسة وآخر المضايقات أننا فوجئنا بنقلهم معسكر الأمانة لشرطة النجدة من شارع العدل الينا وبدأت هنا المضايقات الحقيقية.

فنحن الآن ممنوعون من إدخال سياراتنا للحارة ومنعونا من إدخال الخدمات فلا تلفونات ولا مجاري ولا مياه وحتى منعونا من عمل البيارات الخاصة بنا، وعندما نسألهم عن السبب يقولون لأنكم تحت أمر الإزالة، وما زاد الطين بلة أنهم انشأوا فرناً للكدم بجانب بيوتنا يخرج منه وعلى مدار الساعة دخان كثيف متصاعد لأنه يعمل بالديزل، مما سبب لنا الكثير من الأمراض ناهيك عن صوته المزعج وما يسببه من خوف وهلع للأطفال».

تعويضات.. وحلول

وعند سؤالنا له عن أي حلول أو مقترحات قد تكون وضعت لحل هذه الإشكالية قال: «علمنا أنه في عام 90م كانت قد رصدت لنا مبالغ مالية تعويضاً عن أراضينا ومنازلنا، ولكن لم يأت أحد إلينا ولم نر من هذا الحديث شيئا، وقبل حوالي ستة أشهر قالوا إنهم سيعطونا مالاً وقلنا ما هو في شارع تعز أعطونا إياه.

ثم اجتمعنا وانتقلنا من الحارة (حوالي 50 شخصا من السكان) وذهبنا إلى مركز الشرطة والتقينا بالزبيري، قائد معسكر شرطة النجدة قال إن الدكتور رياض، وكيل وزارة الداخلية للشؤون المالية مكلف لحل المشكلة ووصلوا معنا إلى ثلاثة حلول، أولها أن يتم التعويض بأن تكون قيمة اللبنة بنصف قيمة اللبنة في شارع تعز الذي يبعد عنا أقل من 80 متراً، أو أن يعمل سور على الحارة يفصل بيننا وبين المعسكر وقبلنا بذلك، لكن حاولوا أن يضايقونا أكثر وطالبونا بعدم استحداث أي بناء ومنعنا من الحركة ومن تصليح أي شيء يخرب أو يتهدم. نحن نطالب بالتعويض العادل والذي يرضي الجميع، فإذا كنت تدفع للمستأجر نقل قدم لكي تخرجه من المحل، فلماذا نحن نعامل بهذه الطريقة؟!!».

> وحدثتني ابنته الصغيرة سارة وأنا مغادرة للمنزل قائلة: «لو ترين كيف أرتعب حينما تغيم السماء أدعو الله كثيراً ألا تمطر فأنا أخشى أن يسقط سقف المنزل فوق رؤوسنا، والمطر يبلل كل شيء في المنزل ويصل حتى ركبتي، وحينما أفر هاربة إلى الخارج يفزعني البرق فأعود هاربة إلى حضن أمي داخل المنزل وأراقب السقف متى ينهار».

> زوجته أيضاً تشتكي من كثرة المضايقات فإن خرجت ضايقوها وأن ظلت في المنزل تخشى أن يراها أحد فتظل متلثمة داخل المنزل وحتى في غرفتها، فالعسكر منتشرون في كل مكان وفوق أسطح أبنيتهم. وتساءلت: من يرضي بمثل هذا الوضع (لمكالفه)؟.

> ثم توجهت إلى المنزل المتهالك للحاج عبده حمود الوصابي، وكان يغطي معظم فتحاته المتهدمة بملابس مهترئة ولوحات خشبية وصفيح صدئ، فتحدث قائلاً: «لي في هذه الحارة أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ووضعنا الحالي خطأ، فنحن نعيش في معسكر، الحارة والعائلات والأطفال متضايقون ومن جملة المضايقات أنه يمنع أصدقاؤنا وأهلونا من زيارتنا وإذا ما صارت عند أحد منا مناسبة تصبح مشكلة كبيرة وندخل في مهاترات مع أفراد أمن الشرطة ليسمحوا لمن يريدون بالدخول ومن لا يريدون يجعلونهم يعودون أدراجهم، وبلا سبب يذكر منعوني من ترميم منزلي وحتى من إصلاح حوش المنزل الذي يتجمع فيه أهالي الحارة والنساء إذا ما كانت هناك مناسبة لأنه أكبر منزل في الحارة، وهناك مراوغات كبيرة تحدث معنا (يشتوا يشلوا حقنا ببلاش) فماذا معي من حق المواطنة إذا كان بيتي ومأواي أنا وأبنائي تريد الدولة أن تاخذه مني بالقوة؟.. نحن لا نريد منهم شيئاً ولا أي مساعدة، نريدهم أن يملكونا حقوقنا ويعطونا أرضنا، الدولة قادرة على أن تنقل المعسكر إلى مكان آخر ونحن لسنا مجرمين ولا إرهابيين.. نحن نخدم الدولة، وأنا كنت موظفاً في الداخلية».

المنازل وحوش المرور
المنازل وحوش المرور
الحاج عبده يحاول جاهداً ترميم منزله بكل ما يجده أمامه من تراب وبقايا أشجار وملابس وحديد وإطارات سيارات وما شابه.

ولديه طفل صغير بين أبنائه العشرة مصاب بمرض (المنغوليا) أخذه إلى إحدى الجمعيات الخيرية لصرف علاج له ومساعدته في تطبيبه فطلبوا منه ورقة من عضو المجلس المحلي، ولكن عضو المجلس المحلي رفض إعطاء أي تزكية لأنه ليس من المنطقة ولأنه لم ينتخب فيها!! بينما هو يؤكد بأنه لم يقاطع الانتخابات وأنه كان حينها لم يتقاعد بعد وتم نقله مع مجموعة من زملائه إلى إحدى المناطق التي أمر أن ينتخب فيها فهل هذا جزاءه؟. واختتم حديثه قائلاً: «هؤلاء أفراد الشرطة أهانونا وآذوا العيال وحطموا نفسية أبنائي الشباب ويحاولون إذلالهم والتحرش بهم.. نحن لم نرفض أي حلول ولكن الدولة هي من تماطل وتعطينا حلولاً غير منطقية».

> توجهت بعدها إلى منزل الحاجة جميلة صالح علي وهي في الثمانينات، ومنزلها حاله أسوأ بكثير من المنازل السابقة، فتحدثت قائلة: «أشتريت منزلي هذا قبل تسعة وثلاثين عاماً، وكانت المنطقة خالية تماماً إلا من بعض البيوت المتناثرة، وكنت أرى باب اليمن من منزلي وأرى حدة وكل مكان، واليوم جاءهؤلاء وحاصرونا، ومن يوم أن أتى هؤلاء العسكر والمشاكل تحدث يومياً بيننا وبينهم وكأنهم عصابات يتهجمون علينا ويتلفظون بالألفاظ السيئة على النساء والرجال والأطفال ولا نستطيع الحركة بحرية في بيوتنا، ولا في حارتنا، حتى أطفالنا لا يستطيعون اللعب في الشارع مثل بقية الأطفال، ابني الكبير تعرضوا له قبل أربعة أشهر وضربوه وهو مقعد الآن.والعسكري ما عنده حجة فهو أيضاً مسكين ولكنه مأمور ممن هو فوقه، فأنا عندما أحاول استعطافهم يقولون لي: هذا ليس بأيدينا يا والدة.. نحن مأمورون.

نحن يا ابنتي لسنا مغتصبين لهذه الأرض ولسنا بأقل من الأخدام الذين عوضتهم الدولة عن الأراضي التي كانوا باسطين عليها بالتنيك (الصفيح)، ببيوت من الجحر، نحن اشترينا أراضينا من أيام الإرياني وبنيناها بعرقنا وأموالنا وعشنا فيها سنين طويلة فلماذا يحاولون طردنا الآن؟».

الحجة آمنة تعيش مع أبنائها وأبناء أبنائها، حياتها بائسة جداً ولا يعتاشون إلا من بيع الكدم الذي تجمعه من هنا وهناك، وحسنات بعض الناس، لديها ولدان مريضان نفسياً والثالث مقعد الآن.

وخلال تنقلي كان طفل صغير معاق يلاحقني من بيت لآخر، شكا لي أيضاً صعوبة تنقل بكرسيه القديم الذي تحطم أكثر من مرة بسبب الشوارع الخربة والأحجار المتناثرة في كل مكان.

ولدى مغادرتي منزل الحاجة جميلة وعند باب منزلها تفاجأت بحضور حشد من أفراد شرطة النجدة ومعهم شخص يدعي بأنه عاقل الحارة يحمل عصا غليظة في يده، أخذوا مني حقيبتي وما بداخلها وأعطوني إياها فارغة واتهموني بأني أتيت للتخريب وتصوير المعسكر لصالح صحيفة معارضة، لم أخف ولم أهن أمامهم، هاجمتهم بما يفعلونه ووضحت لهم سبب مجيئي.

لم يقتنعوا وظل احتجازي لمدة تزيد عن الساعة والنصف كانت كلها في أخذ ورد واشتباك في الكلام مع أهالي الحارة، وأثر فيّ كثيراً منظراً ابن الحاجة جميلة المقعد الذي خرج على عكازيه يصرخ في وجههم ويطلب منهم تركي، ولأن صاحب الحق دوماً منتصر استطعت الخروج دون أن يأخذوا مني أي صورة مما التقطت.

المحرر: تلقت «الأيام» اتصالا هاتفيا من أحد ساكني الحارة يبلغ فيه بأن أفراد الشرطة قد منعوا عنهم الماء وأخبروهم أن يذهبوا إلى صحيفة «الأيام» لتأتي لهم بالماء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى