التقدم إلى .. الوراء!

> سعيد عولقي:

> لنا مدة طويلة واقفين محلك سر، وزيما تعرفوا فإن المعنى لهذه الكلمة - وهي عسكرية - أن يقف الناس في مكانهم لا يتقدموا ولا يتأخروا لأنهم بس يحركوا رجولهم إلى فوق وإلى تحت وهم واقفين مكانهم.. يعني لا يتقدموا ولا يتأخروا .. لكن لأن الزمن لا يتوقف أبداً فمعنى هذا اننا في حركتنا المباركة محلك سر نتأخر .. يعني مافيش حاجة في الدنيا تخليك تبقى واقف محلك والزمن يتقدم إلا اذا كنت تتراجع أي تتخلف وذي فلسفة طويلة في مسار حركة التطور ومعاداة التخلف ما عاد وصلت إلى معرفتها إلا بعد ما حكيت راسي خمس مرات وخميسات.

وفي هذا المجال الفلسفي البليغ دعوني أستأذنكم وأورد حكاية هي عبارة عن نكتة شاعت في أرجاء الاتحاد السوفييتي الكبير.. تقول النكتة ان جوزيف ستالين الرهيب جمع معه كل القيادات السياسية والعسكرية وملأ بهم قطاراً.. وطلع القطار معهم وقال للدريوال هيا امشي .. لكن القطار لم يقلب عجلة ولا تحرك حركة.. كرر ستالين الأمر مرة أخرى قائلاً يا دريوال أمشي .. لكن القطار مامشاش لأن الدريوال عجز عن تحريكه ربما من الرهبة أو لأنه القطار خربان.. يا وليد امشي! لكن مافيش ولا حركة .. قام الرفيق ستالين قائلاً للجمع: «ذلحين با أوري لكم الحل» وراح إلى الدريوال وأطلق عليه النار فقتله .. ورجع إلى مكانه وجلس قائلاً: «خلاص ماعندناش مشكلة».

وعندما تولى السلطة نيكيتا خروتشوف واجه ذات مرة نفس الموقف حق القطار ومن فيه .. قال للدريوال امش .. القطار مامشاش كرر الأمر ثاني وثالث مافيش فايدة .. ثم التفت إلى القوم وقال: «أيها الرفاق يبدو اننا نواجه مشكلة انزلوا معي باندهف القطار!» وبعد سنين ومنين أطيح بالرفيق خروتشوف ليتولى السلطة من بعده في حركة نذالة الرفيق ليونيد بريجنيف.. وبرضه زي الاثنين اللي سبقوه واجه موقف القطار إياه مليان بالناس القياديين في أيامه المجيدة التي وصفت بأنها سنوات الجمود العظيم .. وصاح بأعلى صوته مصدراً أوامره للدريوال حق القطار: «امش يا وليد» ضاع صوته في الهواء لأنه يا أما الدريوال عاصي أو انه ماسمعش أو أنه يعني مايعرفش يمشّي قطارات .. بعد عدة أوامر قرر الرفيق ليونيد انه يقوم بنفسه ويشوف أيش هذي الملعابة الماشية في البلاد اللي يحكمها .. وبعد أخذ ورد مع الدريوال ومحاولات بريجنيفية لتحريك القطار خاصة وأنه عنده فكرة أولية عن سواقة القطارات .. رجع مؤدب إلى مكانه وجلس فيه والتفت لفتة قيادية إلى الرفاق الركاب من كبار القياديين في الحزب والدولة .. وقال لهم: «أيها الرفاق دعونا نتصرف بحكمة علينا ان نجلس في أماكننا في هدوء ونتظاهر بأن القطار يمشي ولا نفكر أبداً ولو للحظة واحدة أنه واقف .. ولا بأس من أن نصدر من أفواهنا أصوات كتلك التي تصدر عن القطار وهو يمشي على السكة!».

يعني يا إخواني «الجسة» داخل القطار زيها تقريباً «الجسة» حقنا على الرصيف، يوسف المرفدي يصيح من داخل قلبه وهو ينفل عن فوطته فتافيت الروتي البان اللي كان يأكل منه ويقول: «يعني بالله عليكم الناس دولا مافيش عندهم دم يشوفوا الغلاء هذا وصل إلى حد فين؟ الكيلو الطماط قده بميتين ريال ويمكن عاده يزيد .. إلى فين بايوصل هذا الطريق اللي مالوش نهاية؟» قال حسن فرور وهو يدبج يوسف دبجة شبه قوية على ظهره: «أنت مالك ومال ذا الخبر.. شوف الأدوية وصل الإجرام في أسعارها وتهريبها وغشها لافين!» قال حسين النعج: «البارح اشتريت باكت أبو قرن بستمائة ريال» قال له يوسف مناكفاً: «ستمائة ريال فرنصي» رد حسين النعج بسرعة بديهة بقوله: «ستمائة ريال حقنا!» وفجأة نطق عبدالله هوجلان الذي كان ساكتاً طوال الجسة: «الفول قده بستمائة ريال؟ فين هذا فين» قال له الأخ حسن فرور مراجعاً: «مش الفول اللي تأكله انته عند هائل .. هذا يتكلم على الفيل أبو زلومة!» وما عاد خلص الفرور كلمته الا ويهيج لكم عبدالله هوجلان ويخرج عن طوره واصفاً الجميع بأقبح الأوصاف زي مثلاً: كلاب.. ملاعين خونة .. إرهابيين .. روفلات ..إلخ ..إلخ .. ولا عاد خلاّ بهم ولا بقّى لهم شيء.. والآن ونحن في وضع مرعبل كهذا يخرش ويبرش ولا يبري العلة واقف في مكانه «محلك سر» أشوف الزمن قدام عيني وهو يجري من حولنا نحو التطور واحنا مراعيين للقطار علشان يتحرك .. ولما امتلأ القطار بقى الركاب اللي بداخله منتظرين للدريوال ولما أجا الدريوال برضه بقى القطار واقف .. امشي يا وليد .. قال أشتي تعليمات من فوق.. جابوا له التعليمات وبرغم ذلك ما يزال القطار واقفاً!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى