رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
طاقم السفارة في سويسرا الذي كان في وداع جثمان الراحل من جنيف الى صنعاء التقطتها الزميلة ذكرى العراسي
طاقم السفارة في سويسرا الذي كان في وداع جثمان الراحل من جنيف الى صنعاء التقطتها الزميلة ذكرى العراسي
الميلاد والنشأة:غيل باوزير .. في إفادته عن غيل باوزير وردت في (الموسوعة اليمنية- ص 459) كتب سامي محمد بن شيخان: «غيل باوزير مدينة تبعد عن المكلا 30 كيلومترا وتقع على خط طول 49.5 درجة وعرض 14.5 درجة بشمال خط الاستواء، وتتميز بكثرة الغيول والجداول والوديان الصغيرة مثل وادي حضيرة ووادي شعيب».

«غيل باوزير أسسه الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن سالم باوزير عام 706هـ - 1306م، أما رباط غيل باوزير فإن المعلومات المتوفرة تفيد بأنه بقدوم الشيخ محمد بن عمر بن سلم إلى غيل باوزير واستقراره فيها تفرغ لنشر دعوته فأخذ يلقي دروسه في مسجد الجامع كل ليلة ويجلس إلى الطلبة صباحا في بناية خاصة لهذا الغرض، وتم بناء معهد جديد يستوعب الأعداد المتزايدة من طلاب العلم عام 1320هـ - 1902م واطلق عليه (رباط غيل باوزير)».

الدكتور فرج سعيد بن غانم من مواليد الفاتح من ديسمبر 1937م في مدينة غيل باوزير، إحدى مدن السلطنة القعيطية الحضرمية، ونشأ وترعرع في بيئتها الدينية والعلمية، وبعد أن اكمل دراسته الابتدائية عام 1948م التحق بالمدرسة الوسطى بغيل باوزير، وورد في كتاب (المدرسة الام- المدرسة الوسطى بغيل باوزير- ص 210) للتربوي الجليل الاستاذ محمد سعيد مديحج، أطال الله عمره ومتعه بالصحة، أن الدكتور فرج سعيد بن غانم من طلاب الدفعة الثامنة 1949/1948م وبلغ عدد طلاب الدفعة 35 طالبا منهم حسين بن رباع وصالح علي بامطرف وسعيد سالم جيشان وفاروق عثمان بن شملان وعمر أحمد العكبري وعمر أحمد باصرة وعمر علي بامطرف وعبدالرحيم شيخان باوزير وعمر سعيد مديحج وأحمد سالمين بن همام. كان مدير المدرسة آنذاك الشيخ حسين خوجلي السوداني ( 1954/1944م).

استنادا للمرجع المذكور فإن رئيس الوزراء الاسبق الاستاذ المهندس حيدر أبوبكر العطاس كان من طلاب الدفعة الثانية عشرة 1953/1952م، أما الدفعة الاولى من الطلاب 1942-1941م التي انتقلت إلى الغيل من المكلا عام 1944م، فقد كان من أبرز طلاب تلك الدفعة الراحل الكبير الأستاذ محمد عبدالقادر بافقيه.

بن غانم.. رسوخ في التأهيل

سجل الدكتور فرج بن غانم اسمه في لوحة شرف التحصيل والتأهيل، ويتجلي ذلك من خلاله مشواره العلمي العطر، فبعد إكماله المرحلة الوسطى بغيل باوزير غادر إلى السودان على نفقة الحكومة القعيطية لتلقى دراسته الثانوية وأكملها بتفوق والتحق بعد ذلك بجامعة الخرطوم كلية جوردن سابقاً وحاز على بكالوريوس اقتصاد مع مرتبة الشرف B.SC.HONS عام 1964م.

في العام 1975م حصل فرج بن غانم على الماجستير في المدرسة المركزية للتخطيط والإحصاء في وارسو، حاضرة بولندا، وتوج تأهيله العالي في الإحصاء من بولندا في العام 1978م بنيله درجة الدكتوراه، والجميل في تأهيله لعالي انه جاء على خلفية راسخة قوامها الدورات النوعية، فقد تلقى رحمه الله دورة في الاقتصاد والإحصاء بواشنطن بدعم من البنك الدولي خلال الفترة ديسمبر -1970 مايو 1971م وكان رحمه الله قد تلقى دورة تدريبية في مجال الحسابات العامة والتنمية في لندن، العاصمة البريطانية خلال الفترة سبتمبر -1966 مارس 1967م.

يستشف القارئ الحصيف أن الدكتور فرج بن غانم قضى مشوارا طويلا في مجال الدراسات والدورات وحصنه ذلك من الوقوع تحت تأثير العمل السياسي والحزبي، وعرف عنه رحمه الله انه كان مستقلا بنفسه ورأيه العقلاني الموضوعي، وجعله ذلك محط احترام وتقدير الجميع.

بن غانم في لوحة شرف البنك الدولي

صدر قرار جمهوري صائب بتعيين فرج بن غانم وكيلا دائما PERMENANT SECRETARY (نائب وزير حاليا) في وزارة المالية خلال الفترة سبتمبر 1969 - يوليو 1970م وعمل بعد ذلك نائبا لوزير التخطيط خلال الفترة يوليو 1970 - اغسطس 1979م، نائبا للمغفور له بإذن الله عبدالعزيز عبدالولي ناشر، وصدر بعد ذلك قرار جمهوري بتعيين فرج بن غانم وزيرا للتخطيط، وشغل ذلك المنصب خلال الفترة اغسطس -79 1989م وعمل خلال الفترة الممتدة حتى قيام دولة الوحدة في مايو 1990م مندوبا دائما لليمن الديمقراطية لدى المقر الاوروبي للامم المتحدة في جنيف.

شاءت محاسن الصدف أن أطلع على التقرير السنوي للبنك الدولي للعام 1979م وذيل فيه كشف بأسماء المحافظين الاصيلين والمناوبين للدول الأعضاء، ووجدت أن المحافظ الاصيل لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هو عبدالعزيز عبدالولي والمناوب د. فرج بن غانم، فيما كان المحافظ الاصيل للجمهورية العربية اليمنية هو الاستاذ علي لطف الثور والمناوب هو الاستاذ علي احمد الخضر، وقد اصبح د. فرج بن غانم محافظا اصيلا لليمن الديمقراطية خلال الفترة 1989-1979م.

بن غانم .. البرلماني الحصيف

خاض د. فرج بن غانم التجربة البرلمانية قبل وبعد قيام دولة الوحدة فقد كان عضو البرلمان في المحافظات الجنوبية وكان يعرف بـ (مجلس الشعب الاعلى)، الذي اندمج مع (مجلس الشعب التأسيسي) في المحافظات الشمالية بعد قيام دولة الوحدة تحت مسمى (مجلس النواب) واستمرت عضوية د. فرج بن غانم في الإطار البرلماني الجديد.

لم يكن د. فرج بن غام خلال تلك التجربة فرج بن غانم السياسي وإنما فرج بن غانم التكنوقراط، الذي يشخص المشكلة ويطرح البدائل ويحدد سلبيات وإيجابيات كل بديل بهدوء وموضوعية ومسؤولية.

بن غانم بين مطرقة المسؤولية في الداخل وسندان المسؤولية في الخارج:

يلاحظ أن الفترة 2007-1989م قضاها الدكتور فرج بن غانم بين كر إلى الداخل وفر إلى الخارج، ذلك أنه قضى شطرا من العام 1989م وشطرا من العام 1990م في جنيف مندوبا لبلاده لدى المقر الاوروبي للامم المتحدة، ثم عاد إلى أرض الوطن الموحد في مايو 1990م وزيرا للتخطيط حتى أواخر 1994م ليعود مرة أخرى إلى جنيف ليتحمل نفس منصبه السابق وعاد مرة أخرى إلى أرض الوطن في مايو 1997م ليشغل منصب رئيس الوزراء ثم يمضي في منصبه أكثر من عام ليعود مرة ثالثة إلى جنيف ليتحمل منصبه السابق إضافة لتعيينه سفيرا لدى الاتحاد الفيدرالي السويسري في 15 يوليو 2002م.

كمال الجنزوري ومجنزرة بن غانم

نشرت مجلة «نوافذ» اليمنية (في العدد 40 - 15 فبراير /15 مارس 2003م) موضوعا موسوما «الحكومة اليتيمة» اعده محمد الغابري تطرق فيه إلى متغيرات نتائج الانتخابات الاشتراعية وعواصف تبعاتها، واستشهد الكاتب بتقرير «المشاهد السياسي» اللندنية (العدد -63 25 مايو 1997م) حول فوز المؤتمر الشعبي العام بالأغلبية المريحة ومفاجأة تشكيل د.فرج بن غانم للحكومة التي جاءت لتحاكي التجربة المصرية بتعيين د. كمال الجنزوري، الذي كان وزيرا للتخطيط وأصبح بعد ذلك رئيسا للوزراء وكان هدف الاثنين نقل البلد إلى حالة اقتصادية جديدة.

أما مجلة «أبحاث سياسية» الصادرة من الخارجية اليمنية فقد دشنت عددها الأول في فبراير 1998م بمقابلة مع رئيس الحكومة الجديدة د. فرج بن غانم تحدث فيها عن تجذير الجهاز الإداري وتناول بالتفصيل رؤيته للعمل «بما يضمن المزيد من المصداقية والثقة في برامجنا وفي خطط الإصلاح وبرامج التنمية ومعالجة الانكماش الاقتصادي الناجمة من الاصلاحات التي شهدها المجال المالي والاقتصادي، والحاجة إلى بذل الجهود المركزة لتحقيق إصلاحات ملموسة في المجال الإداري لاجهزة الدولة وتحسين أوضاع القضاء والنيابة والمؤسسة الأمنية وتشجيع دور القطاع الخاص، وهذه الجهود وغيرها ستؤدي بالضرورة إلى تحسين المناخ العام للاستثمار وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات الوطنية في الخارج».

بن غانم و«الوسط» اللندنية

أما مجلة «الوسط» اللندنية فقد نشرت في العدد 305 الصادر في الفاتح من ديسمبر 1997م نص المقابلة التي أجرتها مع الدكتور فرج بن غانم، نقتطع منها هذا الجزء:

سؤال: ألا تخشون أن يمتص الفساد جهودكم الإصلاحية وأن يأتي على المساعدات والقروض ويعطل آمال الإصلاح وبالتالي يؤدي انتشار الاحباط لدى الطبقة الراهنة على الاصلاح والتنمية؟

الجواب: هذا الخوف وارد جدا، والفساد يمكن أن يكون الخطر الاكبر الذي يهدد مسيرة البلاد، إنه لا يهدد الاصلاح المالي والإداري فقط لأن هذا الإصلاح محدود ولا تراجع عنه، التهديد ممكن أن يطال الديمقراطية وإصلاح القضاء والكثير من الإصلاحات الاجتماعية التي مازالت مؤجلة ولكنها موضوعه على جدول الأعمال، الفساد غول حقيقي - لا تنفرد به بلادنا - وأعتقد بأنه لا يمكن تحقيق التعايش بين الفساد والإصلاح لأنهما نقيضان.

الفساد ومجنزرة بن غانم

استنادا لقراءات سابقة منها «نوافذ» اليمنية (مرجع سبق الإشارة إليه) بأن أعضاء حكومته لم يتحملوا نتائج تقييمه لأدائهم فراحوا يشنون عليه حملات من وارء الكواليس. أما عن بعض مظاهر الفساد فقال بن غانم لمجلة «أبحاث سياسية»: «حقيقة قاومنا بشدة العادة في اعتماد المشاريع غير الجادة....».

كما أن وجود خمسين خبيرا من الصندوق والبنك الدوليين موزعين على المؤسسات المالية والحكومية عمل على فرملة طوفان النهب للمال العام، ويحسب له أيضا اتفاقه مع البنك الدولي برصد المسيئين للمال العام، حيث قدم البنك الدولي قائمة ضمت 134 شخصا من رموز الدولة يشكلون مافيا النهب للمال العام (مرجع سابق «نوافذ»).

أقدمت إحدى صحف السلطة ولاول مرة على شن هجوم على البنك الدولي فنشرت مقالا لأحد كتابها عنوانه (عدو الشعوب.. البنك الدولي) ولو أنصف لكتب (عدو اللصوص.. البنك الدولي).

كان رحمه الله قد أصدر أمرا بإيقاف مدير عام إحدى المؤسسات الهامة إثر اكتشافه اختفاء ثلاثة مليارات ومائتي مليون ريال، بناء على تقارير محلية وأجنبية، إلا أن أوامره عطلت بفعل فاعل (لمزيد من التفاصيل راجع «نوافذ»).

بعد أن طفح الكيل بالدكتور فرج بن غانم قدم استقالته في آخر مارس وغادر البلاد وتردد انه كان في إجازة، وعند عودته في آخر ابريل 1998م قدم استقالته مرة أخرى وقُبلت.

رحيل بن غانم ورعاية رئاسية

في ليل الأحد الموافق 5 أغسطس 2007م نعى الناعي إلينا أن قلب الرجل الكبير الدكتور فرج بن غانم قد توقف قبل لحظات في أحد مستشفيات جنيف وأن نفسه المطمئنة قد رجعت إلى ربها راضية مرضية ودخلت جنته - سبحانه - ودخلت في عباده عن عمر ناهز التاسعة والستين عاما وثمانية أشهر وأربعة أيام.

بناء على توجيه فخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، نقلت طائرة خاصة جثمان الفقيد د. فرج بن غانم من جنيف إلى صنعاء فجر الاربعاء 8 أغسطس الجاري وشيع جثمانه الطاهر نهار اليوم نفسه (بعد الصلاة عليه) في موكب جنائزي مهيب تقدمه فخامة رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة ووري جثمانه الطاهر في مقبرة الشهداء بالعاصمة صنعاء.

بن غانم مسكون في النفوس

خلف د. فرج سعيد بن غانم وراءه سجلا ناصعا من المآثر الخالدة، وقطاعا واسعا من الأحباب تتقدمهم أرملته وولداه مروان وسامي وأختهما وأقاربه كافة، ونشرت الصحف المحلية عشرات التعازي والمراثي عن الفقيد الكبير منها (فقيد الوطن الكبير فرج بن غانم) للرئيس علي ناصر محمد تحدث فيها عن مناقب وصفات ومواصفات الفقيد النادرة التي أهلته للمناصب العليا التي تقلدها، كما نشرت «الأيام» في عددها الصادر يوم 9 أغسطس 2007م (على نفس الصفحة التي نشرت فيها مرثية الرئيس علي ناصر النثرية) مأثرة بلاغية للدكتور سمير عبدالرحمن الشميري، واختتمت صفحة «الأيام» بمرثية كتبها الصحفي المخضرم علي سالم اليزيدي، وخيل لي إنه كتبها بدم قلبه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى