رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

الخنابشة:ينتمي آل الخنبشي إلى الوادي الأيسر من دوعن بحضرموت ذلك الوادي «جحي الخنابشة» وجاء في «معجم بلدان حضرموت، المسمى أدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» للعلامة المؤرخ السيد عبدالرحمن بن عبيد الله السقاف (ص 177):«قرية للخنابشة الآتي ذرو من أخبارهم في آخر قيدون، منهم الآن الشيخ عبدالله بن سعيد بن سالم الخنبشي، مضياف وله مروءة..» وجاء في المصدر نفسه(ص 180):«وأول ما يكون على يسار الداخل إلى وادي الأيسر «حصن الخنابشة».

كما ورد في المصدر نفسه أن القاطنين في «جحي الخنابشة»:آل مقيبل (سادة) وآل باجنيد والخنابشة من سيبان وأن الخنابشة قاطنو بلدة «الجديدة» وأن الخنابشة من سيبان قاطنون ايضاً في «حصن الخنابشة».

أشار المصدر نفسه (ص 200) إلى التوتر الذي ساد العلاقة التي كانت قائمة بين الخنابشة وآل باهبري وسبب ذلك أن أحمد بن سالم باشجيرة الخنبشي تزوج امرأة من آل باهبري، يقال لها قمر دون رضى بني عمها وكان لذلك الفعل رد فعل قام به آل باهبري ولجأوا بعد ذلك إلى شيخ قبائل الحالكة المقدم عمر بن أحمد بلحمر وكان ذلك في العام 1322هـ (1904م) وكان الخنابشة حلفاء للقعيطي.

الولادة والنشأة:

الفنان علي سعيد الخنبشي من مواليد عام 1942م في مقديشو وكانت آنذاك عاصمة للصومال الإيطالي ونشأ الخنبشي وترعرع فيها مع أقرانه من أبناء الجالية العربية عامة والحضرمية خاصة. ومن الأسر الحضرمية التي عاشت في الصومال: بن شعيب وبن طاهر وباكثير، حيث أنشأ الحضارم هناك مدارس ومساجد منها «مدرسة الفلاح»، بل وشارك علماء حضارم في التعليم ونشر الدعوة الإسلامية من خلال الحلقات العلمية والمواعظ ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمد علي بافضل الذي بنى «مدرسة الفلاح» بمساعدة العرب المقيمين في مقديشو (لمزيد من التفاصيل راجع سيرة الشيخ محمد علي بافضل في حلقة رجال في ذاكرة التاريخ التي نشرتها «الأيام» في عددها الصادر يوم الأحد، 6 مايو، 2007م).

الخنبشي والولع المبكر بالفن الهندي:

أجرى الزميل صلاح العماري حواراً مع الفنان علي سعيد الخنبشي وعلى خلفية ذلك الحوار أعد موضوعاً موسوماً «علي سعيد الخنبشي من المرور إلى الفن» نشرته «الأيام» في عددها الصادر في 29 مايو، 2006م ورد فيه أن اهتمامات الخنبشي بالفن بدأت في وقت مبكر في مدينة مقديشو، حيث ورد على لسانه:«بدأت الفن وعمري 12 سنة في مقديشو وكان خالي عازف عود وكمان في إذاعة الصومال.

تعلمت ذاتياً العزف على آلة الناي. كنت مغرماً بالناي والأفلام الهندية. أبدعت كثيراً في عزف الأغنيات الهندية بالناي، كنت أطرب مع الفنان الكبير صالح سعيد باعيسى وخميس سالم كندي في مقديشو في المخادر والمناسبات المختلفة».

يلاحظ من خلال حركة الإبداع الغنائي والمسرحي في عدن وحضرموت تأثر بعض أصحابها بالفن الهندي، حتى وإن عاشوا في المهاجر وخذ على سبيل المثال عبدالقادر بامخرمة الذي عاش في الصومال الفرنسي (جيبوتي) أو علي سعيد الخنبشي الذي عاش في الصومال الإيطالي (مقديشو)، أما الآخرون الذي عاشوا في عدن أو المكلا فقد تأثروا بالتواصل المباشر بين تينك المدينتين والهند من خلال البعثات التعليمية أو الطبية أو العسكرية (خاصة السلطنة القعيطية) فقام المسرحيون في عدن باقتباس أفكار الأفلام الهندية ليعكسوها على المسرحيات التي مثلوها على خشبة المسرح في عدن، خذ مثلاً مسرحية «الخيانة والوفاء» التي ألفها القاضي عوض شرف في الثلاثينات من القرن الماضي والتي أخرجها محمد عبده دقمي واقتبسها القاضي عن قصة فيلم هندي رواها أحد الحلاقين الهنود (راجع:سيرة القاضي عبدالله عمر شرف- حلقة رجال الذاكرة - 5 يناير 2003م) وتأثرت المكلا بالأسلوب نفسه، أما الفنانون الذين تأثروا بالفن الهندي فمنهم محمد جمعة خان وأحمد عبيد قعطبي.

الخنبشي يواصل مشواره مع الفن الهندي في حضرموت:

في العام 1965م، يقرر علي سعيد الخنبشي شد الرحال بمفرده إلى أرض الوطن وكان في الثالثة والعشرين من عمره،وفي المكلا أتيحت له أول فرصة عمل في أول مشروع للمياه في مدينة المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية وقدم استقالته بعد أربعة أشهر ليلتحق بسلك الشرطة. لاحظ الضباط أن الخنبشي صاحب ملكة في الخط والرسم فقاموا بتحويله إلى أول قسم للمرور أنشئ عام 1965م(في مخفر السوق بجانب مسجد عمر بالمكلا) وكان مسؤولا القسم الملازم عمر أحمد بلفقيه والملازم عامر سعيد النوبي.

جاء في موضوع زميلنا صلاح العماري أن علي سعيد الخنبشي عمل كاتباً في قسم المرور ومعه (4) جنود فقط (رجال مرور) وكانوا يرابطون ما بين مسجد عمر إلى الدلة ومن البريد القديم إلى سدة المكلا وفي الشرج وفي ديس المكلا.

مرور المكلا في ذاكرة الخنبشي:

يقول علي سعيد الخنبشي(مرجع سابق: صلاح العماري):«كان عملنا تسجيل الملاحظات على السيارات المخالفة فقط والغرامة كانت تدفع للمالية، كانت في المكلا قرابة (20) سيارة فقط و(3) حافلات (باصات) و(لوريات) تذهب إلى وادي حضرموت، وكانت الغرامة لا تتجاوز 5 شلن أو 10 شلن».

مرت حركة المرور بمنعطف نوعي في العام 1971م، حيث فتح مكتب خاص بالمرور بمحاذاة مديرية أمن المكلا حالياً وزادت قوة رجال المرور.

التحق علي سعيد الخنبشي ومعه (18) شخصاً من قوة المرور بدورة تدريبية بمحافظة عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وذلك في العام 1971م وتركزت الدورة في إخراج تراخيص السياقة وفحص السيارات.

يفيد الخنبشي أنه جنى مع زملائه فوائد جمة من دورة عدن وأضافت إلى خلفية محافظة حضرموت التي تأسست في عهد السلطنة القعيطية عندما قام الخنبشي «برسم وخط أول لوائح لإرشادات المرور عام 1967م، استجابة لطلب مسؤول المرور حينئذ الملازم عوض بارباع وكان الهدف من اللوائح تنظيم حركة المرور وإرشادات السلامة والمشاة وقد عممت تلك اللوائح على ساحل ووادي حضرموت والمناطق المجاورة».

الخنبشي قائداً للغرفة الموسيقية العسكرية:

صدر قرار إداري بنقل علي سعيد الخنبشي إلى التوجيه المعنوي للشرطة إلى جانب عمله في المرور، حيث عين قائداً للفرقة الموسيقية العسكرية في الشرطة وكان يشارك في مختلف المناسبات الوطنية، الا أنه لم يتمكن من الجمع بين المهمتين فتم تفريغه للشرطة عام 1980م وكان يقوم بإعداد اللوحات، رسماً وخطاً في المناسبات الوطنية والعسكرية.

سيطر هاجس الرحيل بغرض التغيير على الخنبشي ورست قناعته على السفر إلى المملكة العربية السعودية وشد الرحال إليها عام 1983م ودامت إقامته هناك حتى عام 1989م عندما شده الحنين إلى العمل العسكري وقرر العودة إلى أرض الوطن وعمل في قسم الورش التابع للشرطة وعمل فيها كاتباً وخطاطاً حتى تقاعده عام 2000م.

د. عبدالرب إدريس يدعو الخنبشي عبر الميكروفون:

بعد عودة علي سعيد الخنبشي إلى المكلا عام 1965م قادته الصدفة لحضور إحدى المخادر في ديس المكلا وكان نجم الحفل الفنان عبدالرب إدريس (الدكتور لاحقاً) وكان أفراد فرقته المصاحبة له: فرج علي( عازف الناي) وعبدالقادر جمعة خان (عازف كمان) ويسر بن سنكر (عازف كمان) وناصر الحبشي (عازف كمان) وسعيد بكيران (ضارب إيقاع).

كما قادت الصدفة عدداً من الحضور القادمين من الصومال وكانوا على معرفة بملكة علي الخنبشي فهمسوا في أذن الفنان عبدالرب إدريس، فنادي على الخنبشي بواسطة الميكرفون وطلب منه تقديم بعض الوصلات. استجاب الخنبشي وقدم عدداً من الأغاني بالناي وقدم أطباقاً من الفن الهندي المحضرم.

المحضار يشيد بأولى محاولات الخنبشي:

اختط علي سعيد الخنبشي طريقاً خاصاً به وذلك بحضرمة الفن الهندي وكانت أولى محاولاته أن اقتبس لحناً من إحدى أغاني الفيلم الهندي «أساليب الحياة» وعلى خلفية ذلك اللحن نظم الحنبشي كلمات مطلعها:

«أنت ملكت الجمال والصبا.. أنت المراد وأنت المنى.. هيا عود اللقاء.. ميري مهبوبا» و«ميري مهبوبا بالهندية معناها «يا حبيبي»). أشاد الراحل الكبير حسين أبوبكر المحضار بمحاولة الخنبشي وكتب له كلمات تتناسق مع لحن هندي ومطلعها:

«غاب القمر والليل مر.. وحبيب قلبي ما حضر.. دورت منه في كل ذمة.. والناس يخـفون الخبر»

ومن الفيلم «فقيرة» شد الخنبشي أحد ألحان أغاني الفيلم فقام الخنبشي بـإلباس اللحن كلمات الشاعر علي سالم بامهدي ومطلعها:

«كم أقاسي وأعاني من تصاريف دهري وزماني شقاء الحياة»

أما الشاعر الراحل عبدالقادر أحمد العمودي فقد قدم للفنان الخنبشي كلمات بدأها الخنبشي، الذي اقتبس لها لحناً من الفيلم الهندي المشهور «ولدي» ومطلع الكلمات:

«كما أقاسي الألم.. من بلى بالعدم.. أين أهل الهمم.. أين سمر الجباه.. رحمة لليتيم..رأفة بالعديم.. ربنا يا كريم.. اعطي قلبي مناه.. حالني في عذاب.. دمعتي في انسياب.. وبجسم مصاب أروم النجاة.. أكرموا الضعفاء وارحموا الفقراء وانقذوا البؤساء من عناد الحياة».

لعبد القادر العمودي أيضاً غنى على سعيد الخنبشي أغنية مطلعها:«ياحبيبي لو كنت تدري أبحث عنك في كل مكان هكذا دور الحياة».

وأعد الخنبشي لحناً من إحدى أغاني فيلم «وقت» أما الكلمات فقد نظمها عبدالقادر الكاف ومطلعها:

«ياحبيبي أتى الحب من مقلتيك.. فتقبل حياتي هدية إليك».

الخنبشي يعلن اعتزال الفن:

اختتم الزميل صلاح العماري موضوعه عن علي سعيد الخنبشي بأن الفنان الخنبشي أشعر «جمعية حضرموت للموسيقى والتراث الغنائي» بأن المشوار الذي قطعه في الفن الهندي المحضرم قد وصل منتهاه وأنه قد قرر الاعتزال لتقدمه في السن وحاجته للراحة وأكد الخنبشي بأن الساحة الفنية الحضرمية «حبلى بالفنانين والعازفين الجيدين».

ترى هل تتكرم الجهات المختصة بتوثيق أعمال الفنان علي سعيد الخنبشي وبيعها وأن تقدم عوائد البيع هدية للفنان الخنبشي تقديراً لجهوده في مجال الفن؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى