استثمار على حساب معاناة شعب

> د.هشام محسن السقاف:

> لا ينكرن أحد من الناس أن الخروج المتدفق لعشرات الآلاف من المواطنين في المحافظات الجنوبية إلى الساحات العامة هو للمطالبة بحقوقهم الشرعية الضائعة منذ 1994/7/7م وليس ترفاً كما قد يفكر واحد من السلالة المعنوية لماري انطوانيت زوج لويس السادس عشر ملك فرنسا، التي أشارت على جموع الغاضبين من حكم زوجها والمطالبين بالخبز بأن يأكلوا الكعك أو (الكيك الفاخر). كما أنه آخر الدواء كما تقول العرب عن (الكيّ)، لأن هؤلاء قد صبروا طويلاً بل وتمسكوا بحبال أوهى من خيوط العنكبوت ولم يجنوا سوى الخيبة طوال كل تلك السنوات، بسبب من الإدارات التي لا تستطيع أن تعمل كثيراً لصالح المواطنين، وتستطيع أن تكرس البؤس كثيراً في حياتهم، وبسبب أن تجارب سلطة الحكم المحلي في بدايتها ولا تستطيع أن تكون القدح المعلى في قسمة الحكم والمواطن لصالح حقوق الأخير.

لقد صبر هؤلاء المواطنون طويلاً، وهم القسم الذي عرف الحياة المدنية والمدينية في الوطن اليمني ومارسها ردحاً من الزمن، وليس من شيمه الخروج لمجرد النزق أو التدمير أو التنكر للقيم الوطنية العظيمة بسبب أو بردة فعل مما يلحقه به الطابور الخامس أو الحرس القديم الذي يتجدد في حياتنا باستمرار ليلتهم إنجازات الوطن ويحولها إلى فوائد وأرباح خاصة في أرصدته على حساب معاناة شعب، وكأن الوطن مزرعة خاصة به.

ولذلك يخطئ الإعلام الذي ينجر لكي يرمي جزءاً عزيزاً من شعبه بتهم الانفصالية ومعاداة الوحدة، وهو يعلم - هذا الإعلام- أن الوعي بالقضية الوطنية والوحدة في الصميم قد انبثق من مدينة عدن تحديدا، وأن المطالبة بالحقوق مهما علت النبرات فيها أمر مشروع، ولا تكون الوحدة وحدة حقيقية إن ارتضت بالمرور عليها والتنكر لها، فالوحدة وإن كانت غاية كل يمني فهي أيضاً وسيلة لإسعاد المواطن وعزته وكرامته على أرضه ومن ثم لا يجوز المتاجرة بالشعارات العظيمة والتمترس خلفها لمصادرة حق من حقوق المواطن.

إن المتسببين في خلق الأزمات وتأبيدها في حياتنا هم أولئك النفر الذين لا هم لهم سوى نهب الأراضي والمتاجرة بها، وعرقلة خيارات الوطن في الحكم الرشيد، وإفراغ سلطة الحكم المحلي من محتواها الجماهيري الواسع. بينما يبقى هناك خيار وطني واصطفاف عريض داخل الحكم وخارجه، وتمثله الإرادة السياسية المعبر عنها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح التي لا يمكن أن ترضى بالأخطاء ومحاولات الحرس القديم صرف المقاصد الوطنية عن اتجاهها الصحيح.. ولذلك جاءت الاستجابة الفورية من فخامته لتلمس واقع الحال في المحافظات الجنوبية عن طريق لجان توجهت فوراً إلى الالتقاء بأصحاب الشأن ووضع المعالجات السريعة لكل ما لحق بهذه القطاعات والشرائح الوطنية من مدنيين وعسكريين على مدى الفترة الماضية، مع البت في الرؤية التي تمكن الوطن اليمني ككل من نفض غبار وتراكمات الإدارة الفاسدة عن كاهله، بالتعزيز المضطرد لسلطة الحكم المحلي المنتخب في كل محافظات الجمهورية لتغدو سلطة جماهيرية حقيقية، في يديها مفاتيح العقد والحل، وهذا ما نادى به طويلاً كثير من كتاب وصحافيي ومفكري هذا الوطن. فعن طريق ذلك نجد جميعاً ضالتنا المنشودة في حكم الوحدات الإدارية المختلفة، ومعالجة الأوضاع الناشئة في حينها مما يسمح بالتساوي في الحقوق والواجبات على مستوى الوطن ككل.

إن الحل يكمن في لغة الحوار الديمقراطي الهادف، بحيث نستمع إلى هموم المواطنين التي تراكمت وتحولت إلى مسيرات واعتصامات وتظاهرات هي حق يكفله الدستور، ولكننا بقصد المعالجة الجادة ينبغي أن نتجه إلى تشخيص الحالة ووضع العلاج الناجع لها عن طريق هذه اللجان التي نلمس جديتها بكل صدق، وسوف نتعاون جميعاً في الحوار وسبل العلاج الذي يرفع الغبن والظلم والأخطاء بحيث تعود الثقة إلى النفوس.. نفوس الآلاف من أبناء هذه المحافظات العزيزة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى