التشكيلي والمخرج والمؤلف المسرحي الذي طور فن المسرح وجدده وأبهر الجماهير

> «الأيام» متابعات:

> الفنان الرائد سالم أبوبكر باذيب .. الشحر مدينة الحضارة والتاريخ العريق جمعت إلى سحر الجمال دفء الحياة وإلى عبق التاريخ أريج الحاضر في مختلف المراحل التاريخية .. الشحر مهد الفن الأصيل وولاّدة الرموز والرواد وكبار المبدعين في مختلف ميادين الحياة فهي التي أنجبت حديثاً المحضار وبامطرف وعلي سعيد علي -عليهم رحمة الله- وأنجبت الشيخ عبدالرحمن الملاحي -أطال الله عمره- وغيرهم , كما أنجبت على مر الزمن في الماضي والحاضر كوكبة من كبار المبدعين الذين تركوا بصماتهم الحية في حياتنا الثقافية والفنية ومنهم الفنان التشكيلي والمؤلف المسرحي والمخرج الكبير الفنان الرائد سالم أبوبكر باذيب .

وأستاذنا سالم أبوبكر باذيب مبدع عبقري وبوتقة أصيلة من المواهب الثرة , فهو الفنان التشكيلي المميز وأحد رواد هذا الفن على مستوى الوطن اليمني وهو المؤلف المسرحي النابه والمخرج المسرحي الأصيل ومصمم الديكور المميز, وقد تسنم فناننا عدة مناصب ثقافية وفنية قيادية ومنها مديراً لإدارة الثقافة بالشحر ورئيساً لقسم الفنون بها وهذا القسم هو شريان الحركة والنشاط الإبداعي في إدارة الثقافة ويشرف على أقسام متعددة منها الموسيقى , والغناء , والرقص , والمسرح بشقيه التراجيدي والكوميدي , وفن الرسم والتشكيل وغيرها , فاستطاع من خلال هذا المركز الوظيفي والإبداعي أن يقود الأنشطة المختلفة بمهارته الفنية ودهائه إلى التفوق والنجاح , وحقق خلال مراحل السبعينات والثمانينات إنجازات فنية عظيمة حصدت العديد من جوائز الدولة التقديرية كما حصدت حب الجماهير وتقديرها لتلك الروائع الفنية على مستوى حضرموت والوطن اليمني كله .

الريادة التشكيلية والمسرحية

وفي الوقت الذي انحسر فيه المبدعون عن الولوج إلى آفاق الفن التشكيلي وعوالمه الشاقة وذلك لصعوبته وحاجته إلى الفكر والذكاء إضافة إلى الموهبة الفنية برز فناننا سالم باذيب بتميزه المبكر في هذا الميدان الذي خاض غماره بإمكاناته المتميزة وقدراته الريادية فاستطاع أن يشق الحجب ويضع لنفسه موطئ قدم راسخ في هذا الفن سار عليه حتى وصل إلى آفاق استطاع بها أن يكون ممثلاً لوطنه اليمني إلى معارض الفن التشكيلي العربية والدولية, فقد شارك فناننا بلوحاته في معارض كثيرة منها معرض برلين بألمانيا , وموسكو بروسيا , واليونسكو بأمريكا , ومعرض بلغاريا , وبغداد بالعراق , وطرابلس بليبيا , والمغرب , والكويت, وتونس وغيرها. وغالباً ما تجنح رسوماته لتلك المعارض إلى الرمزية التعبيرية والواقعية التي تواكب روح العصر , وتمثل لوحاته فيها إنجازاً ثقافياً من الإبداع الخلاق والإحساس الجمالي الإنساني الذي يعبر عن الواقع والعصر والحياة , وكانت لوحات الثمانينات انعكاساً للظروف الوطنية والإنسانية في تلك المرحلة والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية فيها .

وسالم أبوبكر باذيب يعد نموذجاً للفنان الذي يمتلك القدرة على التطور والحركة منسجماً بذلك مع حركة الحياة والواقع ويعد المسرح عنده هاجساً وقلقاً إبداعياً ورسالة إنسانية قادرة على التغيير الاجتماعي نحو الأفضل وذلك لإيمانه بجدوى المسرح وأثره العميق في الجمهور الذي كان يقبل متعطشاً للأعمال المسرحية الجادة موضوعياً وفنياً في تلك الحقبة الزمنية .لقد حرص فناننا في مؤلفاته المسرحية أن ينظر إليها من داخل تجربته الشخصية والتجربة الوطنية والقومية بأزماتها وأفراحها وإيجابياتها وسلبياتها التماساً للوعي الفني والتاريخي للجماهير ولجعل مسرحنا يحمل هويتنا اليمنية والعربية ويعبق بنفحات الوطن , فقد كتب فناننا عدة مسرحيات منها مسرحية «الحـلاّق» و«المجنـون» و«مخرج يبحث عن ممثل» و «لحظات تسبق العرض» و«يوم في حياة واحد على المعاش» وغيرها, حيث قام فناننا سالم باذيب نفسه بإخراج كل تلك المسرحيات التي قدمتها «فرقة الشحر للمسرح» , فقدم عروضاً مسرحية حية وفاتنة ومدهشة في آن معاً فالابتكار والتجديد هما من الأهداف العليا في فن هذا المبدع لذلك كان يعهد إلى نفسه مهمة تصميم الديكور المسرحي ونجده في خطوات تجديدية في ذلك الزمن يلغي الستارة المسرحية التقليدية باستخدام الإضاءة في بعض مسرحياته ثم طور تكنيكه الإخراجي فنجده في مسرحية «لحظات تسبق العرض» أو «مخرج يبحث عن ممثل» مثلاً يستخدم أسلوب فن «الفلاش باك» كما يؤكد تلميذ الأستاذ باذيب الممثل المعروف محمد حسن سعد لينقل العرض إلى أحداث الماضي باستخدام عجلات الشنط الصغيرة في ابتكار إبداعي غير مسبوق فتنتقل المشاهد أمام الناس دون أن تنطفئ الإضاءة أكثر من أربع مرات في العمل المسرحي الواحد مع ديكور جديد يتناسب والمشهد ويعبر عن الزمان والمكان في كل انتقال للعرض , ويهتم فناننا بعرض اللقطات الديكورية أو الإخراجية الساحرة أو المدهشة التي تلفت انتباه الجمهور وتدهشه وتسعده مثلما حصل في دور المحاربين في مسرحية «مخرج يبحث عن ممثل» عندما يخفض المحارب رأسه المغطى بقبعة فيسقط اللبان بالطبقة العليا من القبعة على الجمر بالطبقة السفلى فيشتعل رأس المحارب وتغطي سحب الدخان سماء المسرح في مشهد مثير, كما استطاع أيضاً في عمل غير مسبوق في عصره أن يمزج خشبة المسرح بمقاعد الجمهور وكانت من أروع اللحظات أن يشترك الجمهور مع الممثلين وأتذكر منهم المبدع سالم عبدالرب البكري في أداء بعض مواقف الذروة في العرض المسرحي لأن المخرج المجدد استطاع بقدراته العظيمة أن يخلق ذلك الخيط السحري الذي يربط بين المسرح والجمهور ويجعل من العرض الذي نشاهده واقعاً حياً نعيشه وننفعل به ونشارك فيه.

وبإمعان النظر في مؤلفاته المسرحية بل وحتى في عناوينها نجد حب فناننا الكبير سالم أبوبكر باذيب العميق للمسرح وعشقه للتمثيل ينسرب إلى موضوعاته المسرحية ويتجلى من خلال دلالة عناوينها فنجد «مخرج يبحث عن ممثل»، و«لحظات تسبق العرض» على سبيل المثال تكشفان عشقه فن التمثيل والتأليف والإخراج المسرحي ووعيه بمدى أهمية المسرح في تنوير الجماهير و مساهمته في بناء المجتمع

المسرح الشعري والمحضار وباذيب

لقد شكّل فناننا المخرج المسرحي سالم أبوبكر باذيب مع الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار ثنائياً مسرحياً ناجحاً فاستطاع الأستاذ باذيب أن يترجم مسرحيات المحضار الشعرية و أوبريتاته الغنائية إلى لغة المسرح بإتقان بديع وفن رفيع فاحتضنتها الجماهير بعشق وشغف . فقد أخرج باذيب مسرحية «نداء الأرض» ومسرحية «تجارب مسافر» كما أخرج عدداًَ من الأوبريتات الغنائية والأوبريت هو عمل مسرحي يتضمن التمثيل والشعر والغناء ومن تلك الأوبريتات المحضارية التي أخرجها :«أوبريت الشهداء السبعة» و «فتاة ردفـان» اللذان قدمتهما فرقة الشحر للمسرح, وأوبريت «الشموع العشر» الذي قدمته فرقة محافظة حضرموت .

والمحضار في أوبريتاته الغنائية يحسن التصوير الدقيق لموضوعاته بالكلمة الشاعرة والنغم والإيقاع المصاحب لها وذلك لقدراته الكبيرة وتمكنه من لغة التعبير والتصوير لشخصياته والدور المناط بها شعراً وقد واكب ذلك الإبداع إبداع مواز للمخرج سالم أبوبكر باذيب تجلى في التجسيد الدقيق للشخصية على المسرح وإرسال إيحاءات وأحاسيس عميقة للمتلقي والقدرة على التأثير البليغ باللون (الإضاءة) والشكل والحركة.

ولا جدال فإن الحركة أصعب ما في فن الإخراج لبناء نجاح الحالة الدرامية لأنها تستوجب قدراً عالياً من رقة الإحساس والقدرة على تذوق درجات الأداء الفني بما فيه من أنغام هامسة وصاخبة وسريعة ورتيبة فينشأ بذلك ضرب من السحر الفني الذي يربط ما بين الشعر والغناء والأداء يجد سبيله إلى وجدان المتلقي. وبذلك استطاع المخرج سالم أبوبكر باذيب بتعايشه مع تلك الأعمال وقدرته على التفاعل معها وتجسيدها كشخصيات وقضايا حية على المسرح، أن يقدم تلك الأوبريتات في جو من الإخراج الملائم الذي يخلق الجو الشعري المعبر ويجعل الجمهور يعيش هذا التعاطف الحاني مع تلك الأعمال وأن يتفاعل معها ويتأثر بها وبذلك استطاعت أن تؤدي رسالتها الاجتماعية والفنية والثقافية في المجتمع .

في سجل التاريخ

كما أخرج فناننا سالم باذيب على المسرح عدداً من المسرحيات لكوكبة من المبدعين وبرز في إخراجه المتميز للمسرحية التاريخية «سور الشحر».

وهي من تأليف عبقرية حضرموت التاريخية والأدبية الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف , وإخراجه أيضا أبوريت «العاشر من ربيع ثان» من تأليف الأستاذ الباحث الشيخ عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي وغيرها .

وهكذا كان الفنان الرائد سالم أبوبكر باذيب فكر ريادي مبدع , وطاقة خلاّقة متوهجة خدم الثقافة والإبداع في وطنه وأدى رسالة الفن بكل صدق ونزاهة وإخلاص وسخر طاقاته لإسعاد الجماهير وبث الفرح والسرور في النفوس وإيقاد فيها شعلة الأمل المتوهجة دوما في وجدانه .

وبعد إصابة فناننا الكبير بالوعكة الصحية التي أقعدته وألزمته البيت - أطال الله عمره - فإن من واجب السلطات الثقافية والسياسية في حضرموت الالتفات إلى هذه الهامة الكبيرة وإعطاءها حقها من الاهتمام والرعاية وما تستحقه من العطاء والتقدير والتكريم تكريماً لهذا الوطن المعطاء وهذا الشعب العظيم الذي أحب رواده وكبار مبدعيه وسجل أسماءهم في صفحة تاريخه الناصع بأحرف من نور .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى