هوامش السفر قراءة انطباعية في فوتوكوبي photocopy المسرح السوري و (نشاز)

> «الأيام» مبارك سالمين:

> عند وصولي إلى دمشق الفيحاء عبر مدخل (باب الهوى) من الحدود السورية التركية؛ عائداً من رحلة الدهشة الحقيقية في (أنطاكية)(وأظنه) حيث الماء أكثر مما تحتاج (بحيرات, شلالات, بحيرات صناعية وإطلالة على بعد كيلو مترات قليلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط) وتجليات النظام (الأتاتوركي) العلماني في أوجها؛ استقبلت عيناي ريح الصبا الدمشقية وكان لي حظ أن أدخل دمشق في ربيعها لعام 2007م, وأقيم فيها لخمسة أيام بلياليها شاهدت خلالها مسرحيتين, الأولى عرضت للنخبة المثقفة في عرض افتتاحي على مسرح القباني وهو أقدم مسرح في مدينة دمشق وهو لا يتسع لأكثر من مائتين وثلاثين متفرجا. والمسرحية الثانية شاهدتها على مسرح الحمراء في منطقة الصالحية (حي تجاري) وهو مسرح كبير الحجم وبتقنية عرض متقدمة وممتازة. و لما كنت خارجا للتو من تجربة الموسم المسرحي في مدينة عدن ابريل 2007 الذي شرفتني لجنته التحضيرية بالدعوة لمشاهدة بعض عروضه لمناقشتها في اليوم التالي مع المؤلف والمخرج والممثلين والطاقم الفني؛ وكانت تجربة مفيدة للغاية بالنسبة لي؛ فإن لذة المقارنة كانت على لساني وأنا أشاهد العرضين المسرحيين السوريين وأقارنهما بعروض موسم عدن المسرحي؛ وليسمح لي القارئ الكريم قبل الخوض في حديث المقارنة أن نستعرض العملين المسرحيين انطباعياً بصورة سريعة.

العمل الأول: ( photocopy )

فوتوكوبي

وهو عمل مقتبس من نص ( الطابعان) للكاتب الأمريكي موري شيزجال, أعده للمسرح السوري: آنا عكاش وماهر صليبي والأخير هو مخرج العمل، ساعده في الإخراج علاء غرَة وماهر صليبي يعد من أهم المخرجين المسرحيين السوريين حسب رواية صديقي وأخي مساعد المخرج في مسرحية (نشاز) الأستاذ رامي عيسى.

فوتوكوبي ممولة من قبل وزارة الثقافة, مديرية المسارح والموسيقى, مثل فيها كل من: يارا صبري ومحمد حداقي ومنصور نصر، ثلاث شخصيات فقط وموضوع كبير بحجم الهم الإنساني، سؤال الوجود والحياة بصورة أدبية مبسطة ومكيفة للمسرح السوري العربي، في الغلاف الإعلاني للمسرحية (البروشور) الصفحة الثانية كلمة المخرج التي تلخص بذكاء المسرحية وفيها:

الساعات........ والأيام.....والسنين تمضي بسرعة

ومع ذلك نشعر بملل فظيع

أحلامنا بسيطة جداً ............

وطموحاتنا صغيرة جداً ...........

ومع ذلك ........ لا تتحقق.

العمل تظهر فيه سيطرة وعبقرية المخرج الفردية في إيقاعاته المنتظمة وتصميمات ديكوره على المستوى الفكري, وفي نفس الوقت هو عمل جماعي لأنك تحس بمجهود الممثلين الرائع وجهود الطاقم الفني والإدارة المسرحية وتلمس لمس اليد الإبداع في الديكور والإضاءة والموسيقى التصويرية والإشراف والماكياج والإنتاج وحتى الاستقبال عند مدخل المسرح.. الخ. وبصورة عامة فإن العمل المسرحي يجعلك تصرخ بملء الفم لتقول: المسرح السوري بخير. مثلما جعلني موسم عدن المسرحي أن أصرخ: إن جمهور عدن المسرحي بخير.

فكرة النص تدور في مكتب سكرتارية مرفق حكومي: قسم السكرتارية يتكون من موظف تم تعيينه حديثاً وهو شاب متزوج مبكراً بصورة تقليدية ورئيسة قسم عزباء؛ كانت تكرر دائماً أنه لا يعجبها أن تذكر بأنها رئيسة قسم! ومدير لا يظهر على الخشبة وموظف خدمات أخرس (كان يتكلم ذات يوم) لكنه توقف عن الكلام بعد نقده لمدير ما ذات يوم؛ يقوم صامتاً بالتنظيف وتقديم القهوة وتنظيم عملية الاستماع إلى المذياع الذي كان يبث أخباره وأغانيه في الصباح بصورة منتقاة موضوعياً وفنياً بشكل مواكب للتصاعد الدرامي في العمل المسرحي (أغاني فيروز وأخبار الحروب العربية الإسرائيلية والنزوح واللجوء وارتفاع الأسعار وضعف المرتبات ...إلخ) وجميعها مواد تصب في صميم هم الفكرة المسرحية, ومن خلال عملية البث الإذاعي المواكب يتم ضبط الزمن وتقدمه في النص المسرحي؛ فشغل المذياع والديكور الذي يضيق تدريجياً يمنحك الإحساس بتقدم الزمن ويمنحك الإحساس بضياع العمر والآمال المؤجلة, الآمال/السراب التي لا تتحقق بالرغم من تواضعها وبساطتها؛ يمنحك الإحساس برحلة العمر من الشباب إلى الشيخوخة على مذبح الوعود التي ما تلبث أن تتحول إلى هذيانات عبر عنها طاقم المسرحية بمنتهى الإبداع. هذه السطور تحية مني للمسرح السوري ولربان (فوتوكوبي) الماهر (ماهر صليبي).

العمل الثاني : (نشــــــاز)

ونشاز حكاية جارين أحدهما منظم بشكل مبالغ فيه, والآخر فوضوي. تبدأ الأحداث بقدوم فتاة جميلة للسكن في نفس الحي. يعجبان بها الأمر الذي يؤدي إلى تنافسهما للفوز بقلبها يسفر ذلك عن نشوء صراع محموم بينهما ضمن سلسلة من المفارقات الكوميدية. بهذه الجملة يزدان (بروشور) نشاز وهي المسرحية التي لا نص لها سوى لغة الإشارة والجسد والحركة والموسيقى التصويرية؛ المسرحية من تأليف (ثائر العكل) قام بإخراجها الممثل الرائع (رأفت الزاقوت) وساعده مساعد المخرج (رامي عيسى) وأبدع في التمثيل كل من(مازن منى) و (مجد نعيم)؛ وبحكم العلاقة الأخوية التي تربطني برامي عيسى (مساعد المخرج) فقد تمكنت من أن أشاهد لحظة إقلاع المسرحية في أيامها الأخيرة قبل العرض حيث القلق ومحبة الآخرين والتضحية من أجلهم والسهر إلى ما بعد منتصف الليل في أعمال البروفات والديكور وتوزيع الإضاءة الشائك في عمل كهذا، حيث تستبعد اللغة المألوفة لتحل محلها لغة الموسيقى والضوء وتوزيع الممثلين بين عمق الخشبة وعرضها وحيث الجسد هو الممثل فقط. و قد لاحظت انعكاس كل هذا الجهد في ليلة (نشاز) التي لا أملك كمشاهد عربي إلا أن أحيي طاقمها بحرارة وأقول له: دمتم للمسرح العربي المتألق عل الدوام.

أخيرا إلى المقارنة بين مسرح عدن ومسرح دمشق

الخطاب الرسمي تجاه المسرح واضح في دمشق، غائم في عدن وحتى صنعاء، ومما لاحظته للتأكيد حكاية تبني دعم المسرح في إطار السياسة العامة للوزارة (وزارة الثقافة السورية) حيث يصدر البروشور الخاص بـ: فوتوكوبي بكلمة لوزير الثقافة هي كالبلسم على جسد المسرح «عظمة المسرح بمقدار ما يهدف إلى الأبعد, وبمقدار ما يحاكي وعي الإنسان وعقله وروحه. يقول (فيكتور هوجو) قد يكون الفن جميلاً. لكن القول الفن للتقدم البشري هو الأجمل...... هذه غايتنا أن نلقي بعض الشعاع على فن المسرح لينطلق طائراً مغرداً حراً يجول في عالم أعمق وأبعد........ » هذه الكلمات المسؤولة, وسياسة كهذه وكلام كهذا يسهل - دون ريب ولا مماطلة - ورود الأموال اللازمة لدعم المسرح وتشجيعه ليس بالكلام فقط كما يحدث لدينا أحياناً في (اليمن السعيد) وإنما بالفعل والأموال والحضور إلى صالات العرض من قبل المسؤولين على أرفع المستويات. كما لاحظت أيضاً أن الكادرات المسرحية في حالة احتكاك دائم مع زملائهم العرب والأجانب من خلال حضورهم المهرجانات والدورات التنشيطية التدريبية في الداخل والخارج وهو أمر لا يتوفر للمشتغلين في المسرح اليمني نهائياً . الأمر الذي يجعلهم يعيشون في عزلة عن التطورات التي تحف بالميدان وحقوله المختلفة، بل إن بعض المتخصصين الذين درسوا في البلدان الاشتراكية (سابقاً) أو بعض البلدان العربية قد انقطعت صلتهم باللغات التي درسوا بها والمسارح التي تتلمذوا على خشباتها، ولاحظت أيضاً أن أجور الممثلين على تواضعها إلا أنها على درجة من المعقولية قياساً إلى أجور المسرحيين في عدن أو صنعاء. كما أحسست برغبة الفنان السوري في تجديد وتحديث ذاكرته من خلال التثقيف الذاتي حتى يحترمه زملاؤه وجمهوره في نفس الوقت .. ولا أريد أن أسترسل لأن ما خفي في كهف المسرح اليمني والموقف الرسمي منه أعظم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى