> «الأيام» كفى الهاشلي:

الازدحام بسبب الأمطار
الازدحام بسبب الأمطار
الامطار.. نعمة المولى على هذه الأرض الطيبة المتعطشة لكنها قد تتحول إلى مخاطر تحدق ببني البشر أيا كان جنسهم ولونهم، واليمن ليست مستثناة من ذلك الخطر فمن صنعاء إلى عدن طريق حافل بالمفاجآت، فمع نعمة الأمطار التي تهل علينا في هذا الموسم هناك الكثير من الآهات التي تطلقها مدن وقرى اليمن.

مع زخات المطر وحبات البرد وجريان السيول مشينا نرسم لوحة الطريق من صنعاء إلى عدن في مسيرة يوم سفر.. ونضيف قبلها لمحة من حال صنعاء مع زخم الحياة وهطول المطر.

لا يختلف اثنان في حديثهما عن روعة الأجواء في العاصمة صنعاء ويصفها البعض بما يحلو له شخصياً، المهم أن هناك اجماعت حول نقاوة جوها وروعة أمطارها وبرودتها، لكنها النعمة التي قد تتحول إلى نقمة ..فمن أجواء صنعاء ومناطقها وشوارعها وأزقتها نقلنا صورة بسيطة استثنينا منها مشاهد الموت التي لم نبحث عنها، بقدر ما خدمنا القدر في جولتنا الصغيرة ونحن منطلقون إلى التحرير بعد جولة في مناطقها المتعددة.

الناس تسعى وراء لقمة العيش في زخم الحياة وضجيج المدينة وانشغال الجميع بالعمل يحرك مفاصل العاصمة ويجعلها تعج بالفوضى ولحن الهواء والمطر.. فالجميع يسبح في سوق العمل، والبرق والرعد يسبح بحمد الله والملائكة من خيفته فسبحان الله.

المواطنون يشاهدون الحافلة الغارقة في صنعاء القديمة
المواطنون يشاهدون الحافلة الغارقة في صنعاء القديمة
استترت الشمس حياء من غزل البرق والرعد خلف سحابات ملأت أحشاءها قطرات المطر، فما أرادت أن تخفي سحر الشمس الذي أذابها خجلاً حتى تصببت (مطراً) على بني البشر، حينها توقف الجميع عن الحركة وبدأ ضجيج المدينة يتلاشى وأنصت الناس لصوت المطر وحاول الجميع لملمة أغراضه وغابت الرؤية الواضحة لقائدي السيارات، وعزفت معها سمفونية المطر بحركة التباطؤ التي خيمت على المكان. ومشينا ونحن نرصد حركات الناس في الشوارع لنجد الخوف من المخاطر يخيم على معظمهم.. استظل البعض تحت المطاعم والفنادق والمنازل، ولم يبق في الشارع إلا السيارات التي تباطأت سرعتها رويداً رويداً.. وعلى الرغم من أن المطر نعمة إلا أن صنعاء عاشت لحظات اختناق بفعل الأمطار والسيول فهبطت بعض الأماكن الترابية المشبعة بالماء، وهو مشهد غالباً ما يتكرر في صنعاء ولعل ذلك يعود لتشبع تربتها بالماء.. أمامنا تحولت قطعة متماسكة من الأرض إلى قطعتين بينهما منحدر طولي جرف إلى جوفه مياها كثيرة، إلا أنه والحمد لله لم يجرّ إلى حضنه أحد من البشر.

ولأن صنعاء القديمة كانت محطة فضولنا ورحلتنا مع أصدقائنا مررنا بطريق السائلة فوجدنا الكثير من الناس متجمعين يحدقون في حجم السيول وإحدى الحافلات الغارقة تحت الجسر.

11 سيلاً قطعت طريقنا

مع الماء الخضرة والخطر مشيناً من صنعاء إلى عدن، وكانت أحضان الطبيعة تضمنا، لكن الطريق كان حافلاً بالمشاهدات في سماء ملبدة بالغيوم وزخات المطر.. مشينا حتى وقفنا ضمن عشرات الناقلات والسيارات والحافلات التي اصطفت وكأنها تقرأ السلام لعابر عظيم، اقتربنا مع الجميع لنجد أبناء الضالع يتكاتفون يدا بيد لمساعدة السيارات على العبور خلال سيل قطع طريقها، البعض راح يتفقد عمق السيل والبعض ينظم حركة السيارات وبينهم وقف البقية في حال طلب المساعدة، مضى من الوقت ساعة إلا ربعاً ونحن بانتظار الفرج من المولى لتختم رحلتنا بسلام، وحين أعلنت ساعة الصفر ودق جرس المغادرة انطلقنا بحمد الله من الضالع وعلى مسافة ليست ببعيدة ووقت ليس بطويل وانتظار مازال إرهاقه ملموسا، وجدنا أنفسا أمام مشهد ثان من مسرحية المطر والقدر، وقوفنا استمر ما يزيد عن عشرين دقيقة ننتظر مرور السيل الثاني في طريق مازال أمامنا فيه القليل لنصل إلى لحج.

سيارة تمر في طريق السيل بالضالع
سيارة تمر في طريق السيل بالضالع
وبدأت ساعات المساء بالحلول وأعيننا مصوبة على جريان السيول التي تذهب سدى دون استفادة منها، ومع لحظات المرور من تلك السيول التي كان ثلاثة منها قد سرقت منا جزءا من الوقت، وأما الثمانية الباقية فكانت سيولا صغيرة، لعل وصولنا قد تأخر عن موعد جريانها وعلى الرغم من إمكانية العبور إلا أن سائقي الحافلات والسيارات الصغيرة قد أجهدوا شباب الضالع وهم يوسعون الطريق لهم للخروج فتداخل العربات وسيرها في غير المكان المخصص لها كان واحدا من أهم أسباب تأخير عبور السيارات الأخرى وقطع الطريق لوقت يزيد عن الربع ساعة ويصل إلى نصف الساعة عند بعضها بسبب قلة الوعي لدى السائقين، مع العلم أن الطريق هو مسار وخط واحد لا يحتاج للتراكم والزحام.حالمين هي الأخرى قطعت السيول طريق الخروج منها فظل الطريق من الضالع إلى لحج تتخلله المياه الذاهبة إلى غير رجعة .

وكأن الحرمان منها لا يعني لنا شيئا في الوقت الذي كوى الجفاف والتصحر مساحات شاسعة في بلادنا.طوى النهار بساطه وودعنا الأمطار والسيول لندخل عدن التي تزينها المياه المالحة (البحر) لنعانق دفء الحياة بين ذوينا تاركين وراءنا ذكريات الأيام التي قضيناها في صنعاء في جعبة الزيارات نقلبها عندما يراودنا الحنين إليها.