الطريق إلى أبين

> ريم عبدالغني:

>
كان صباحاً انتظرته سنين طويلة، ورغم أني لم أنم إلا ساعات قلائل فقد نهضت مفعمة بالنشاط والحيوية، تناولت الأشياء التي جهّزتها منذ ليلة أمس للرحلة.. الحقيبة السوداء الصغيرة التي أنهكتها أسفاري الكثيرة.. آلة التصوير.. دفتري وقلمي.. وبالطبع زجاجات الماء الباردة.. لن أغادر دونها في ابريل عدن الحار.

نأخذ أماكننا في السيارة (اللاند كروزر) العالية، أنسب وسائل المواصلات للرحلة الطويلة التي تنتظرنا عبر الجبال والوديان.

« بسم الله» .. وانطلق بنا أبو حكيم ... وجهتنا (أبين ) إن شاء الله ..

شمس عدن تبتسم، تُحَيي فينا استيقاظنا المبكر، وهل أجمل من الاستيقاظ المبكر والانطلاق «للسعي في مناكبها» وفق التوقيت الطبيعي للكون، والذي يفوق أهميةً كل ساعات الدنيا؟، لطالما برمج الأوائل ساعاتهم البيولوجية عليه مدركين أن الأرض- كما يقول الفرنسيون - «يمتلكها أولئك الذين يستيقظون باكراً ».

أحاول بصعوبة ضبط حبوري وحماسي الشديد، كيف لا وأنا أحقق اليوم حلماً طالما ألح في مراودتي؟؟

كم مرة زرت اليمن في السنوات الماضية؟ مرات عديدة، صنعاء وعدن حضرموت، ومختلف الأماكن المحيطة بها، لكن، ومع توقي لرؤية كل قطعة من فسيفساء اليمن المبهر، والذي أتّبع هواه منذ عرفته، بقيت أبين رغبة ملحّة لم تمكنّي الظروف من تحقيقها.

مكان أعرفه حق المعرفة، أحفظه عن ظهر قلب، رغم أني لم أزره أبداً، هذه أبين بالنسبة لي..بلد أحباب.. طالما سمعتهم يتحدثون بحنان عن تفاصيل طفولتهم المنقوشة فوق حجارته.. عن أرض كريمة تنبت الخير والناس الطيبين مع القطن والموز والعنبة والمانجا، عن بيوت قديمة، تطفئ جدرانها السميكة قيظ الصيف، وتلف ساكنيها بالدفء شتاءً ،عن التقاليد العريقة، العادات المميزة و.... واليوم أنا على موعد معها كلها...

شوارع عدن خالية تقريباً في هذا الوقت المبكر، نسير بمحاذاة سواحل بات يرهقني غرامها، وهذا أجملها.. ساحل أبين، من لم يحظ برؤيته فقد تاق له، خاصة إذا كان قد سمع كلمات الشاعر لطفي أمان في الأغنية المعروفة:

سمعت أبين على الأمواج تتنهد

يا ساحل أبين بنى العشاق فيك معبد

لك يد تمتد من فوق المطلّع ويد في صيرة تترقرق

تسكب هوى التلة والبحر والرمل والبدر الحبيب يشهد

توقّفنا قليلاً عند الحاجز الأمني الأساسي شرق عدن، في المنطقة التي كانت تدعى «العلم»، هنا كانت القوافل المتجهة شرقاً إلى أبين وشبوة وحضرموت تتجمع في وقت المدّ، تنتظر انحسار البحر في الجزر لتعبر، حتى إذا غافلها النوم وجاءت فرصة العبور علا صوت الشاعر:

سرى الليل وا نايم على البحر ما شي فايدة في منام الليل حلّ السريّة

مع ابتعادنا عن عدن ازدادت الطبيعة اخضراراً، كيف لم أنتبه- وأنا أعشق الخضرة-إلى أن معظم جبال عدن داكنة جرداء، ربما لأنني لم أستطع أبداً أن أكون حيادية تجاه هذه المدينة ذات القلب المفرط في الخضرة والطيبة.

تمهّلنا قليلا إذ بدا عن بعد جمل يجتاز ببطء الطريق الضيق الذي بالكاد يتسع لسيارتين، تثير الجٍمال إعجابي، فهي تعرف دائماً، دون حادٍ، درب عودتها، سبحان من أعطى هذا المخلوق الحكمة والصبر، علمّه كيف يدّخر قرشه الأبيض ليومه الأسود، فيجتر وقت الحاجة ما يخبئه شهوراً طويلة في جوفه، وفي القرآن الكريم ?{?أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟?}?، يحتاج الكثيرون أن يتعلموا من صبر الجمل وكيف لا يبوح بكل ما لديه دفعة واحدة.

و اقتداءً به، لن أرمي اليوم بكل ما في جعبتي عن رحلتي إلى أبين، والتي تتوارى -منذ شهور- داخلي، وهل -بعد أن ترقّبتها طويلاً- ألخّصها ببضع كلمات وينتهي الأمر؟؟...لا ، ولذلك كتبت عنها بإسهاب يليق بحجم الشوق والانتظار الطويل، بحجم استمتاعي بها الذي وددت أن نتشاركه معاً في الحلقات القادمة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى