صعدة «فُتحت» من بوابتها الخلفية

> صعدة «الأيام» ابو بكر عبدالله :

> فتحت السلطات اليمنية جزئياً محافظة صعدة للصحافيين من بوابتها الخلفية في مديرية رازح الحدودية بعدما أغلقتها مطلع السنة الجارية باعتبارها منطقة حرب بين الجيش والحوثيين. لكن هذه المبادرة بدت لاحقا كأنها محاولة لاضفاء مزيد من التعتيم على الأزمة وتقديم صورة مضللة عن الأوضاع في محافظة لا تزال تعيش أجواء حرب على رغم مرور أسابيع على اتفاق وقف النار.

“النهار” كانت ضمن فريق الصحافيين الزائر وسجلت مشاهدات محاولة تلمس الجوانب المغيبة في حرب لم تكن أسبابها كافية ولا واضحة، إلى مشاهدات عن جيشين في صعدة، الأول يخوض حرباً لتعزيز الأمن في منطقة حدودية بالغة الحساسية بالنسبة الى الجارة الكبرى، وآخر ضم آلافا من الراغبين في الثأر وآخرين من المحاربين تحت مظلة الفتوى، فضلا عن المئات من الطامعين بغنائم المرعى والعسل وغلال الأرض وذهب النساء.

أهلا بكم في رازح

في مديرية رازح الحدودية ذات التضاريس الجبلية الوعرة، كانت عيون الجميع مفتوحة تراقب التحركات القلقة والمتواصلة لقوات الجيش المنتشرة في كل شبر، وفي الوجوه كانت تقفز أسئلة عن حرب غامضة و تأملات خائفة لجروح مفتوحة يخشى الجميع توسعها.

الا أن آثار الحرب في هذه المديرية الحدودية الأقرب إلى السعودية لم تكن واضحة كثيرا ولا سيما أنها ظلت بعيدة من طاحونة الاقتتال بين الجيش والحوثيين منذ الحرب الأولى 2004 والثانية في 2005 ولم تدخل دائرة الأزمة إلا في الحرب الثالثة بعدما سيطر عليها الحوثيون اشهراً قبل سقوطها بيد الجيش مع إعلان صنعاء والحوثيين اتفاق وقف للنار في رعاية قطرية.

واليوم فان مديرية رازح هي الوحيدة التي تخضع عمليا لسيطرة الجيش من بين 12 مديرية شهدت معارك الأزمة الثالثة. ولذلك فهي حاليا أشبه بثكنة عسكرية تنتشر في أرجائها نقاط التفتيش ووحدات المراقبة والسيطرة المدججة بالأسلحة الثقيلة، حتى في المدارس التي تحولت مقرات دائمة للجيش. كما تجوب الدوريات الخطوط الرئيسية الفرعية ليل نهار تحسبا لاختراقات.

والطريق إلى هذه المديرية طويل وشاق، فهذه المنطقة هي الأبعد بالنسبة الى صنعاء كما الى صعدة، والوصول إليها متاح فقط من اتجاهين: الأول يمر بمدينة صعدة عبر طريق جبلي ترابي وعر والثاني من طريق محافظة حجة المجاورة عبر خط إسفلتي تقطعه أحيانا عيون مياه ومعابر سيول قبل الوصول إلى مركز المديرية، وفي كلا الحالتين فان الوصول إليها يحتاج إلى تسع ساعات بالسيارة.

في دائرة الحرب

في 21 نيسان الفائت بدأت قوات “العمالقة” معاركها مع الحوثييين الذين ظلوا يسيطرون على المديرية ومركزها الرئيسي مدينة القلعة ومرافقها، واستمرت المعارك التي استخدم فيها الطرفان مختلف أنواع الأسلحة زهاء 50 يوما.

وقال قائد عمليات “قوات العمالقة” العميد حفظ الله السدمي إن الحوثيين سيطروا على كل مناطق المديرية وبدأت “العمالقة” تفكيكهم في مديرية شدا وتمت تصفية مراكز الإرهابيين في مختلف المناطق. واستمرت المعركة الأولى قرابة 20 يوما في مناطق متباعدة، ثم بدأت المعركة الثانية في 10 أيار في منطقة بركان واستمر تقدم الجيش وصولا إلى منطقة النظير ثم مدينة القلعة مركز مديرية رازح التي اقتحمها الجيش في 10 حزيران حاسما بذلك الأزمة في رازح.

واضاف إن” أتباع الحوثي أقاموا خلال سيطرتهم على مديرية رازح العديد من المراكز والمعاقل الجبلية و حفروا الخنادق وقطعوا الطرق لعرقلة وصول قوات الجيش، فضلا عن زرعهم الغاما مصنوعة محليا في بعض المعابر والطرق”.

واشار النائب في البرلمان عن المنطقة عبد الكريم جدبان الى أن المديرية أغلقت مدى أشهر بعد سيطرة الحوثيين عليها “ولم يكن في وسع السكان التنقل من قرية إلى أخرى... كانوا في حال خوف وقلق وأصيبت الحياة العامة والتجارية وحتى المدارس بالشلل التام وبقيت القرى معزولة ولم يستطع احد الخروج أو المغادرة أو الهرب، وكل الناس لزموا بيوتهم”.

غير ان بعض السكان يقولون إن رازح لم تكن يوما مقراً للحوثيين “فهم يقطنون مناطق بعيدة في مديريات قطابر، ضحيان، سحار، النقعة والصفراء، حيدان وكتاف، باقم، غمر، ساقين، مجز، فيما كان وجودهم في رازح محدودا للغاية”.وعلى رغم تأكيد قادة الجيش في رازح أن معارك ضارية نشبت بين الجانبين واستمرت أسابيع، إلا أنهم يرفضون الإدلاء بمعلومات عن عدد الضحايا سواء من الحوثيين أو من قوات الجيش، بينما أفاد بعضهم أن الخسائر كانت كبيرة. وتحدث مواطنون عن مقتل الكثير من المدنيين في المواجهات.

معارك نظيفة وأخرى قذرة

ربما كانت هذه المنطقة هي الوحيدة التي شهدت معارك نظيفة بين الجيش والحوثيين، مما يفسر نجاح الجيش في حسم المواجهات سريعا وإحكام سيطرته على المنطقة في ظل خسائر قليلة وعلاقات جيدة مع السكان مقارنة بالمعارك التي دارت في المديريات الأخرى.

ويصف البعض “قوات العمالقة” المسيطرة على رازح بـ “المنظمة” للتفريق بينها وبين القوات المنتشرة في مديريات صعدة الأخرى حيث دارت أعنف المواجهات وأطولها والتي توصف بـ “ شبه النظامية”، إذ يختلط فيها الجيش بكتائب “البشمركة” من متطوعي القبائل التي تقاتل من أجل التكسب، إلى كتائب المجاهدين والسلفيين الذين يقاتلون بعقيدة مذهبية بعد صدور فتوى أجازت الحرب على الحوثيين.

وفي حين ان القوات تمكنت من السيطرة على البوابة الخلفية لصعدة، بقى الجيش المرابط في الطرف الآخر غارقاً في حرب مدن عنيفة تغذيها ثارات وعصبيات أكلت الأخضر واليابس فيما لا تزال مغلقة على رغم اتفاق وقف النار.

وللتوضيح، ثمة جيش منظم يخوض حرباً لتعزيز الأمن وفق قيم نبيلة في منطقة حدودية بالغة الحساسية بالنسبة الى الجارة الكبرى، وآخر هو خليط من الراغبين في الانتقام والباحثين عن غنائم المرعى والعسل وغلال الأرض وذهب النساء ونفائس القبائل.

ويتساءل بعض سكان صعدة عن جدوى لجوء الدولة إلى وجهاء القبائل لتأليف جيوش غير نظامية ودفعها الى الحرب كما حدث في مديريات صعدة الـ 11 التي شهدت أعنف حرب في تاريخها منذ قيام الثورة على رغم أن الجيش اليمني مؤهل لإخماد أي تمرد أو قلاقل في أيام استنادا الى أحد القادة العسكريين في رازح.

وثمة من يرى أن الحرب الأخيرة لم تكن مقدسة من أجل الدفاع عن النظام الجمهوري ومحاربة التوجهات التي تنادي بالإمامة والدولة الصفوية بمقدار ما كانت حرب تكسّب، وهي التي دفعت قيادة الجيش إلى الاستعانة برجال القبائل مما أدى إلى اطالة أمد الحرب من دون نتائج ما عدا الثارات القبلية والأحقاد المذهبية التي لا تزال تعرقل جهود المصالحة حتى اليوم.ويعرف كثيرون هنا أن الحرب التي دفعت إليها السلطات برجال القبائل بوعود الغنائم، والجهاديين بوعود إنهاء الوجود الشيعي، هو ما حوّل صعدة بوابة مذهبية وإمامية تهدد باسقاط نظام صنعاء لتدخل البلاد في حرب قذرة قوضت السلم الاجتماعي وكان فيها اليمن الخاسر الأكبر.

تجمعات فقيرة

وفي ما عدا نقاء الطبيعة وبساطة الناس، فان كل شيء في رازح يوحي بقسوة الحياة وزهد العيش.

وكثير من السكان لا يعرفون من الدولة سوى النائب عن المنطقة ورئيس المجلس المحلي، ولذلك فهم بعيدون عن تفاعلات البلاد اليومية.

ومعظم القرى صغيرة وتنتشر فيها تجمعات سكانية مبعثرة في ما يشبه التجمعات العائلية التي تعتمد الزراعة في المدرجات الجبلية وسيلة للعيش. لكن السكان يدركون اليوم أن قراهم افتقدت الأمان ولا يزال هناك الكثير من الأسر التي دمرت منازلها في مخيمات بدائية للنازحين يصل عددها إلى 70 أسرة حسب تأكيدات النائب عبد الكريم جدبان.

وباستثناء القلعة مركز مديرية رازح حيث تتوافر الخدمات البسيطة، فان كثيرا من القرى والتجمعات البشرية الصغيرة تعاني الفاقة وغياب الخدمات ووسائل النقل والإتصالات. فمع حلول الليل تغرق القرى الصغيرة في ظلام دامس، فالكهرباء تكاد تكون محصورة في مركز المديرية وبعض القرى الكبيرة نسبيا أو التي تمر فيها خطوط التوتر العالي. كذلك تعاني المنطقة شحاً في المياه الصالحة للشرب ويعتمد السكان على بعض عيون المياه الموسمية، فيما تشكل مياه الأمطار المورد الأساسي للعيش، وقد اعتاد السكان تجميعها من سطوح المنازل عبر انابيت موصولة بخزانات أرضية وتستخدم في الأغراض المنزلية.

عن «النهار» اللبنانية 1 يوليو 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى