الشاعر عبد اللاه الضباعي صراحة الذهب .. على مرجل الغضب

> «الأيام» أديب قاسم:

> خذ من المعدن الأصلي ذهب خاص مصبوب الذهب لاحترق يزيد لمعه وطيبه (الشاعر المناضل ابوسالم) ..الشعر بطابعه النضالي .. والشعر الشعبي (ولنقُل العامي) على وجه الخصوص، لمّا كان صدى لما يعتمل في الصدور بما هو نتاج للوعي الجمعي .. هو موقف! .. قد يتجسد في التكشف عن (رؤية) من طريق الحدس الشعري، وقد يتمخض (جرأة) فيتخذ مباشرة سمة (المواجهة) الحقيقية وإن عزّت قريش!

نُعطى السويّة في طعن له نَفَذُ

ولا سويّة إذ تُعطى الدنانير

وهذا عمرو بن معدي كرب الزبيدي.

وللشعر عموماً تقيّة من أدب إذ يميل بموجبها من جهة، نحو التلميح في بوح العبارة.. ومن جهة أخرى، بما هو من طبيعة الشعر في جوهره الصافي إذ يجنح إلى الإشارة أو الرمز لما كانت المباشرة هي منفى الشعر. فإن اعتمد صراحة الذهب .. مادامت المواجهة هي سبيله الأوفر في إنجاح الغرض الشعري فهو:مدّاح قدّاح .. يتوخى استمالة قلب الممدوح بما له من يد طولى في قضية هذا الشعر:

يا ثالث العُمَرين افعل كفعلهما

وليتفق فيك منك السر والعلن*

أشِد لمُلك يقول الناظرون له

نِعمَ المليك ونعم البلدة اليمنُ

عار عليك قصورٌ شيّدت بذخاً

وللرعية دُورٌ كلها دِمَنُ

وهذا هو الشيخ المصلح الاجتماعي الصوفي التقي الورع اليمني أحمد بن علوان في مواجهته للملك المظفر يحثه على العدل .. وحتى نصل إلى الشاعر الشهيد الزبيري .. فالطريق طويل ممتد، وما من ضوء في آخر النفق! ....وحتى يومنا الراهن:

قاعده ثابته من عهد يحيى وسائر

واصبحت قاعده صلبه وصخره جسيره (آفة خطيرة)

على أن شاعراً كهذين، أو كان مثل عبداللاه الضباعي ليتفق عليه قول الأديب الشاعر والناقد الكبير العلامة السيد عبد الرحيم الأهدل: «بعضهم كان يتسلح بالشجاعة ويقدم مع المديح النصح ويمزجه بجدية الإشارة وإيقاظ همة الممدوح إلى العمل الأفضل الذي يدفعه إلى مصاف الخالدين».

فالشاعر عبد اللاه الضباعي وجد نفسه يقف في هذا الطريق اللا نهائي وفي يده مصباح الشعر الشعبي ..يحسبه الآخرون قليل الضوء نظراً لـ (عاميته) وهي كما يقال: «على يد الكثير ممكنة» ... أبداً! ولا سيما إن كان يتموضع على مواجهة سلطة ..فما هو بالشعر العادي! ..وإن كان في صراحة الذهب حيال استئثار معاوية بالذهب حصراً في أهله وقد غدوا هم أهل البيت..فما يكون هذا الشعر في يد الجميع! هذا ذهب صريح جعل يغلي في مرجل شعره:

الضباعي يقول الوقت غالب ومغلوب

هكذا الوقت يتدوال ولله غيبَه

ما تظلّي لحد دائم ولا هي لحد دوب

والمراحل تأكدها بفترة قريبَه

نلزم الصبر قدوتنا النبي كان أيوب

فوَّض الأمر للخالق وربك طبيبَه

خذ في العفو والمعروف انصح بأسلوب

أحسن القول لاجل النفس أن تستجيبَه فساد ما بعد قيام دولة الوحدة في اليمن، ظاهرة هذا الشعر، (والآخرون) قد أفسدوا كل شيء! ونجده في هذا التكثيف الشعري الذي بلغ حد النصل .. وحد الحنجرة! وحيث يتعلق الشاعر (بالموضوع) من خلال الكلمات التي ميزها (بالأسلوب):

كلمات واقوال باناشد بها المعتبر

القائد الوحدوي المعروف وافي عياره

غير إن كان قد تجاوز عن (الرأس الذي إذا تداعى ....) فقد جعل يمضي على التفاصيل في تاريخ الجسد:

الجسم معلول حالُه مضطرب لا يسر

والأمن مفقود والإفساد زاد انتشاره

أمراض وأسقام متفشي وباء منتشر

في القضاء والنيابه منتشر والإداره (رسالة إلى الوالي)

جمهورية بلا جمهور

يقترب الشاعر- الإنسان، من عامة الناس بقدر ما في جوهره من الصدق .. ومثلما اقترب الأديب الروسي أنطون تشيخوف من الإنسان العادي في روسيا عصره حيث صور لنا (للعالم) ملامح ذلك العصر: التمايزات الطبقية: القيصر والعائلات الكبيرة، وما يتحقق عن المصاهرات السياسية في وسط عاطل من كل المواهب غير موهبة الموظف الكبير بمعنى: السارق !.. وفيهم ذوو الرتب العالية والدرجات الرفيعة في السلك العام للدولة .. وثمة على خلفية هذه الصورة يعيش المواطن الشريف .. الإنسان البسيط العادي .. وكان تشيخوف يحلم بـ (روسيا بستان للجميع).

الإنسان العادي في (اليمن شماله وجنوبه).. هذا الذي يضغط على شعر الضباعي إلى حد التفجر .. ومع زوال الطبقة الوسطى في اليمن..نجده في قطاع رأسي لهذا الشعر الذي يتدفق (بل يتفجر) من مضخة القلب الإنساني:

< (الطالب منير) الذي تضامنت مع قضيته صحيفة «الأيام» بكل شهامة، وهو العبقري الذي نبع من معدن هذا الشعب - يقابله في الطرف الآخر: سليل الحسب الناهي الآمر ابن الوجيه الذي يسلبه منحة دراسية:

المنحه اليوم محنه يا بني عامر

لو ظلي الحال نفسه قول يا ستار

هذه حقيقه وهذا وضعنا الحاضر

واصبحت أمر واقع حالة استهتار

< المواطن الضعيف المغلوب- صاحب قضية، يقابله في الطرف الآخر ذوو الرتب والرواتب العالية الباهظة من المرتشين المفسدين: قضاة ومحامون ورجال أمن ورجال أعمال متنفذون ذوو خلفيات كبيرة، فما من سواسية تحت مظلة القانون، ولا عدل، ولا حقوق دستورية، ولا حتى ظل لجمهورية!

الفساد انتشر خيم بكل الدوائر

دون رادع ولا وازع لدين أولغيره

منتشر في مخافرنا وعم المخافر

عند من نشتكي والأمن هو ذي يديره

والقضاء والنيابه لا حرج قُل وخابر

حسَّنوا أوضاعهم وهم بنفس الوتيره

ما يخافون من ربي وقانون صادر

إنما من يحاسب من؟ وهم في حظيره

< شعب يطحنه الفقر - يقابله في الطرف الآخر ذوو النفوس الميتة من كبار المتاجرين بقوت الشعب: طبقة تجارية من ذوي النفوذ والسلطان! أوصلتنا إلى أن نشهد ظاهرة شعب يلتقط أبناؤه غداءهم من القمامات! ..بلى، شعب يعيش في برميل قمامة. وأمام عصابة من أدعياء الشرف تمسك بذيول أو بزمام السلطة، سمعنا صرخات الشاعر الضباعي (ذهبٌ يتنزل على الشعب من مرجل غضبه وينسكب حمماً على من يدبّرون معاشات هذا الشعب):

ابن الضباعي قال ضاق المتسع

ضاقت بنا الأرض الوسيع الشاسعه

صحنا بأعلى صوتنا من مرتفع

آذان صماء للنداء مش سامعه

ماحد يحس آلام غيره والوجع

ولا تحس الجوع معده شابعه

تُخمه مصاب البعض لكن ما شبع

في لقمة الجيعان نفسه طامعه

(الجشع)

الاستهتار بحقوق الشعب وأحكام الدستور (بالعقد الاجتماعي) .. بالمواثيق والعهود التي طرحتها الدولة على هذا الشعب، كان لا بد من أن تجد لها صوتاً في ضمير الشعب .. غير أن كل محاولات (رفع الصوت) قد باءت بالفشل ..وكان لا بد من البحث عن عنوان الفساد، والإعلان عن حملة ضخمة لتطهير البلاد من المفاسد والمظالم المنشورة (أو المنتشرة) في شتى المرافق تحت هذا العنوان،حتى تتساقط حصون الفساد .... إذن فلا بد من رد الشعب! .. حيث لا يكفي الاحتجاج ولا صيحات التنديد والاستنكار، لا يكفي خروج المظاهرات، بل لا بد من أن يغلي مرجل الشعور العام عند الشعب:

والأقوال شي والعمل

عكس القول يابو الرجال

وفي النهاية يرمي الشاعر ورقة (الآس)..نشتكي عند من؟

لا الجسم معلول، ما يشفى إذا الرأس خارب الجسم يبقى مُصاب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى