القضية الجنوبية ليست «كوتا نسائية»

> «الأيام» د.محمد علي السقاف:

> ملخص: بسبب كثافة النص في الحلقة الثانية أُجل نشر البقية إلى العدد التالي. ففي إطار المحور الثاني حول القضية الجنوبية هل هي قضية أقلية خصصنا البند (1) لملاحظات أولية وفي (2) بعنوان: الجمهورية اليمنية هي نتاج دمج دولتين ذات سيادة، تناولنا في (أ) أمثلة لبعض التجارب الدولية للوحدة تحدثنا فيها عن تجربة الوحدة الألمانية ثم عن الوحدة المصرية السورية وإظهار الاختلاف بينهما القائم على أساس أن الوحدة الألمانية لم ينتج عنها ذوبان الدولتين الألمانيتين في دولة موحدة جديدة، وإنما من خلال عودة ألمانيا الشرقية التي ألغي كيانها كدولة إلى ألمانيا الاتحادية التي بقيت محتفظة بكيانها كدولة قائمة أضيفت إليها ألمانيا الشرقية، أما في حالة الوحدة المصرية- السورية فلم تكونا في الأساس موحدتين ثم انفصلتا في دولتين ذاتا سيادة لتقررا من جديد التوحد مثل حال ألمانيا فالوحدة بينهما في عام 1958م تمت لأول مرة بذوبان الشخصية الدولية للدولتين لصالح شخصية دولية جديدة متمثلة في الجمهورية العربية المتحدة. وقرار سوريا في عام 1961م حل رابطتها بمصر وعودتها إلى كيانها الأصلي قبل الوحدة مع مصر كدولة مستقلة. ونتناول الآن وضع دولة ج.ي.د.ش. في إطار العنوان الجمهورية اليمنية هي نتاج دمج دولتين ذات سيادة من منطلق الرد على مقالة الدكتور الفقيه بتخصيص نسب لتمثيل أبناء الجنوب كون المناصفة التي حظوا بها في السنوات الأولى من الوحدة لا يستحقونها وهو يتعارض مع مبدأ المساواة بين الدول أساس نشأة الجمهورية اليمنية كوحدة تمت بين دولتين ذاتا سيادة.

(ب) وضع دولة ج. ي.د.ش

استقلال اليمن الجنوبي في 30 نوفمبر جاء في إطار حق الشعوب في تقرير مصيرها المستند إلى بنود ميثاق الأمم المتحدة، وبهذه الصفة انضمت إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، فهي دولة قائمة بحد ذاتها تمتلك عناصر الدولة الثلاثة: الشعب، الإقليم، السيادة والهيئة الحاكمة، فقرار اتحادها باليمن الشمالي يحكمه مبادئ القانون الدولي المبني على المساواة الكاملة بين الدول التي تقيم اتحادا فيما بينها، وعلى أساس حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي يجب أن يعبر عنه بكامل حريتها، دون ضغوط أو تهديد بالضم والإلحاق ويتم التعبير عن هذا الحق باستفتاء الشعب حول رغبته في التوحد أو الاتحاد مع دولة أخرى وهذا ما تم في الوحدة السورية- المصرية، ولم يتم في إطار الوحدة اليمنية، وهو أمر يؤسف له، أن الشعوب التي كانت تقع تحت نظام الحكم الذاتي للأمم المتحدة ولم تكن بعد دولاً ذات سيادة تم استفتاء شعوبها إما لحصولهم على الاستقلال للتحول كدولة مستقلة وإما في حالة رغبتهم في التوحد مع دولة أخرى، ومع ذلك حين نستعرض عناصر الدولة التي تتكون منها الدول: الشعب، الإقليم والسيادة، فإن تعداد أفراد الشعب لا يؤثر في المركز القانوني للدول، أي أن تكوين الدولة لا يتوقف على توافر حجم معين من السكان، وتوفر عنصر الإقليم في تكوين الدولة هو من العناصر المهمة التي تباشر الدولة عليها سلطاتها فلا دولة بدون إقليم بل إن تحديد قوة الدولة يعود إلى مدى اتساع رقعة الإقليم الذي تقوم عليه ومدى ما يتوفر لها من ثروات طبيعية، فالعناصر المكونة لإقليم الدولة هي 3 عناصر: الإقليم البرى ويشمل الأرض القائمة، والإقليم البحري من مياه داخلية أي المساحات البحرية التي تضم الموانئ والمضايق وكل المياه الموجودة قبل الخط الأساسي للمياه الإقليمية، ومياه إقليمية تباشر عليها الدولة سيادة كاملة باستثناء حق المرور. العنصر الثالث هو الإقليم الجوي ويشمل طبقات الجو التي توجد فوق إقليمي الدولة البري والبحري، فالحكم على اليمن الجنوبي في إطار الوحدة على أساس المعيار السكاني فقط لتبرير المكون الثالث للدولة السيادة والهيئة الحاكمة التي يقتضي وجودها في الدولة لتنفرد بالحكم هو أمر يخالف القوانين وواقع تكوين الدولة، فاليمن الجنوبي بفضل ثروته النفطية نحو 80% من إجمالي الثروة النفطية والغازية لدولة الوحدة وأكثر من 75% من موارد ميزانية الدولة مصدرها من إيرادات النفط واتساع طول اقليمها البحري، وما يزخر به من ثروات بحرية وبيئية واضافة مواقع استراتيجية من باب المندب إلى المحيط الهندي جعل من دولة الوحدة الوحيدة في المنطقة التي يجمع موقعها إطلالة على البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي بعكس بقية القوى الإقليمية المحاذية لها، فمن السخافة إذن الحكم وتقييم أي دولة بعدد سكانها مجردة من عنصرها الإقليمي الذي تمثل فيه اليمن الجنوبي ثلثي مساحة الدولة الجديدة، لذلك لم يفت هذا الأمر على صاحب المقال الدكتور الفقيه. وسنتناول الآن الأفكار الموضوعة للسياسات المقترحة.

ثالثاً: السياسات المقترحة تهدف إلى طمس وإلغاء الهوية الجنوبية

وهي بدأت منذ البداية في تسمية الجمهورية اليمنية وكأنها دولة واحدة وليست دولتين في دولة كالـ (ج. ع.م) واتساقاً مع ذلك الحديث عن تشطير اليمن، ثم نادراً ما يذكر اسم (ج. ي. د.ش) وتسميته بدلاً من ذلك بالمحافظات الجنوبية في حين سمكن إطلاق هذا المسمى نفسه على تعز، إب والبيضاء.

-1 سياسة الدمج:

من الواضح أن مطالبة عبدالله الفقيه بإجراء عملية دمج سياسي واجتماعي وثقافي ليس لها هدف آخر إلا إلغاء الهوية الجنوبية فأساس الهوية هي الثقافة وحين يدعو إلى دمج الثقافة بحكم أن الذي يضع الثقافة هو الذي يحدد إلى حد كبير هوية المجتمع وفق رؤاه السياسية، فبدلاً من قبول وجود دولة تعدد الثقافات يفضل وجود دولة أحادية الثقافة التي هي ثقافة النخبة الحاكمة.

-2 موضوع إعادة توزيع السكان:

وهذه تعتبر من أخطر المقترحات التي دعا إليها الدكتور عبدالله الفقيه، وتذكر بتجارب أكثر الأنظمة الاستبدادية في التاريخ سواء من خلال سياسات الترانسفير للسكان من منطقة لأخرى أو إعادة توطين مجموعات بشرية من سكان المحافظات الشمالية لزرعها في المناطق الجنوبية عبر البدء بسياسة تدريجية من إطلاق شعار مسح آثار التشطير بين البلدين استعملت فيها أداة التقسيم الإداري، ومثال على ذلك تشكيل محافظة الضالع وفكها عن محافظة لحج بضم مديريات أخرى إليها، وتعديل قانون السلطة المحلية لعام 2000م الذي وضع شرطاً من شروط الترشيح بأن يكون المرشح مقيماً أو له محل إقامة ثابتة في الوحدة الإدارية في حين كان قانون عام 1991م قبـل الحـرب الأهليـة يشـترط أن يكون المرشـح من أبناء المنطقة المقيم فيها منذ سنوات طويلة.

إطلاق رئيس الجمهورية منتصف 2006م بأنه بدلاً من تزاحم الناس ومشاكل الأراضي حيث يصعب حصول الشباب على قطع من الأرض لهم، اقترح توزيع أراض لهم في المناطق الساحلية في كل من عدن، لحج، وحضرموت وقامت الهيئة العامة للأراضي والتخطيط الحضري بالمسح والتخطيط لتحقيق هذا الغرض. إن إعادة توزيع السكان التي جاءت في مقالة الفقيه ستكون إحدى نتائجها إفراغ مضمون الاقتراح الذي كان قد أطلقه رئيس الجمهورية عند تدشينه للمجالس المحلية عدن (نوفمبر 2006م) بأنه اذا نجحت المجالس المحلية سيأتي عام 2010م وقد أصبحت حكومات محلية، ولكن برغم هذه الخطوة المتقدمة في اللا مركزية إلا أنها ستعني تحقيقها بعد أن تم إعادة توزيع السكان وطمس الهوية الجنوبية وتحولهم من الأغلبية السكانية في مناطقهم إلى أقلية سكانية ليس على مستوى دولة الوحدة فحسب بل أيضاً في إطار محافظاتهم الجنوبية. فأي حكم ذاتي قد يقر مستقبلاً لا معنى له إذا كان سكان المناطق الجنوبية أقلية في مناطقهم.

إن الوحدة الوطنية معرضة للخطر في حال تنفيذ مثل هذه المقترحات التي تتعارض مع الأهداف من قيام دولة الوحدة وتتعارض مع أبسط مفاهيم الديمقراطية ويجب الوقوف ضدها والعمل على البحث عن حلول تتوافق مع متطلبات العصر أكثر من حلول فات عليها الزمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى