الاعتدال و الابتذال

> عمر محمد بن حليس:

> بحثت كثيراً عن عنوان آخر فلم أجد فهدتني ذاكرتي، مذكرة إياي، إلى نقاش بيني وزميلي الأخ صلاح عبدالله المطري دارت أحداثه عندما كنا في بغداد شتاء عام 92م من القرن المنصرم.. عن بعض نقاط كتاب (الأمير) لميكافيلي الذي وقفنا عند مبدئه (الغاية تبرر الوسيلة) وعملنا عليها إسقاطات متعددة!

الوسيلة تكون أحياناً لتوصيل رسالة أو ما شابه ذلك وهو ما لجأت إليه في غايتي، لذلك استخدمت كلمة (الابتذال) التي أعتذر للقارئ الكريم عن إيرادها لأن المهم هو الرسالة (الغاية).

والاعتدال والابتذال كلمتان متناقضتان تقع كل منهما في ضفة فنجد الاعتدال في السلوك يكون في الكلام وفي الجلوس والقيام وفي الحل والترحال وهو أمر مهم إذ تستقيم عليه مسائل كثيرة تأتي ضمنها العلاقات الاجتماعية النزيهة والشريفة بين الناس. وفي ديننا الإسلامي الحنيف يعد الاعتدال مطلباً ضرورياً تفرضه ضرورات الحياة وثوابتها لأن في الوسطية خيراً كبيراً على الفرد والمجتمع، وهما لا يعتبران على الإطلاق نوعاًً من أنواع الصفقات أو الانهزام أو التكتيك كما قد يحلو للبعض القول (خاصة أصحاب الصدور الضيقة والحسابات الآنية أو أولئك الذين يضعون على عيونهم النظارات السوداء حتى في غرف نومهم المغلقة).

إن في الاعتدال سنة وحكمة، والأكثر من ذلك فيه استخدام للعقل بديل العاطفة وقد برهنت لنا الحياة في ظل استمراريتها وديمومتها (بغض النظر عن التقلبات التي تشهدها) أن الاعتدال هو الباقي والمقبول والخوف لا يأتي منه أبداً.

وعلى النقيض نجد على الضفة الأخرى سلوك التزلف والابتذال والتقرب هو الخطر المحدق والكامن، لأن أصحاب هذا السلوك هم من ضعاف النفوس الذين يقولون ما لا يفعلون فهم العلة وهم بائعو الكلام بأبخس الاثمان بل نجدهم هم المزورون الذين يقلبون حقائق الأمور ومجريات الأحداث والوقائع لا لشيء بل لإيمانهم بأن لا مجال ولا مكان لهم إلا بإظهار سلوكهم المعيب ظناً منهم أنهم يقربون أنفسهم زلفى إلى حيث يجب أن تقدّم، مع العلم أن الآخرين يعلمون علم اليقين أنهم يبنون بيوتهم الواهنة وينسجون خيوطها العنكبوتية ويقيمون علاقاتهم على عكس الواقع الذي حتماً ستأتي رياحه ذات يوم لتجتث ما بنوا من وهم ووهن وتلقي بهم في مكان سحيق لأنهم بكل بساطة لم يكونوا أكثر تأثيراً ولا جذباً وقبولاً في مضمار الحياة بكنوزها المعرفية ومناجمها الغنية.

على كل حال، عزيزي القارئ أينما كنت إن ما دفعني للكتابة تحت العنوان أعلاه هو موقف (أحدهم) وأكيد من أمثاله آخرون، كثراً كانوا أم قلة، من الذين يؤكدون بسلوكهم غير السوي (المبتذل) أن ضررهم أكثر من نفعهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى