> «الأيام» سالم الجعيدي:

لم تحظ منزلة من منازل الشمس بالاهتمام بمثل ما حظيت به منزلة البلدة بحضرموت، التي غالباً ما كان ينظر لها كأهم روافد الفصول ارتباطاً بمصدر الرزق، وأكثرها التصاقاً بنمط الحياة، فمع حلولها كانت تعقد الصفقات بين التجار وربابنة السفن، وتشرع فيها كتابة العقود بين ملاك الأرض والمزارعين، وتنشط بسببها حركة الأسواق على نحو يمكن لنا وصف أوان حلولها بأنه مستهل لسنة مالية جديدة-إن جاز لنا التعبير-، كون العقود تبدأ بالبلدة وتنتهي بالبلدة، وأكثر الناس شعوراً وإحساساً بأجواء البلدة هم الصيادون والمزارعون، أما سكان السواحل فقد اعتادوا في مثل أجواء البلدة ارتياد البحر طلباً للاستجمام على شواطئه الجميلة وممارسة رياضة السباحة، أو حتى الاغتسال لأجل الاستشفاء من الأمراض، خاصة مع برودة مياه البحر طيلة موسم البلدة، حتى لقد ذهب الكثيرون إلى الاعتقاد بأن الاغتسال في البحر بموسم البلدة يشفي الأمراض الجلدية التي صاحبت أربعينية الصيف، وربما أن هذه الحقيقية يؤكدها طول تجاربهم المتوارثة جيلاً بعد جيل حتى بات الأمر لديهم في حكم المؤكد .

وكان النساء والأمهات وربات البيوت سابقاً-وإلى عهد قريب- يغتسلن في البحر ويغسلن أطفالهن في أماكن مخصصة لهن، لا يطلع عليهن الرجال، كبحر (مشراف)، وخلف بريد المكلا، وكذا خلف جامع (وارسما)، فأضحى الاحتفاء بموسم البلدة تقليداً سنوياً يرتبط أداؤه منذ القدم لدى سكان سواحل حضرموت بفترة زمنية معينة، ومن هذا المنطلق توجهت القرارات الحكيمة في قيادة المحافظة لربط هذا التقليد التراثي بمهرجان رسمي يؤكد الوجه التراثي والثقافي والسياحي الذي تتسم به مدينة المكلا عاصمة حضرموت، وتتوخى من أهدافه استغلال المقومات السياحية والإمكانيات الاستثمارية للمحافظة وتسويقها داخلياً وخارجياً بما يسهم في تنشيط العمل السياحي والتجاري، ويفتح باباً للجذب السياحي يعود فائدته على عملية التنمية باليمن ويخلق أجواء مناسبة لتطوير مجالات السياحة الداخلية بين مدن وطننا اليمني الكبير ويعزز الاستثمار الاقتصادي والثقافي والسياحي وبما يدعو للاستفادة القصوى من التنوع المناخي لهذه المحافظة المترامية الأطراف وكذا الاستفادة من مزايا موسم نجمة البلدة العلاجية. كما تهدف فعاليات المهرجان الكبير التذكير بأهمية البحر في حياتنا كمصدر للرزق، ومورد اقتصادي للوطن، وكذا السعي لمحاولة تجسيد وإحياء التراث البحري القديم، والاستفادة من ذكر ذلك الموروث الجميل الذي كان يجسده الآباء والأجداد في أساليب تعاملهم اليومي مع البحر والذي يحفل بالكثير من القصص المشوقة والحكايات المليئة بالعبر والدروس، التي لا تخلو من مخاطر وذلك عندما كانوا يخلدون للراحة في هذا الموسم الذي يكون فيه البحر هائجاً.

يذكر أن أول انطلاقة لفعاليات مهرجان موسم البلدة كانت في خريف عام 2004 ، تحت شعار (بعد المكلا شاق)، أما المهرجان الرابع لهذا العام 2007، الذي جرى الإعداد والترتيبات المسبقة له قبل بضعة أشهر وحشدت لأجله إمكانيات ضخمة تفوق ما جرى للأعوام الماضية، والذي سيبدأ انطلاقة فعالياته الخميس المقبل 19 يوليو، فإنه يأتي على خلفية التطور الملموس الذي شهدته مدينة المكلا حاضنة المهرجان على وجه الخصوص وكذا بقية مدن المحافظة عموماً من نقلة نوعية في جميع الأصعدة والقطاعات بدءاً بسفلتة الطرق والإنارة وانتهاء بما تحقق في شتىمجالات الأمن والخدمات والمواصلات والفنادق . وتتركز أفخم الفنادق الحديثة بالمكلا في منطقتين، أولاهما في منطقة خلف السياحية، التي تم ربطها بكورنيش المحضار، والثانية في منطقة حلة التي تم ربطها بكورنيش المكلا في شارع الستين، وشكل هذا الامتداد الطويل لساحل المكلا لجهتي الشرق والغرب والذي يبلغ طوله 30 كم معلماً سياحياً وبيئياً بديعاً خاصة بعد ربطه بخور المكلا السياحي، مما أكسب المدينة منظراً خلاباً.ولا تنحصر مقومات الجذب السياحي بمحافظة حضرموت على سياحة الشواطئ والاستجمام البحري، بل تتعداها إلى السياحة العلاجية التي تشكل جزءاً أساسياً في بناء منظومة عناصر صناعة السياحة في العديد من دول العالم، وتنتشر بحضرموت أنواع مختلفة من العيون العلاجية، في وهي بطبيعتها مياه جوفية حارة تحتوي على مواد لها فاعليتها في العلاج الطبيعي كعناصر سلفات الكبريت والصوديوم والكالسيوم، وتستقطب هذه المياه الحارة مجموعة كبيرة من المرتادين لها من المواطنين وأبناء دول الخليج، كما توفر محافظة حضرموت عنصر السياحة البيئية وتتجه أنظار العالم اليوم إلى الاهتمام بهذا الجانب من السياحة، ويتركز وجودها بحضرموت في مناطق عديدة أهمها منطقتا شرمة وبلحاف باعتبارهما محميتين طبيعيتين للسلاحف العملاقة النادرة، وكذا جزيرة سقطرى التي تعد رابع أجمل جزر العالم في التنوع الحيوي للبيئة النباتية والبحرية والطيور النادرة وذلك وفق التقرير الذي أعدته إدارة التخطيط في الهيئة العامة للتنمية السياحية عام 2005.

وعلى وجه الإجمال فإن المحافظة غنية بمكونها الثقافي في المنتج السياحي مع وجود عدد من عناصر الجذب السياحي خاصة في جانب السياحة التاريخية والتراثية والممثلة في الطابع العمراني المتميز من القلاع والحصون والمباني الأثرية، والمساجد والمدارس القديمة، والحديث عن السياحة بحضرموت هو حديث عن السياحة في اليمن ككل يحتاج الأمر في تطوير وتنشيط هذا القطاع المهم إلى الترويج السياحي الفعال لمقومات الصناعة السياحية بهدف تحقيق نمو في السياحة الداخليةوالخارجية ترقى لمستوى تطلعات وآمال قيادتها الرشيدة خاصة وأن لدى اليمن ما يؤهلها لأن تكون بلداً سياحياً من الطراز الأول، وتمتلك ما يمكنها من المنافسة في أسواق السياحة العربية .