«النهار» اللبنانية: أزمة الضباط الجنوبيين في اليمن تفتح ملف حرب صيف 1994

> صنعاء «الأيام» أبو بكر عبد الله:

> فتحت احتجاجات الضباط العسكريين المسرحين من الخدمة والمحالين على التقاعد الذين شاركوا أمس في أكبر اعتصام سلمي احتشد فيه الآلاف منهم في ساحة العروض العسكرية، من جديد ملف حرب صيف 1994 في أخطر تداع من نوعه لقضية آثار الحرب التي ظلت هاجسا لدى القوى السياسية المعارضة طوال السنوات الماضية.

ومنذ أيار الفائت تفاعلت قضية الضباط العسكريين اليمنيين المحالين على التقاعد والمسرّحين من الخدمة على نحو غير مسبوق بتنظيم نشاطات احتجاجية كان أكبرها اعتصام أمس الذي حضر فيه الضباط مرتدين بزاتهم العسكرية، فيما كانت صنعاء تستعد للاحتفال بـ (يوم النصر 7 تموز «يوليو») في الذكرى الثانية عشرة لانتصار (الشرعية) في الحرب الأهلية التي اندلعت صيف 1994 بين شريكي الوحدة في شمال اليمن وجنوبه سابقا.

وحرّك الاعتصام الذي نظمه مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين وشارك فيه ضباط من خمس محافظات، المياه الراكدة في واحد من أكثر الملفات الأمنية حساسية وبرز إلى الواجهة مع تزايد الاحتجاجات حيال ما اعتبر إجراءات قسرية بحق الضباط الذين كانوا في عِداد الجيش النظامي في جنوب اليمن سابقا، وشملت الإحالة على التقاعد والتسريح نحو 60 ألف ضابط وجندي منذ انتهاء حرب صيف 1994 وما اعتبر «سيطرة للقيادات العسكرية الشمالية على السلطة والثروة وإزاحة الجنوبيين من الوظيفة ومراكز القرار».

وعاشت مدينة عدن أمس أجواء أمنية وعسكرية استثنائية مع تدفق المعتصمين منذ الصباح الباكر إلى ساحة العروض العسكرية في الوقت الذي فرضت الأجهزة الأمنية طوقا على الساحة وعلى مداخل المحافظة في محاولة لمنع دخول الضباط من محافظات أخرى إلى عدن للمشاركة. وزاد من ذلك منع الشرطة العديد من المشاركين من الدخول إلى ساحة العروض واعتقال قيادات مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات المتقاعدين.

وإضافة إلى الضباط العسكريين والأمنيين المسرحين والمحالين على التقاعد، شارك في الإعتصام مئات المسؤولين في أحزاب المعارضة ومنظمات مدنية وأهلية ومواطنين.

وكادت اشتباكات بالأيدي أن تتطور إلى مواجهات بين المعتصمين ومؤيديهم وقوات الشرطة تم احتواؤها بعد وصول رئيس مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات العسكريين العميد متقاعد ناصر النوبة وعدد من القادة إلى ساحة العروض بعد ساعتين من الأنباء التي تحدثت عن اعتقالهم.

7 يوليو

واختار المتظاهرون يوم 7 تموز (يوليو) الذي صادف الذكرى الثانية عشرة لانتهاء الحرب الأهلية بين شريكي الوحدة صيف عام 1994 للتعبير عن حال الأزمة التي تعيشها المحافظات الجنوبية منذ أن وضعت الحرب أوزارها في تموز (يوليو) 1994، بعد أربعة أشهر من القتال بين شريكي الوحدة، حزب المؤتمر في الشمال والحزب الاشتراكي في الجنوب، انتهت بخروج الأخير من الحكم إلى المعارضة ونزوح قياداته مدنيين وعسكريين إلى الخارج كلاجئين.

ويقول منظمو الاعتصام إن إصدار الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عفوا عاما عن القيادات الجنوبية المدنية والعسكرية بعد الحرب الأهلية ساهم في عودة الآلاف منهم، لكن الكثير من العائدين المدنيين والعسكريين والأمنيين تعرضوا لاحقا لعمليات تسريح وتوقيف وإحالة على التقاعد في ظروف اعتبرت غير قانونية وتنطوي على تمييز.

ويضيف المحتجون أن السلطات اليمنية باشرت منذ 1994 تنفيذ حملة تطهير واسعة طاولت معظم القيادات الجنوبية المدنية وشملت العسكريين في جيش اليمن الجنوبية سابقا، فيما يرى آخرون أن السنوات الماضية شهدت تعزيزاً لنفوذ قوى جديدة تحاول السيطرة على السلطة والثروة.

وفي اعتصام امس طالب المشاركون “بحل شامل لقضية الموقوفين والمسرحين قسراً من الخدمة منذ حرب 1994 ودفع كل مستحقاتهم المالية التي استقطعت منهم من دون ذنب، مضافا إليها التعويض العادل للأضرار التي لحقت بهم وبأسرهم من خلال قرار جمهوري ينهي المشكلة من جذورها”.لكن هذه المطالب تحولت لاحقا مطالب سياسية تتحدث عن “مدى التزام صنعاء تنفيذ قراري مجلس الأمن ( 924 و931 ) وتعهداتها للأمين العام للأمم المتحدة التي تضمنت عفوا عاما وعودة كل الجنوبيين مدنيين وعسكريين إلى أعمالهم وإجراء مصالحة وطنية شاملة والتزام وثيقة العهد والاتفاق”.

وتقول صنعاء إن نزعات انفصالية وحزبية تقف وراء تكتل الضباط المحالين على التقاعد تخفي وراء مطالبهم الحقوقية أهدافا سياسية معادية للوحدة اليمنية وللنظام السياسي وتهدد بشرخ النسيج الاجتماعي الواحد لليمن.

استنفار أمني

وعكس الاستنفار العسكري والأمني الذي تزامن مع اعتصام العسكريين القلق من تداعيات أمنية خطيرة، خصوصا بعدما رفض المنظمون محاولات السلطات منعهم من تنظيم الاعتصام وعدم تجاوبهم مع قرارات الرئيس علي صالح في شأن عودة المئات منهم إلى مؤسسات الجيش والأمن وترقية آخرين إلى رتب أعلى، فضلا عن عدم استجابتهم للخطوات التي باشرتها وزارة الدفاع امس في عديد من مراكز الاستقبال التي فتحتها في المحافظات لترتيب عودة الضباط إلى هيكلية المؤسسات العسكرية والأمنية وترتيب أوضاع المستحقات المالية لآخرين.

ولم تخف صنعاء قلقها من هذه التحركات “كونها تنطوي على تأجيج للنزعات الشطرية والطائفية والمناطقية” في بلد يعاني احتقانات شديدة، وهو الموقف الذي برز إلى الواجهة لحظة الاستنفار العسكري والأمني الذي تزامن مع الاعتصام فضلا عن سلسلة القرارات العاجلة التي أصدرها الرئيس علي صالح ووزارة الدفاع من اجل تسوية أوضاع العسكريين المعتصمين في إعلانات نشرتها معظم وسائل الإعلام المحلية سعياً الى وقف الاعتصام.

واستمرت المحاولات الحكومية لاحتواء الاحتجاجات حتى ساعات الفجر الأولى من يوم امس، إذ اصدر نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي بيانا أكد فيه تفاعل الرئيس اليمني واستجابته لمطالب الضباط المتقاعدين، إلى تحذيره من أي توظيف سياسي لهذه القضية أو تحويلها عن مسارها وجعلها موضوعاً للمكايدة السياسية والاعتبارات الضيقة التي تؤدي دوماً إلى تعكير الأجواء بأهداف ومرام لا تخدم الا أعداء الوطن. ولم تخل ردود الأفعال الحكومية من اتهامات بوقوف قوى معادية للوحدة وراء تأجيج قضية الضباط المتقاعدين، وأكدت أن إجراءات الإحالة على التقاعد والتسريح من الخدمة جاء في سياق ترتيبات شملت كل مؤسسات الدولة وتنفيذا لخطط إصلاحات حكومية عامة وليس استهدافا لفئة أو محافظة دون أخرى.

وبحسب مسؤولين في الحكومة، فإن ما كشف النيات السياسية الهدامة لهذه الاحتجاجات هو عدم الاستجابة لقرارات الرئيس علي صالح الذي حاول جاهدا احتواء تداعيات القضية خلال الأيام الاخيرة، واصدار قرارين جمهوريين باعادة نحو ألف ضابط إلى أعمالهم وترقية المئات منهم، فضلا عن شروع وزارة الدفاع اليمنية في ترتيبات عبر مراكز فتحتها في المحافظات لتسوية أوضاع العسكريين وتسليمهم مستحقاتهم.

عن« النهار» اللبنانية 8 يوليو 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى