الخوف على المستقبل يؤكّد الحاجة إلى مصالحة شاملة .. أزمة الحوثيين: استراحة محارب أم وقف نهائي للقتال؟

> صنعاء «الأيام» أبوبكر عبدالله:

>
صورة من الارشيف لجنود من الجيش يتمركزون في أحد المواقع بصعدة
صورة من الارشيف لجنود من الجيش يتمركزون في أحد المواقع بصعدة
تلاشت أصوات المدافع وهدير الطائرات في صعدة اليمنية بعد فصل دام من القتال بين الجيش والحوثيين في أكثر الأزمات اليمنية عنفا وخسائر، فيما لا يزال اليمنيون ينظرون إلى القضية على أنها لغز كبير زاد منه التعتيم غير المسبوق الذي لف الأزمة بكل تداعياتها أكثر من خمسة أشهر.

ومع بداية السنة اشتعلت الأزمة الثالثة في صعدة بمواجهات بين «الشباب المؤمن» وعائلات يهودية من أصول يمنية تلتها مناوشات بين الحوثيين والشرطة، ثم وجد اليمنيون أنفسهم في معمعة قرارات تصعيدية بدأتها صنعاء بإعلان حرب على حركة تمرد مسلح مدعومة من جهات خارجية تحولت بعدها حرباً على مخططات مذهبية تنادي بالإمامية والدولة الصفوية.

وسرعان ما ظهرت سلسلة بيانات تأييد وتفويض بالحرب أصدرتها المؤسسات الرسمية السياسية والاشتراعية وحتى مجلس النواب وعلماء الدين ومنظمات المجتمع المدني الموالية، وتحدثت عن مخططات لفتنة مذهبية وتوجهات انقلابية وتدخلات خارجية لتبدأ حرب ثالثة طاولت معظم مديريات صعدة وانتهت ببيان مصالحة لا يقل غموضا عن بيانات إعلان الحرب.

وعلى رغم ما رافق الأزمة الثالثة من اتهامات وحملات إعلامية وتعبوية غير مسبوقة تجاوزت الإطار المحلي إلى الإقليمي، لم يعكس بيان المصالحة بين صنعاء والحوثيين هذه الحال بمقدار ما كشف هشاشة أسبابها في الاحتقانات القديمة لحربين سابقتين ومناوشات سببها استمرار رفض الحوثيين تدخلات الجيش في مناطقهم، إلى تداعيات ترديدهم شعارهم المعادي لأميركا وإسرائيل وبقاء بعضهم قيد الاعتقال وعدم تطبيق قرار العفو العام المعلن بعد الحرب الثانية.

وبدا اتفاق المصالحة الذي رعاه أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في أجواء من السرية، وكأنه أوجد حلولا للمشكلات الأساسية في الأزمة، وخصوصا في قضية فرض نفوذ الدولة على المناطق التي يتمركز فيها الحوثيون وعودة الحياة إلى طبيعتها بوقف القتال والتزام الدستور والقانون والنظام الجمهوري ومنع حيازة السلاح المتوسط وإنهاء التمرد ووقف الجيش عملياته العسكرية وترك الحوثيين معاقلهم الجبلية وعودتهم إلى منازلهم ووقف هجماتهم على الجيش واحترام حرية الرأي والتعبير.

وبهذه الصيغة التصالحية التي كانت موضع ترحيب واسع، انتهت عمليا حرب الأشهر الخمسة التي حفلت بالكثير من الاتهامات والإدانات تحت شعارات الدفاع عن النظام الجمهوري والشرعية الدستورية والتصدي للتدخلات الخارجية والفتنة المذهبية.

وعلى رغم الابتهاج الذي عم الشارع اليمني بانتهاء الأزمة الا ان ذلك فتح الباب واسعا أمام الكثير من الأسئلة القلقة حول مثالية الحل في احتواء الآثار التي خلفتها الحرب وضمان عدم تجددها مستقبلا وسط غضب الشارع من التضليل الذي رافق حديث السلطات عن مسببات الحرب واتهام الحوثيين بالتخطيط للانقلاب على النظام الجمهوري ومحاولة إشعال فتنة مذهبية وخرق السيادة الوطنية. بالارتباط بدول خارجية والتي بدا اخيراً أنها لم تكن سوى «بروباغندا» تعبئة لأهداف خفية.

انقسامات حادة

وإزاء ما اعتبر تضليلاً للشارع اليمني في حرب التمرد الثالثة التي كانت الأكبر من حيث الخسائر المادية والبشرية والأطول من حيث المدة الزمنية والأخطر من حيث التداعيات قياسا إلى حربين سابقتين، تسود الدوائر السياسية والشعبية في الحكم والمعارضة انقسامات حادة حيال الإدارة الحكومية لهذه الأزمة بايجابياتها وأخطائها زاد منها الغموض الذي أحاط بها ونهايتها التي بدت أشبه بمحاولة للهروب إلى الأمام لتجاوز صفحة دموية في حرب بدأت غامضة وانتهت بكارثة.

وقياسا بالانقسام الذي ميز الشارع اليمني خلال اشهر الحرب، فإن الميزة نفسها ظلت لصيقة لموقفه من نهايتها، إذ اعتبرها البعض قرارا حكيما لإنهاء مشكلة عصفت بالشارع اليمني لأشهر، فيما اعتبرها آخرون هزيمة للنظام اليمني وللولايات المتحدة التي دفعت السلطات اليمنية الى مواجهة الحوثيين على خلفية شعار «الله اكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل».

غير ان الشارع اليمني بمختلف تياراته واتجاهاته بدا في حال ثأرية حيال ما اعتبره سياسات خاطئة وعبثية في إدارة حرب التمرد التي كبدت البلد خسائر باهظة من دون أهداف، وفي ظل مبررات مضللة خصوصا وان الأزمة بدأت وانتهت من دون أن تقدم السلطات اليمنية دليلا واحدا على عمالة الحوثيين لايران وليبيا، كما أنها لم تقدم دليلا على أن الحوثي كان يخطط للانقلاب على نظام الحكم وعودة الإمامة ومن أجل قيام الدولة الصفوية وفقا للاتهامات الحكومية.

وفضلا عن ذلك، فإن السلطات اليمنية لم تقدم سببا واضحا لإعلانها الحرب، بل ابقت تداعياتها سرية ولم توضح فاتورة خسائرها المادية والبشرية، فيما بدا اليمنيون وكانهم إما وقوداً لصراعات سياسية ودينية ومذهبية واما متفرجين معدومي التأثير.

ولم تقتصر الانتقادات على المعارضين للحرب بل طاولت أيضا المؤيدين الذين اعتبروا اتفاق المصالحة «خيانة لدماء الشهداء» من الجنود الذين قضوا في المواجهات، خصوصا انها «انتهت من دون أدنى محاسبة للمتمردين بل انها قررت تعويض قتلى الحوثيين وجرحاهم من دون تحمل مسؤولية الجنود الذين ضحوا بأرواحهم لهدف لم يتحقق».

ويشير هؤلاء إلى أن الحكومة بسياستها الخاطئة حيال الأزمة جعلت من الحوثيين المنتصر في هذه الأزمة كونها انتهت بتلبية مطالبهم كفرقة دينية تطالب بان يكون لها مدارسها وجامعاتها ووسائلها الإعلامية وإعادة إحياء دورها كمرجعية دينية كبرى في اليمن والمنطقة من خلال السماح لهم بانشاء جامعة الإمام علي وغيرها من المرافق الدينية والإعلامية ذات النزعة المذهبية.

استنتاجات ومخاوف

وبينما يراقب الشارع اليمني بمكوناته السياسية والاجتماعية والدينية باهتمام تنفيذ اتفاق انهاء المعارك والشروط التي يمكن أن يوفرها الطرفان لضمان استمراره، تسيطر المخاوف من إمكان تجدد الأزمة، وخصوصاً وان أية ضمانات لم تتوافر في هذا الاتفاق الذي وصفه رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بـ «الصعب»، كما وصف تنفيذه بالأصعب.

من جهة اخرى ترى دوائر سياسية في المعارضة أن السلطات والحوثيين، على رغم ما أبدياه من حرص على طي صفحة الأزمة، إلا أن جهود المصالحة لم تقدم سوى تعقيد جديد إذ جاءت بحل وسط للأزمة يقبله الطرفان وهو لا يعني في الضرورة أنه سيسير سيرا طبيعيا بل سيواجه الكثير من العقبات والتعقيدات اذ أنه لم يحمل أية ضمانات تفسح في المجال المجال لاقتناص الفرص من تجار الحروب والرافضين لوقفها.

وتأمل الدوائر السياسية اليمنية في أن تسعى الحكومة بكثير من الصبر والحكمة الى ترميم الشرخ الذي أحدثته الأزمة ومعالجة آثار الحرب وإغلاق هذا الملف بصورة نهائية حتى لا يتحول الاتفاق مجرد استراحة محارب تعود بعدها الأوضاع إلى ما كانت عليه.

وثمة من رأى أن المصالحة، وإن أنهت دوامة الاقتتال، إلا أنها لم تضع حدا نهائيا للأزمة التي تجددت ثلاث مرات منذ عام 2004، فيما اعتبر «بداية حرب أخرى وقودها الشرخ الذي تعرض له النسيج الاجتماعي في هذه المحافظة».

ويعتقد هؤلاء أن السياسات الرسمية هي التي ولدت أزمة الحوثي وهي التي ستعمل على إبقائها كما هي من دون حلول جذرية، مما يعنى عودة الأزمة من جديد سواء في صعدة أم في منطقة أخرى ولاسيما أن الحرب انتهت فيما العصا لا تزال خبيئة وراء الظهور.

ويذهب بعض المحللين إلى التأكيد أن حرب صعدة الأخيرة لم تكن سوى نتيجة للانقسامات المذهبية التي كرستها اجندة التعبئة التي رعتها الدولة لمصلحة المذهب الوهابي والسلفي في منطقة تمثل مرجعا اساسيا للمذهب الزيدي في اليمن بتأييد من دول الجوار.

ويؤكد هؤلاء أن المصاعب الأبرز تكمن في إمكان قدرة الدولة على الحفاظ على التوازن بين الوجود السلفي الذي ظل مدعوما لسنوات طويلة في المحافظة والمذهب الزيدي الذي شهد في السنوات الأخيرة حال انحسار وغياباً كاملاً في المدارس والمرجعيات الزيدية. واضافة الى ذلك ثمة مخاطر تحيق بمستقبل الحرب الباردة بين قطر راعية الحل والمملكة العربية السعودية القلقة من قوة الشيعة في شمال اليمن. ويشير المحللون أن صعدة قد تكون مسرحها مستقبلا في ظل احتفاظ كل من البلدين بأجندته الخاصة، إذ تخطط الأولى لتحويل الحوثيين أداة حليفة ضد السعودية، فيما تخطط الثانية للقضاء على الحوثيين لتجنب اية قلاقل أمنية من جهة إيران وقطر في المنطقة.

وعلى رغم كل هذه المخاوف، فان الكثيرين يتفقون على أن حرب صعدة وفرت مؤشراً مهماً لمدى احتياج اليمن إلى مصالحة شاملة سياسية ومجتمعية تستعيد نهج الديموقراطية الذي اختاره اليمنيون بعد إعلان دولة الوحدة، ويؤسس قولا وفعلا لتداول سلمي للحكم وتوسيع المشاركة ومواجهة الفساد والاستبداد الذي يعد البيئة الخصبة للفتن والتمرد والاحتراب.

عن «النهار» اللبنانية الأحد 2007/6/24

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى