الوحدة اليمنية والتداعيات

> محمد عبدالله باشراحيل:

> لا أحد ينكر أبداً أن ما حصل يوم 22 مايو عام 1990م كان حدثاً تاريخياً عظيماً رحبت به جماهير الشعب حينها في كل من الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتحمت الدولتان وكونتا الجمهورية اليمنية في إطار اتفاق بين نظامين سياسيين مختلفين ومتناقضين أحدهما رأسمالي وثانيهما اشتراكي، وقد تعزز هذا الاتفاق واكتسب شرعيته من خلال التصويت الذي أجري لاحقاً على دستور الوحدة بقول «نعم» له، حيث كان الناس يعولون آمالاً كبيرة على الوحدة..ولأن العالم في عصرنا الراهن أصبح «قرية صغيرة» كما يقال، فقد جاء هذا الحدث التاريخي في ظل تغيرات وتحولات دولية وإقليمية متسارعة، لعل أبرزها انهيار الاتحاد السوفيتي القائم نظامه على أساس حكم الحزب الواحد والتخطيط المركزي الشامل للعملية التنموية وكل ما يحمله من فكر سياسي واقتصادي، وباعتباره أحد قطبي العالم في الهيمنة، وكنتيجة لذلك تفرد القطب الثاني المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة وبسط نفوذه على السياسات الدولية عبر الشعارات التي يطرحها والمتعلقة بالعولمة واقتصاد السوق والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، وكان لتلك التحولات والتغيرات تداعياتها وانعكاساتها على المستوى الإقليمي كان بدايتها التواجد الأجنبي الجديد في المنطقة بدخول قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لدحر القوات العراقية التي احتلت دولة الكويت عام 1990م وكان السبب الرئيس في خلق صراعات سياسية داخل الدولة الواحدة تارة، وبين دولة وثانية تارة أخرى وفي أكثر من بلد في المنطقة، وفي وقت اختلطت فيه الأوراق ولم تخل من تصفية حسابات قديمة مع هذا الفريق السياسي أو ذاك، وكان لليمن نصيب من تلك الصراعات في نشوب حرب 1994 التي انتصر فيها الفريق الداعم للوحدة على الفريق الداعي لانفصال الجنوب عن الجمهورية اليمنية. ومع مرور السنين اتضح جلياً هيمنة النظام القبلي على مجمل مفاصل السلطة وعلى حساب تراجع نظام الدولة المبني على المؤسسات، وكانت المحافظات الجنوبية ذات الثروة والمساحة الأكبر، الأكثر تضرراً من تلك الهيمنة لدرجة أنها أصبحت «قضية» كتب عنها الكثير.

إن مشاعر أبناء المحافظات الجنوبية تزداد سلبية يوماً بعد يوم تجاه الوحدة، نتيجة ممارسة السلطة سياسات التمايز والتهميش لأبناء الجنوب وتوقيفهم قسرياً عن العمل أو إحالتهم إلى التقاعد دون وجه حق، والسطو على أراضيهم واستنزاف ثرواتهم وهضم حقهم في العمل في محافظاتهم إضافة إلى عدم الالتفاف إلى مشاكلهم، ومن الغريب أن كثيراً من الممارسات الخاطئة ترتكب باسم الوحدة.

ومن التداعيات أن الشارع في المحافظات الجنوبية اليوم ليس شارع الأمس، فقد أصبح يعلن عن رفضه لكل تلك السلوكيات بالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات السلمية المشروعة للمطالبة بحقوقه، والمشكلة أن البعض قد لجأ إلى استخدام العنف غير المشروع- كرد فعل - للحصول على مطالبه، كما أصبح هذا الشارع يصدر تعليقات عن الوحدة ويقول الشعراء أشعاراً عنها نعتذر عن ذكرها لأن المجال لا يسعها هنا من جهة وكونها خرجت عن المألوف.. فهل يعي الحكام والمسؤولون أبعاد تلك التداعيات وأنها لم تأت من فراغ؟ أما نحن فنذكر بما قاله شاعرنا الكبير المرحوم حسين المحضار في إحدى قصائده: «ولا ذي الأوّله منك* ولا ذي التالية..وأقبل ما يجي منك* ونفسي راضية. ولكن قد تجي وحده ولا تلقى قبول.. ورا الأيام لك وحدك* ومهما طال بك سُعدَك * مصيره ينتهي ويزول».

وختاماً ما ضاع حق وراءه مطالب، والبقاء لله وحده.

[email protected]

كبير خبراء سابق بالأمم المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى