أمان يا نازل الوادي .. أمان الطريق إلى أبين (2)

> ريم عبدالغني:

>
على المكتب أمامي عشرات من صور التقطتها .. بين يديّ قلمي ودفتري.. أتابع معكم استحضار محطات رحلتي إلى أبين.. رحلة بدأتها من عدن في يوم إبريلي حار..

أين تركتكم في الحلقة الماضية ؟ تذكرت، قبيل جسر (الصداقة) الصغير، الذي بناه الصينيون فوق مصب وادي (بنا) شرق عدن، ولم أكن أعرف قبل هذه الرحلة أن وادي بنا (الذي ينبع من شمال اليمن)، وكذلك وادي حسان (الذي ينبع من يافع)، يصبّان على ساحل أبين، وادي (بنا)..كم ترنمت بأغنيته التي أحبها:

و كيف لا يتسلل الشعور بالأمان إلى نفس من يتجول بين هذه المناطق الجميلة، ويمتّع عيونه بخضرتها ويستلقي في ظل شجيراتها الوارفة المّعمرة ؟ تغزوه رائحة المانجا والباباي والموز، تنبعث من مسامات هذه الأرض الخصبة (دلتا أبين).

يبدو لي ما حولي مألوفاً، يختلط عليّ -لثوان- المكان، فيخيّل إليّ أنني في اللاذقية، مدينتي المستريحة على شاطئ المتوسط، لكن صوت أبو حكيم يعيدني إلى مكاني، دليلي الطّيب الذي يسمي الأشجار والجبال والبيوت وحتى الأشخاص أحيانًا، هل يعرف أبو حكيم كل شيء؟، لا بأس عندي أن يسمي ما لا يعرفه أيضاً...

يشير بيده إلى أشجار كثيفة تختفي جذوعها بين أغصانها المتشابكة وأشواكها، ليخبرني أنها أشجار السيسبان (الماسكيت)، وبما أنها تشرب من المجاري والمياه الأسنة وتتحمل أصعب الظروف، فالبعض يسميّها «شجره الشيطان»، ولكن للإنصاف فهي، إلى تلطيف الجو ّ وتثبيت التربة، تطرد البعوض (ويسمونه هنا «الحاس»)، والذي يكثر في هذه المنطقة، بسبب كثرة المياه والمستنقعات.

نصل إلى ساحة توزيع طرق أو (جولة) كما يسمونها هنا، أقرأ يافطة «مدينة زنجبار»، وزنجبار -وقبلها شقرة- كانت عاصمة (السلطنة الفضلية)، وهو اسم محافظة أبين (نسبة إلى السلاطين الذين حكمـوها حتى 1967م)، والتي أخـذت اسـم (المحافظة الثـالثة) حتى عـام 1980م، وتمتد أبين على مساحة 3000 ميل مربع، واسم (زنجبار) أطلقه على عاصمتها السلطان حسين بن أحمد ألفضلي الذي نفاه الإنجليز إلى جزيرة (زنجبار). نمر قرب مبنى حديث مهيب، مبنى المحافظة الجديد، على يميننا، نجتاز زنجبار بسرعة، لماذا لا نتوقف لزيارتها؟، أحاول الاحتجاج، ولكن الجواب يقنعني، فللأسف لن يتيح لي الوقت الضيق رؤية كل شيء، سيكون لنا إذاً لقاء آخر يا زنجبار مستقبلاً بإذن الله، أما الآن فعلينا أن نسلك أقصر طريق يوصلنا مودية، لنعود منها قبل مغيب الشمس إلى عدن، ونلحق بطائرتنا المغادرة في منتصف الليل إلى صنعاء.

في الطريق بين (زنجبار) و(شقرة)، وبمحاذاة الشريط الساحلي الرملي الممتد من حدود عدن والذي يتسع تارة ويضيق تارة أخرى مع اقتراب البحر وابتعاده، ركّزت بحثاً عن غزلان الصحراء الرشيقة والتي اعتاد الناس مشاهدتها في هذه المناطق أيام زمان، للأسف، فقد انقرضت هي وغيرها من الحيوانات البرية مع انتشار السلاح والصيد غير المنظم.

أحرص على متابعة الطريق بكل حواسي، أسأل كثيراً، يجيبونني بصبر، أقتنع فأدون ملاحظاتي، أو لا أقتنع، فأرجع إلى بعض المقالات والكتب التي اصطحبتها معي، ولعل أغناها بنوع المعلومات الذي أردته، كان الكتاب الشيق (الطريق إلى عدن) للرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، والذي حاول من خلاله- في قالب حواري طريف يجمع بين اللغة الفصحى واللهجة المحلية- تلخيص بعض عادات المجتمع اليمني وتقاليده وقيمه وتوثيق بعض تراثه الغني -والذي مازال أغلبه شفهياً - بمواجهة خطر الزوال والنسيان.

و لكي لا يطوي النسيان هذه الرحلة أيضاً، حرصت أن أدون لكم ما رأيته فيها، والبقية تقرؤونها في الحلقات المقبلة إن شاء الله .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى