الداعية الإسلامي أبوبكر العدني بن علي المشهور لــ«الأيام»:يمكن لنا تصحيح الصورة أمام العالم عن أنفسنا وعن الإسلام بالعودة إلى مخرجات الإسلام ذاته لا إلى ما تفرزه المراحل

> «الأيام» صلاح أبولحيم:

> تعيش الأمة العربية والإسلامية حالة من التفكك في الصف والوحدة والقرار أثر سلباً في واقع العرب والمسلمين في شتى مناحي الحياة حيث ظل السياج الحديدي هو اللغة الوحيدة المتعامل بها من قبل الأنظمة العربية.. وفي ظل هذا المعترك يحاول الخطاب الإسلامي الداعي إلى وحدة القرار ولم الشرخ وإزالة كل بقاياه.. ومع هذا البصيص الدعوي والإسلامي يأمل العرب والمسلمون في كل بقاع الأرض احتواء ما تبقى من الهوية العربية والإسلامية ... جملة من الهموم والتداعيات الإسلامية هي محور اللقاء الذي جمعنا بالداعية والمفكر الإسلامي أبي بكر العدني بن علي المشهور الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية في الجمهورية اليمنية والذي تتابعوه في السطور الآتية:

> ترحب صحيفة «الأيام» بالداعية والمفكر الإسلامي أبي بكر العدني بن علي المشهور الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية بالجمهورية ليكون ضيفاً للصحيفة.

- شكراً لكم وللصحيفة على هذه الضيافة الفكرية العلمية، ونسأل الله أن يسدد ألسنتنا وأقلامنا إلى ما فيه خير الأمة ونصرة الديانة والقيام بحقوق الأمانة.

> تتسم الأربطة الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية بالوسطية والاعتدال وبُعْدها عن الغلو والتطرف في الدعوة، والرأي ، والاجتماع، ما هي الفائدة التي جنيتموها خلال اثني عشر عاماً من عمر الأربطة؟

- نحن نرجو إن شاء الله أن تكون الأربطة الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية -كما ذكرتم- متَّسِمة بالوسطية والاعتدال والبُعد عن الغلو والتطرف في الدعوة والرأي والاجتماع.. والوسطية والاعتدال في منهجية الأربطة الإسلامية ليس وليدة المرحلة ولا مركب صدفة أو سياسة حاجة ملحة لها.. بل هي سلوك علمي عملي متوارث اهتم به علماء المدرسة الأبوية بحضرموت ورسخوا قواعده في أبنائهم وأتباعهم وأربطتهم سواء في اليمن أو حيثما كانوا من بلاد العالم.. ففي المراحل التي تتسم فيها الحياة الاجتماعية والسياسية بالهدوء تنجح الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وخدمة المجتمع بعمومه في التعليم الشرعي والمشاركة الواعية في التنمية والبناء كجزء من الواجب الإسلامي والوطني مع إسداء النصيحة للجميع.

وعندما يكون الواقع الاجتماعي والسياسي مضطرباً وانفعالياً فالمدرسة الأبوية غالباً تكون إحدى أهداف الانفعاليين المضطربين في المرحلة يصنفونها كما يحلو لهم ويشلون حركتها ويحجمون مواقعها التعليمية والدعوية.. ويخترعون ضدها التبريرات والمغالطات ، وربما أكثر من ذلك كما حصل في المراحل السابقة ، فقُتل من رجالها من قتل وسُحل من سحل وسُجن من سجن وعُذب من عذّب ، ولم يتضح للبعض إلى اليوم من كان المستفيد من هذه الحملات والانتهاكات ، أما البعض فقد عرف المستفيد والمستثمر ولكن بعد فوات الأوان.

أما الفائدة التي جنيناها كما ذكرتم خلال اثني عشر عاماً من عمر الأربطة .. فهي واضحة للعين.. وبإمكانكم التعرف عليها في الواقع الميداني لليمن حيث تتنافس بعض القوى على الخدمة والتنمية والبناء دون حاجة للإثارة وإعلان الجدارة.. بينما البعض الآخر يوظف الخدمة للإثارة والصراع والنزاع وتوسيع دائرة التحريش بين الشعوب.. ولكل وجهة هو موليها.

> تنتشر الأربطة الإسلامية في أغلب مدن البلاد، ما هي الأسس التي تدار بها هذه الأربطة، وما هي النتيجة التي تجنونها من الدورات التربوية والشرعية للأربطة الإسلامية؟

- تقوم الأربطة الإسلامية على أربعة ثوابت: التربية، والتعليم، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والاكتفاء الذاتي : أي الاعتماد على النفس في تحصيل القوت.

وكل واحد من هذه الثوابت له منهجيته العلمية والعملية سواء في الدراسة المنهجية للأربطة طول العام أو في المنهجية الخاصة بالدورات الصيفية والدورات الفصلية والدورات الطارئة..

وغالباً كما هو ملاحظ أن ثمرة هذه المنهجية تسهم في تخريج الإنسان الواعي لمسؤولياته الواعي لمجريات مرحلته.. القادر على التعايش بالحكمة مع كافة عناصر الواقع المتناقض.. دون إفراط ولا تفريط.. وخاصة أن غالب المتخرجين في الأربطة الإسلامية هم من شباب الجامعات والمعاهد والتخصصات الأكاديمية الرسمية فالدراسة الأكاديمية يتلقاها في الجامعة والمعهد المهني أو الزراعي أو غير ذلك.. ويأوي في السكن إلى الأربطة التي تنظم له الوقت الباقي بين المراجعة لدروسه الأكاديمية وتعليمه وتربيته بالعلوم الشرعية والآداب النبوية ، فيخرج مهندساً داعياً وطبياً واعياً وتربوياً راعياً.... وهكذا.

> ينصدم جيل المسلمين في بلاد الغرب بسياسة الاحتواء التعليمي في البلدان التي يعيشون فيها مما يعني ضياع هوية المسلمين الجدد فينشأ جيل لايحمل من الإسلام إلا المسمى ، كيف يمكن احتواء جيل المسلمين المتغرب؟

- جيل المسلمين الذي يذهب إلى عالم الغرب اليوم يذهب غير متسلح بالإسلام علماً وعملاً وهويةً وسلوكاً.. لأن غالب مخرجات التعليم الحديث ضعيفة التأثير في الجانب التربوي الإسلامي وأغلبها تركز على تخريج طالب الخدمات.. فلهذا يصطدم بالواقع الغربي ولا يقدر أن يلتزم بما يفهمه من المعرفة الهشة عن الإسلام، خلافاً للأجيال السابقة التي كانت تُهاجر إلى العالم الغربي الشرقي ولكنهم يحملون علماً وأدباً وهوية إسلامية .. فترى العالم الغربي والشرقي يتأثر بهم وينطوي في الإسلام بقوة دعوتهم الإسلامية ولنا في رحلات السلف الصالح من اليمن وحضرموت خير شاهد علمي على ذلك سواء في إندونيسيا أو ماليزيا أو الهند أو إفريقيا أو غيرها من البلاد، أما اليوم فطالب الخدمات في الغالب يخرج من بلاده باحثاً عن هوية أخرى ويعود داعياً إلى استتباع الهويات التي تشبعت منها خلايا عقله وجسمه في الخارج فأنى لمثل هذا أن يعبّر عن الإسلام أو أن يدفع عن عقله وقلبه ضغوطات العالم الغربي المدجج بالإعلام والأحلام.. ولأجل هذا يجـب أن تعقد للطـلاب المغتربين في الخارج دورات تثقيفية قبل السفـر وخـلال وجودهـم في تلـك البلاد يكـون مهمتنـا تقويـة ثقافتـهم الإسلامية وانتمـائهم الديني المعتـدل..

> أحداث 11 سبتمبر وغيرها رسمت صورة مغايرة للإسلام الذي يدعو إلى السلام والعدالة والحرية في المعتقد كيف يمكن تصحيح هذه الصورة للعالم؟

أحداث سبتمبر.. مرحلة ذات علاقة متصلة بالبرامج السابقة لها والبرامج اللاحقة لها.. وهي ظاهرة مشار إليها في الأحاديث النبوية كمنعطف تاريخي خطير في مرحلة الغثاء.. واعتقد أننا كمسلمين لنا مرجعية شرعية لن نحتاج إلى من يعرفنا على قراءة المراحل وتقلبات التاريخ ؛ ولكنها وللأسف محجوبة عنا بفعل تسييس العلم والمعرفة وإذا ما أردنا معرفة أحداث سبتمبر ومخرجاتها من واقع الدين.. فهذا أمرٌ سهل وممكن.. أما إذا أردنا معرفة الأحداث من واقع الأحداث نفسها وما ترتب عليها فهذه دوّامة تجرُّ المندفع إليها نحو الهلاك..

فالحديث النبوي خصص مساحة واسعة للتحولات والمتغيرات وهو ما يسمى بعلامات الساعة، وكثير من المثقفين يمجون الحديث عن هذه المسألة ؛ لأنها تربطهم بالماضي .. وهم قد تحرروا من الماضي وأفكاره كما يقولون.. ولكنهم وللأسف لم يميَّزوا بين الماضي الذي يجب تركه وتجاوزه والماضي الذي يجب أن يتمسكوا به ويجدّدوا مفاهيمه.

ولهذا فإن هناك علماً مهمَّاً من علوم الدين مهملاً ومتروكاً وهو ما يعرف بفقه التحولات.. وهو كلما يتعلق بشؤون الأشراط والعلامات والفتن ومضلاتها والملاحم والبشارات وغيرها.. وهذا العلم وحده يقسم مرحلة الغثاء التي تصيب العالم الإسلامي في مستقبل الزمان إلى أربعة أقسام:

-1 فتنة الأحلاس مرحلة الاستعمار العلمانية. -2 فتنة السراء مرحلة الاستعمار العلمانية. -3 فتنة الدُّهيماء مرحلة الاستهتار العلمنة . -4 الفتنة الرابعة مرحلة الاستثمار العولمة.

وبالإمكان للراغب في معرفة تفصيلات هذه المراحل قراءة كتاب (التليد والطارف شرح منظومة فقه التحولات وسنة المواقف) . ومن هذا المنظور الشرعي تعتبر أحداث سبتمبر حلقة من مسلسل طويل أخرجته القوى المحركة للعالم الإنساني وفق المنهج الأنوي الإبليسي العالمي... (محرك الاستثمارات العالمية) ويمكن لنا تصحيح الصورة أمام العالم عن أنفسنا وعن الإسلام.

بالعود إلى مخرجات الإسلام ذاته لا إلى ما تفرزه المراحل ولا إلى السياسة البوقية القائمة على الانتماء الصوري للإسلام ومحاربة آدابه وأخلاقه وفق برنامج انتقائي فاشل في الخارج والداخل.

> ما هي أسباب تعدد الصراعات والخلافات والانقسامات بين المسلمين في الحكم والمدرسة والبيت والمسجد؟

أسباب الصراع بكل أوجهه ترجع إلى أمرين:

الأول: منهج إبليسي شيطاني يسمى التحريش.

الثاني: تغلب الطباع والمصالح وتسييس ثوابت الدين وكل ما يدور الآن وقبل الآن في مستوى الحكم والدين والمدرسة والمسجد والحياة يعود إلى واحد من هذين السببين أو بهما معاً..

أما كيف نفصل ذلك ونشرحه.. فهذه مسألة يطول الكلام فيها وكل جهة تفسر الأمر كما تعتقده وتراه.. وبهذا كما يقولون اختلط الحابل بالنابل.. واتسع الخرق على الراقع.. ومهما تحدثت عن جزئيات الأسباب وعواملها.

فالمرحلة قد جعلت من الصراع والخلاف والانقسام مشروعاً ناجحاً..

والذي يعنينا هنا هو كيف نتجنب خطر الصراع والاصطدام بعد اعترافنا بوجوده كمشروع ناجح في الشعوب رسمه الإبليس وعباقرته ، وتجنب الصراع والاصطدام بأهله.. هو حقيقة الأخلاق النبوية، في معنى قول الله تعالى: ?{?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?}? ، وقوله تعالى: ?{?وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ?}? ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ومع هذا وذاك بناء جيل لا يؤمن بالصراع ولا يسعى إليه كما قد فعل ذلك من قبل رجال الإسلام الأوفياء ؛ لأن الصراع والخلاف هو اليوم إحدى مخرجات الثقافة المعاصرة والتعليم المجرد عن التربية من بداية مراحل التعليم حتى التخرج الأكاديمي إلا القليل القليل.. وللأسف.. إضافة إلى كونه إحدى مخرجات الصحافة والإعلام والتكتل الحزبي والفئوي والديني ومحور التناول اليومي لكافة شؤون الحياة إلَّا من رحم الله..

> يشهد الشارع الإسلامي تغلغلا وشرخا في وحدة الصف والقرار.. كيف يمكن توحيد الصف والقرار الإسلامي المعبرين عن حق الإنسان في العيش بسلام بعيداً عن التطرف والإرهاب؟

- الشارع الإسلامي كما عبرتم في سؤالكم يعيش شرخا خطيرا في وحدة الصف والقرار.. لأن الشارع جزء من البنيان القائم في المرحلة، والبنيان الإسلامي بعمومه يعاني هذه الأزمة لفقدان القيادة الراعية لمجموع الأزمة .. أي أن قرار الأمة متفرق ومضطرب.

وربما يكون هذا الاضطراب ثمرة من ثمرات المرحلة المعبّر عنها في الحديث: «الفتنة الرابعة العمياء البكماء الصماء التي يؤول أمر الأمة فيها إلى الكافر» وهذا التعبير هو من نبوءات من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم ، فنحتاج نحن والأمة إلى قراءة واعية لمشكلة فقدان العلاقة بثوابتنا الشرعية .. ثم قراءة واعية لانفلات وحدة الصف سواء على مستوى البُنيان الإسلامي عموماً أو الشارع العربي والإسلامي والمحلي خصوصاً.. وهذا لا يحتاج إلى إرهاب ولا تطرف ولا إثارة ولا انقلاب ولا تهديد أوضاع آمنة، وإنما يحتاج إلى تصحيح أوضاع المواقع الثلاثة: التربية والتعليم، الإرشاد والأوقاف، الثقافة والإعلام.

وتحتاج هذه المواقع بعد تصحيحها إلى حماية واعية وتضافر شعبي ورسمي لاستيعاب مخرجاتها الشرعية الحضارية القادرة على كشط ظاهرة الأورام الخبيثة في الجسد الإسلامي المتداعي..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى