الشاعر سعيد العمقي في (البدع المشقاصي)

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> كلما خبت جذوة الشعر برهة من الزمان وتضاءل وهجها، أشعل الجذوة شاعر آخر، فينبعث الأمل في دواخل نفوسنا وتبتهج الحياة في مآقينا وتخضل الأرض وينبت العشق، وهذا القادم من عالم الدهشة، نافخاً بمزامير سحره متأبطاً ديوانه (بدع مشقاصي) يراود قلوبنا على الحب ويدغدغ عواطفنا بمعسول الكلام، إنه الشاعر المطبوع (سعيد صالح العمقي)، قدمه لنا د. سعيد الجريري في وصف يأسر الألباب ويفتح لنا الأبواب، فقال عنه:«شاعر أوغل الشعر فيه، مذ كان صبياً.. فتح سمعه وبصره، ذات عام في ستينيات القرن الماضي، فإذا القوافي تنساب راقراقة كنبع، في تخوم وادية الجميل. تشرب الشعر عن آبائه وأجداده، وقد وصفه الشاعر الشيخ كرامة بلحصن باعباد - رحمه الله - بقوله:

شاعر وبن شاعر على شبعة جدود

عرفته وزاملته في مرحلة التعليم الثانوي (1981-1978) بمدينة الشعر والفن والإبداع والمحضار (الشحر) كان ملتاثاً بلوثة الشعر، فتراه ينطلق كالسهم، بحثاً عن موحيات الهاجس ومحفزات القول الذي يضيء لحظاته فرحاً ونبضاً مخضوضراً». والمتصفح لديوان شعره حتماً ستروي عطشه بعض من جداول قوافيه، وسوف يجد فيه بعض مبتغاه ومراده، ولعل أول ما يجدر بنا أن نتحسسه لدى شاعرنا في ديوانه هو (باب الغزل) ففي الغزل تظهر أريحية الشاعر ورقة مشاعره وأحاسيسه بالجمال وهو المحك الحقيقي لشاعريته، فنراه هنا يمتلك تلك الخصائص الموحية ويطوع الكلمات في رسم صورها حتى تبدو لنا جميلة جذابة، ونقرأ فيها دواخل نفسه وعمق شعوره، فالهوى لديه أسرار وخفايا، وهو الخبير الذي فك طلاسمه وأظهر مغاليقه، نسمعه يقول في ذلك:

أنا شفت الهوى وعرفت سره

يطع مره ويعصي ألف مره

وما بين الأمل يرميك واليأس

تلخيص موجز ينم عن دراية عالية بأحكام هذا الهوى، ومعرفة بنى عليها إصدار حكمه وتقرير خبرته، وبين الأمل واليأس يتأرجح قلب الشاعر، ويخوض غمار أجمل المشاعر، ويخص من تربع على قلبه أحلى الكلام في أبسط العبارات، إذ نسمعه يقول:

لك حب داخل فؤادي حب فاق الخيال

ياحصن ضميت روحي عشت عمري خليل

إن غبت نسمع خبرها بالوفاء والكمال

إن جيتها قابلتني زهر وسط الكليل في قربها الشوق يهدا ينطفى الاشتعال

في بعدها نار تشعل في فؤادي شعيل سبحان ربي خلقها خلق عالي المثال

بالحسن ربي فردها ما كماها مثيل

وإذا كان نصيب الغزل قليلاً في ديوانه، فذلك لأن الهم العام استحوذ على فكر وطرح الشاعر العمقي، فهو أسير قضايا أمته، حليف معاناتها وهمومها، يحمل وطنه ومشاكله بين جنبيه، ولعل ذلك الهم الوطني لا يفارقه في حله وترحاله، ويطلق كلماته لتصبح ميسماً على واقع كلنا نعيشه، مثل ذلك قوله:

يا مصلح الأمة وأحوال العرب

اصلح شؤون القافلة وأربابها

قولوا على بوها ورا الحال انقلب

وتـغـلّقـت وتـقفّـلـت أبـوابـها

البنت قد كبرت ولا خاطب خطب

والعيب ذاك العيب من خطابها

يكسر شرفها كل ما غاصب غصب

لمّـا تـولـى عـقـدها غـصـابها

وليس هذا وحسب من الشاعر، بل يتعرض لأم المعضلات ومشكلة المشاكل في واقعنا المعاصر، ويدلو بدلوه في أمر أرق الأمة واستنزف قواها، ولا يعترينا الشك في ما قال في شأنه وقرره، فعين الصواب في ما قاله، ومكمن الداء فيما شخصه، ولننظر سوياً في هذه الأبيات التاليات حيث يقول فيها:

نهج الوسط المعتدل يظهر عليه بصْمه ويـد

روح التشـدّد مُـهلكـه ماشي لـها وازع وحـد

تزهق نفـوس الأبـرياء مـوقد فـتنـها ما خمد

كم كفّـر العـلمـاء بـلا حـجه إلـيـها يـسـتـنـد

هم شوّهوا إسلامنا جاءوا بصوره خصم ند

ولا أجزم بأنه أول من تطرق لهذه الظاهرة في شعرنا العامي، فقد تناوله الشعراء في مساجلاتهم ودارت حوله حواراتهم ومطارحاتهم، كظاهرة أقلقت المجتمع، وحولت بعض المسارات الفكرية فيه، ولكن شاعرنا العمقي أفرد لها الحيز الباز، ومد بسبابته في شجاعة نادرة يكاد يحجم غيره في الإفصاح عنها، وكيف لا يسلك هذه الطريق وهو الذي رأيناه منافحاً عن الحق مطالباً بالعدل في قضاياه وقضايا مجتمعه، ما عنّ له أن يقوله قاله دون ريب وخشية كقضية الفساد الإداري في بلادنا الذي أفسد كل شيء حوله، يقول فيها الشاعر:

خرج مصعب دخل مطلق

ولا شي بينهم يفرق

ولا حد ينقد الظالم

خطأ قبله خطأ مسبق

ولا حد للسرق رادع

ويقطع يد من يسرق

وكم تخضع لدوامه

نـهايـة خـطّها مُغـلـق

عسى بارق أمل يبرق

ونور العدل لي يشرق

ولا نستطيع إيراد الكثير من النمادج الشعرية فحسبنا هنا الإشارة إلى هذا الإصدار الجديد ولكن هناك فائدة أخرى أحب أن يطلع عليها القراء قال عنها الدكتور الجريري:

«وأظن أن جزءاً كبيراً من قيمة هذا الديوان - وهو قيّم - يكمن في لغته (لهجته) الشعرية وغير الشعرية في آن معاً. أعني أن له درجة على دواوين معاصرة، من خصوصية امتياحه من لهجة غير مدروسة، ولم يستجل الباحثون والدارسون خصائصها صوتاً و صرفاً وتركيباً ودلالة» ونحن نحتفي بقدوم هذا الديوان وبما سيضيفه من إضافات تغني مكتبة الشعر الشعبي في بلادنا ويتيح بوجوده ما لم يتحه غيره، وأني جد لسعيد بديوان سعيد وتقديمسعيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى