وزارة الصحة ومحنة توفير الأدوية الأساسية هل من مخرج لهذه الأزمة؟

> «الأيام» د.علي محمد سعيد الأكحلي:

> اليمن بلد مترامي الأطراف وعدد السكان فيه في تزايد مطّرد (النمو السكاني = 3.5 % سنوياً) في ظل نسبة خصوبة مرتفعة (معدل الخصوبة = 6.2 %) ودخول متدنية للمواطنين (معدل دخل الفرد السنوي = 666 دولارا) ويعيش 45 % من السكان تحت خط الفقر مع نسبة أمية مرتفعة (حوالي نصف السكان) إضافة إلى نسبة أمراض مرتفعة. وفي الجانب الآخر فإن المخصصات الممنوحة لوزارة الصحة ضيئلة جداً (3.5 % من الميزانية السنوية) أي أن نصيب الفرد من ميزانية الدولة المخصصة لقطاع الصحة في اليمن لا يتجاوز 7 دولارات سنوياً كمعدل، ومخصص الدواء قد لا يتجاوز 7 % من هذه السبعة دولار (أي ما يساوي نصف دولار فقط ويعادل 100 ريال تقريباً!)?. وحتى لو أضفنا مشتريات الأدوية لوزارة الدفاع ومستشفى الثورة صنعاء بإجمالي 3.7 مليون دولار سنوياً إضافة إلى مشتريات من السوق المحلي تقوم بها بعض المستشفيات الحكومية الكبيرة والتي قد لا يتجاوز حجمها نصف مليون دولار لكل المستشفيات مجتمعة، فإن إجمالي مشتريات الأدوية لعموم البلاد سنوياً لا يتجاوز الـ 10 مليون دولار، وهو مبلغ تافه ، مقارنة مع مخصصات حكومية أخرى تنفق على أشياء ليست بذات الأهمية كالدواء. إذاً، ماذا نتوقع من وزارة الصحة في ظل هكذا موارد مخصصة لها. لقد ذكرت في مقالتي المنشورة في صحيفة «الأيام» بتاريخ 10 مارس 2007م أن مخصص وزارة الصحة السنوي يجب أن يرتفع إلى 10 % ولو تدريجياً خلال السنوات الثلاث القادمة، ومازلت أكرر ذلك هنا. إن مسئولية توفير الأدوية ومنها الأدوية المهمة المنقذة للحياة لا تقع على عاتق الوزارة فحسب وإنما هي مسئولية كل فئات المجتمع من مسئولين وأفراد أينما كانت مواقعهم، وبشكل أساسي الصيادلة أصحاب المهنة، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمثقفين والأكاديميين، كل في موقعه عليهم تفهم حجم هذه المشكلة ولفت نظر الحكومة إلى ضرورة رفع الميزانية المخصصة للصحة، وأن يعملوا بشتى الوسائل للضغط عليها. كما يقف في طليعة كل هؤلاء أعضاء مجلس النواب الذين يقع على عاتقهم إقرار الميزانيات السنوية للوزارات.

وبدلاً من جلوس وزارة الصحة مكتوفة الأيدي بانتظار رفع ميزانيتها، فإن عليها سرعة التحرك بعدة اتجاهات وتبدأ بتنفيذ بعض الخطوات التي من وجهة نظري أراها ضرورية لتقليص فجوة نقص الأدوية وهي:

1 - إقرار وتنفيذ برنامج يهدف إلى الاستخدام الرشيد للأدوية (Rational Drug Use). وهذه باعتقادي خطوة مهمة، لأن أية سياسة دوائية يجب أن تهتم ليس فقط بتوريد دواء آمن وفعال ورخيص ولكن أيضاً الاهتمام بكيفية وصف الدواء من قبل الطبيب وصرفه من قبل المشتغلين بالصيدلية. في عديد من الدول النامية لا يتم الانتباه إلى طريقة الوصف والصرف رغم كونهما عمليتين مهمتين.

الوصف المتعدد لنفس الدواء على نفس الروشتة وكذا وصف الدواء بحسب رغبة المريض وخلو معايير محددة متفق عليها لبروتوكولات المعالجة تؤدي إلى الوصف المتناقض للأدوية في الروشتة الواحدة والتي تنتج غالباً وصف دواء غالي الثمن على حساب دواء رخيص يؤدي نفس الغرض. بالتالي على وزارة الصحة توزيع القائمة الوطنية للأدوية الأساسية التي أقرت مؤخراً بشكلها النهائي على الأطباء العاملين في المستشفيات وإلزامهم (بقرار وزاري مثلاً) بكتابة الأصناف الواردة فيها وبالاسم العلمي (الجنيسي) فقط (Generic name) كون الوزارة تستورد الأدوية المذكورة في هذه القائمة ، وطالما أن هذه الأدوية ستصرف من المستشفيات الحكومية. ونحن ندرك أن أي برنامج يعمل على تأسيس ترشيد استخدام الدواء سيحتاج إلى قوى بشرية وموارد ، إضافة إلى مخصصات مالية في بداية الأمر، ولكن هذه المخصصات ستعمل على المدى البعيد على وفر في المخصصات المالية لشراء الأدوية، ناهيك عن التحسن في صحة المجتمع.

2 - اعتماد نظام مناسب لدى وزارة الصحة لشراء الأدوية من الخارج والداخل بحيث يعمل على توفير الدواء في الزمن المطلوب بأقل تكلفة وبنوعية جيدة. وهنا على وزارة الصحة إما أن تعيد (صندوق الدواء) الذي تم إلغاؤه بطريقة غير قانونية وغامضة، مع إعادة هيكلته وتطعيمه بعناصر كفوءة مشهود لها وتعديل آلية عمله بما يضمن استرداد التكلفة بشكل معقول وبطريقة سلسة، أو خلق إدارة مشتريات جديدة متمكنة ومحترفة (حتى وإن أدى ذلك إلى توظيف أفراد مؤهلين محترفين في مجال المراسلات وطرح المناقصات ومتابعة توريد الأدوية من جنسيات غير يمنية – من الهند أو الفلبين مثلاً) بحيث تعمل هذه الإدارة على توفير الأدوية بشكل متدفق وعلى مُدَار السنة وبأقل تكلفة وإيصال الدواء بحالة جيدة، متجنبين خسارته إما بسبب سوء التخطيط للاحتياجات المتوقعة، تاريخ الانتهاء، التلف أو السرقة.

3 - توجيه الهيئة العليا للأدوية بإعطاء الأولوية عند تسجيل أدوية بالأسماء العلمية أو تسجيل أصناف بأسماء تجارية تحتوي على الأسماء الجنيسة المذكورة في القائمة الوطنية، دون اشتراط أن تكون مسجلة في إحدى دول الخليج، لأن هذا الشرط يعتبر تعجيزيا وليس له معنى في ظل وضعنا المتأزم.

4 - تشجيع ممارسة الصيدلة الجيدة في الصيدليات، عبر تنفيذ برامج التدريب والتثقيف الصحي للمشتغلين في الصيدليات بهدفِ ضمان أن الدواء الصحيحِ قد صرف إلى المريض بالجرعة الصحيحة والكمية المطلوبة، وبتعليمات الاستخدام الواضحةِ وفي عبوة مناسبة تضمن فعاليةَ الدواء.

5 - تَأسيس وتطبيق معايير (ممارساتِ التصنيع الجيدة) لأيّ منشأة دوائية تصنيعية محلية أو منشأة إعادة تعبئة رخص لها العمل في البلاد، مهما كانت صغيرة أو كبيرة وبما يضمن أن المنتجات المصنعة هي ذات نوعية مناسبة وقابلة للاستخدام البشري، مع توجيه تلك المصانع المحلية بإعطاء الأولوية بتصنيع الأدوية الأساسية والمهمة المنقذة للحياة ووعد المصانع التي ستلتزم بهذا التوجه بمنحها الاستشارة الفنية والتقنية من منظمات دولية مجاناً وعلى حساب وزارة الصحة لتصنيع مثل هذه الأدوية ، إضافة إلى حوافز أخرى كمثل إعفائها من رسوم تسجيل هذه الأدوية لدى الهيئة العليا وإعطائها أولوية التسجيل ...إلخ.

6 - نشر الثقافة الدوائية بين الأفراد والمجتمعات حول الاستخدام الرشيد للأدوية وتفعيل إدارة التثقيف الصحي بالوزارة ودعمها بحيث تتمكن من أداء دورها وباستخدام كافة أدوات التثقيف المتاحة إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة ومنها المواقع الإلكترونية.

7 - التنسيق مع المنظمات الدولية ذات العلاقة، لضمان رفع مساعدتها في مجال توفير الأدوية الأساسية عبر برامج المساعدات الخاصة، وكذا إقامة أعلى درجات التعاون مع البلدان الأخرى في المحيطين الإقليمي والدولي للإسهام في دعم سياسة الوزارة في توفير الأدوية الأساسية خدمة للصالح العام.

هامش :

? قمنا باحتساب النصف دولار بناء على ما جاء في تقرير الإحصاء للهيئة العليا للأدوية من أن الاستيراد الحقيقي للأدوية لوزارة الصحة خلال عام 2005م = 5.8 مليون دولار (أي ما يعادل 1.14 مليار ريال).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى