الدماء الفلسطينية أغلى من المناصب

> علي ناصر محمد :

> حمل النصف الأول من عام 2007 تباشير حل الأزمة الفلسطينية – الفلسطينية بين «حماس» و «فتح»، واستبشرنا خيراً باتفاق مكة الذي وقع برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكنا نأمل أن يكون هذا الاتفاق امتداداً لاتفاق الطائف بين اللبنانيين، ولكنه مع الأسف لم يصمد طويلاً.

فبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، تربص كل طرف بالآخر وأيديهم مشدودة على الزناد ليوجهوا سلاحهم ورصاصهم إلى رفاقهم في السلاح أولاً، وإلى اتفاق مكة ثانياً، وإلى القضية الفلسطينية قبلهما، وتمخض هذا النزاع عن عشرات القتلى ومئات الجرحى في منظر يحز في نفس كل عربي، وقيام سلطتين متنازعتين في القطاع والضفة الغربية، وهذا ما كان يتمناه أعداء القضية الفلسطينية وفي مقدمهم إسرائيل، وهكذا ضاعت الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي كانوا يتحدثون عنها وينـاضلون من أجلها.

علمتنا التجارب أن «الثورة تأكل أبناءها وأن السلطة تأكل رجالها»، وهذا لا ينطبق على فلسطين وثوارها اليوم الذين لا يزالون يرزحون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي والآلاف منهم في السجون والمعتقلات والملايين في الشتات، وهم لا يزالون يناضلون في مرحلة يجب أن تتوحد فيها جميع القوى في الداخل والخارج من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال.

وكنا نتمنى أن يستفيدوا من تجارب الثورات وألا يكرروا الخطأ الذي وقع فيه بعض قيادات الثورات في الجزائر واليمن وأريتريا وغيرها من الثورات التي تعرضت إلى هزات وصراعات وخلافات واقتتال على السلطة قبل وبعد التحرير والاستقلال. أي سلطة هذه التي يتحدثون عنها، ويتقاتلون ويموت الأبرياء من أجلها، أليست مجرد سلطة من أجل مصالح شخصية لا تخدم الوطن ولا تمت إلى القضية؟ إنها سلطة الموت والخراب والدمار، وهم بصراعهم هذا يسيئون إلى تاريخهم النضالي والسياسي وتاريخ النضال الفلسطيني والعربي لأكثر من نصف قرن حيث ضحى في سبيل فلسطين مئات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين والعرب ناهيك عن المعونات المادية الضخمة التي كانت تقدم لدعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المحاصر.

وهم بهذا الصراع يقضون على الأمل الباقي لدى الشعوب العربية والإسلامية في استعادة فلسطين وعاصمتها القدس التي كانت منذ نصف قرن وإلى الآن قضية العرب والمسلمين الأولى.

عودة إلى مشهد ما قبل اتفاق مكة، فـ«حماس» وصلت إلى السلطة أولاً بسبب فساد بعض قيادات منظمة «فتح» الذين أساؤوا للقضية ولتاريخ هذه المنظمة الفلسطينية المناضلة التي قادت الكفاح المسلح بقيادة المناضل ياسر عرفات مع رفاقه ضد العدو الصهيوني.

فهو ورفاقه أبو جهاد وأبو إياد وأبو اللطف وغيرهم من المناضلين الفلسطينيين الوطنيين أول من أطلقوا الطلقة الأولى وحملوا القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية وضحّوا وماتوا من أجلها، وكان أبو عمار يحمل في قلبه وجيبه قرار المنظمة المستقل.

كل شيء يحترق ويُدمر، الدماء والدموع تسيل على هذه الأرض التي بدأت تضيق بأهلها بعد أن احتلتها وقضمتها دولة الاغتصاب العنصرية الاستعمارية التي تعتبر آخر دولة استعمارية في العالم، ولم يبق في فلسطين إلا القليل الذي يجب أن نتعلق به وندافع عما تبقى منه.

وإسرائيل هي التي تتحكم بالحجر والبشر من خلال سيطرتها على المعابر والأموال والسجون ولها تأثيرها ولو بشكل غير مباشر على السلطة الفلسطينية من خلال الضغط على بعض الأطراف الدولية والإقليمية لدفع السلطة لتنفيذ ما تمليه عليها إسرائيل.

فالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس الوزراء إسماعيل هنية لا يدخلان إلى فلسطين سواء في القطاع أو الضفة إلا بموافقة إسرائيل (ومنظر رئيس الحكومة إسماعيل هنية وهو يجلس على رصيف معبر رفح ليس بعيداً عن ذهننا) حيث تقوم إسرائيل بالتفتيش الدقيق على ملابس القادة الفلسطينيين وسياراتهم وباصاتهم والأموال التي يحملونها من الخارج.

لقد حز في نفسي وأنا أشاهد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت وهو يطالب الفلسطينيين بوقف الاقتتال.

لقد شعرت بأسى وحزن عميقين للوضع المؤسف الذي وصلت إليه هذه القيادات التي كنت أكن لها الاحترام والتقدير وأتساءل في نفسي لماذا هذا الاقتتال بين رفاق السلاح والقضية؟ ولماذا لا يوجهون السلاح إلى قتلة قياداتهم ومناضليهم من أبطال وشهداء الثورة الفلسطينية الذين ضحوا بأرواحهم وناضلوا في سبيل إيصال رسالتهم إلى الأمم المتحدة وشعوب العالم من أجل التعريف بعدالة قضيتهم؟ لقد اختفى الكبار من الساحة الفلسطينية، بعضهم غيبه الموت كأبو عمار وأبو جهاد وأبو اياد والشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى وأبو صالح وغيرهم، وبعضهم غيبته السجون كمروان البرغوثي وأحمد سعدات والمناضلات والمناضلين الشرفاء الذين يقبعون اليوم في السجون الإسرائيلية، وغيرهم من المناضلين الذين زهدوا بالسلطة وأعطوا فرصة للشباب في قيادة المنظمات الفلسطينية وفي مقدمهم المناضل الكبير جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب ورفيق دربه الطويل المناضل إحمد اليماني وغيرهم من قيادات الثورة والشعب الفلسطيني.

وبعد اتفاق مكة بين «فتح» و «حماس» كان عليهم أن ينظروا إلى مستقبل فلسطين والسلطة على أنها قضية وطنية، بعيداً من المصالح الشخصية وأنها قضية وطن بأكمله وبمختلف شرائحه وأحزابه وفصائله وطوائفه وليست قضية حركة أو فصيل بمفرده من دون غيره، وعليهم أن يلتزموا بالمبادئ التي نص عليها الاتفاق من تحريم للصراع الفلسطيني - الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية مبنية على ثوابت وطنية وليس على محاصصات وتأكيد مبدأ الشراكة السياسية بين جميع الفصائل الفلسطينية.

إن الدماء الطاهرة التي سفكت من أجل كراسي السلطة أغلى وأهم مما يتصارعون عليه، فقطرة دم واحدة من الذين قتلوا من «حماس» أو «فتح» أغلى ألف مرة من الكراسي التي جرى الخلاف حول توزيعها في سلطة فاقدة للشرعية والقرار في ظلال الاحتلال.

وباسمي وباسم اللجنة الشعبية العربية لدعم القضية الفلسطينية أناشد الأطراف الفلسطينيين والعرب كافة أن يبادروا إلى ممارسة دورهم القومي والنضالي والانساني والأخلاقي، وتشكيل لجنة من حكماء هذه الأمة الحريصين على مستقبل القضية الفلسطينية لإجراء حوار عاجل بين قيادتي «فتح» و «حماس» لوضع حد لحال الانقسام الخطيرة التي تهدد مستقبل القضية الفلسطينية قبل أن تتحول سلطتا الضفة والقطاع إلى أمر واقع يكرس فيه الانفصال على الساحة الفلسطينية، وتفقد القضية التأييد الشعبي والرسمي عربياً واسلامياً ودولياً.

وهم بهذا العمل الخطير والمدمر يبعدوننا عن الهدف الكبير المتمثل في تحرير فلسطين وعودة اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

الرئيس اليمني السابق، رئيس المكتب التنفيذي للجنة الشعبية العربية لدعم القضية الفلسطينية.

عن «الحياة» 1 يوليو 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى