لماذا التطيُّر بالوحدة؟!

> علي الذرحاني:

> الوحدة قيمة من القيم السامية التي دعت الأديان إلى التمسك بها، لأن فيها القوة والعزة والكرامة والتميز والفرادة، وهي قبل كل شيء أمر إلهي من رب كل شيء ومليكه وخالق السموات والأرض وما بينهما الحكيم الخبير والعليم بما يضر خلقه وينفعهم، لذلك فقد أمر بالتوحد والاعتصام وعدم التفرق أو الفرقة حتى لا نفشل وتذهب ريحنا وكياننا ووجودنا. وكلمات هذه الأسطر ليست مدحاً للوحدة أو قدحاً في الانفصال بقدر ما هي تذكير لمن يريدون أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الخلف وإلى زمن الانقسام والتشظي والضعف ولا يفرقون بين المبدأ (الوحدة) وتطبيقه على أرض الواقع. فبعض الناس حتى اللحظة ما زالوا يتطيّرون بالوحدة وكأنها السبب في كل مصائب البلاد والعباد، خاصة في شرق البلاد وجنوبها.

والتطير (التشاؤم) ليس من الدين في شيء، فهو تفكير خرافي غير علمي وعادة جاهلية خارجة عن فطرة العقل العلمي والمنطقي الصحيح، الذي يربط بين الأسباب والمسببات، والتطير أو التشاؤم يفسر الأحداث ويعللها بحركة طير يطير يميناً فيتفاءل الناس خيراً وعندما يطير شمالاً يتشاءم الناس شراً..!! أو كما قال خروتشوف: عن معاكسة الطبيعة لهم في تعليل نقص الثمرات والغلات.

إن بلدنا بلد عربي دينه الإسلام ودستوره مستمد من شريعة الإسلام والجميع في هذا البلد مؤمن بسنن الله التي ذكرها لنا في القرآن، ومنها أنه يختبر العباد بالزيادة أو النقص من الأموال والأنفس والثمرات تنبيهاً لهم لعلهم يرجعون لربهم ويعترفون بفضله، فإذا جاءهم خصب وسعة ورزق وسلامات من الآفات قالوا نحن مستحقوها وغاب عنهم أنها من فضل الله، وعندما يصيبهم بلاء أو قحط وجدب ومصيبة في الأبدان والأرزاق يطّيّرون بالوحدة وبمن جاء بالوحدة، مع أنها كانت مطلب النظامين السابقين ومطلب كل أبناء العربية السعيدة قبل مجيء الإمامة والسلطنات والاستعمار.

لقد شاهدت وسمعت المفكر العربي والإسلامي محمد عمارة يردد عبارة: «هناك ضرورات نظم وخيارات أمة» فالوحدة كانت خيار الشعب اليمني في كلا الشطرين السابقين، وقد صارت أمراً واقعاً الآن، والمشكلة ليست في الوحدة (خيار الأمة) بل في ضرورات النظام الحاكم الذي تختلف أجندته عن أجندة الأحزاب الأخرى، وهذا يمكن حله بالحوار العقلاني وبالإرادة السياسية الصادقة من قبل النظام الحاكم.

والمطالبة بالحقوق تكون بالوسائل السلمية التي كفلها الدستور، ويمكن الاستفادة من تجربة الأب الروحي للهند المهاتما غاندي باني فلسفة اللا عنف أو العنف السلبي التي اجتذبت اهتمام الأمم المتمدنة وزعماء مبرزين من أمثال «مارتن لوثركنج» مبتدع حركة الحقوق المدنية إلى نيلسون مانديلا رمز حرية جنوب أفريقيا. لقد حدد غاندي جملة من المبادئ أو الخطوات العملية على المستوى الشخصي والعملي أو الوظيفي أو الاجتماعي أو الوطني... إلخ، وأرسى فلسفته على قاعدة «الأهيمسا» أي الامتناع عن إيذاء أي كائن بشراً أو سواه، وقد استمد هذه الفكرة من الأديان بما فيها فكرة التسامح الإسلامي، وقاد حركات احتجاج لإزالة الفقر وتحرير المرأة والكفاية الاقتصادية...إلخ. وقد اكتشف غاندي القوة الروحية في اللا عنف على المستوى الشخصي والقوة المادية لمذهب اللا عنف على المستوى الاجتماعي والسياسي، وقد حدد وسائله (المقالات، الاجتماعات، المنشورات، التربية، التأمل، التحكيم) وأضاف الصيام والصلاة إلى منظومة اللا عنف .. فلماذا لا نتعلم من هذا الرجل الذي يعتبر من أبرز دعاة السلام المشهورين في العالم ونطالب بالحقوق التي كفلها الدستور وأقرتها الشريعة السمحاء ونكون كالماء الذي أطفأ النار بدلاً من التذمر من الوحدة ومن سني الوحدة.

فلنكن وحدويين حتى النخاع، ولا نكن كأسلافنا القدامى الذين طلبوا من ربهم أن يباعد بين أسفارهم فظلموا أنفسهم بتقطيع أوصالهم وأرحامهم وصاروا شيعاً وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى