صرخة المقاومة

> فريد الصحبي:

> للمفكر الفرنسي (ديكارت) حكمة تقول «أنا أفكر إذن أنا موجود».. أي أن الانسان الذي لا يفكر ولا يستخدم عقله.. لا قيمة لحياته.. وجوده كعدمه.. حركة المتقاعدين العسكريين التاريخية واعتصاماتهم ومسيراتهم السلمية يتقدمهم الأخ العميد الركن ناصر النوبة .. تلك الحركة التاريخية التي حركت الوجدان الشعبي والرسمي معاً .. لأول مرة .. أوحت إلي بتعديل تلك الحكمة لتصبح «أنا أقاوم إذن أنا موجود»!

يقول الله تعالى في كتابه الكريم ?{?لقد خلقنا الإنسان في كبد?}? .. أي خلقناه في تعب ومشقة .. يكابد الظلم والعدوان.. يكابد الجوع والحرمان .. ويكابد حبائل الشيطان .. وليس أمامه سوى المقاومة.. وسيظل يقاوم طول العمر .. من وقت نفخ الروح فيه إلى حين نزعها منه .. المقاومة هي المكتوب عليه .. هكذا تقول له جيناته.. لذا فإنه يطلق صرخته المعروفة لحظة خروجه إلى هذه الدنيا.. إنها صرخة المقاومة الأولى!

في عصرنا الحديث نعرف أن المقاومة نوعان .. مقاومة عنيفة وأخرى سلمية.. ولكلا النوعين وسائل ودرجات.. المقاومة العنيفة يستخدم فيها الأسلحة بأنواعها المتاحة .. تتبع أسلوب حرب العصابات والاغتيالات والتفجيرات وما يصل إلى حد العمليات الفدائية بكل صورها !

أما المقاومة السلمية فقد تطورت أساليبها كثيراً في عصرنا الحديث.. كما ترينا إياها الفضائيات على شاشات التلفزيون.. منها المسيرات المنظمة التي تجوب الشوارع .. تحمل الصور والنماذج الكاريكاتيرية لوجوه رؤساء وقادة تثير الضحك والسخرية .. أو التمدد على الأرض في الساحات وأمام المقرات الرسمية أو لبس الشارات والأقنعة الكرنفالية ورفع اللافتات وإطلاق الشعارات أو النفخ في البوق وقرع الطبول!ومن صور المقامة السلمية أيضاً الإضراب عن العمل أو العمل البطيء (slow motion) والإضراب عن الطعام .. وهناك الاعتصامات في الساحات والمقرات وحتى في البيوت .. كما حدث في مصر عندما دعت قوى المعارضة الشعب إلى عدم الخروج من البيوت يوم 23 يوليو يوم عيد الثورة المصرية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.. ودعت المعارضة هناك إلى اعتصام الناس في بيوتهم تحت شعار (خليك في البيت).. (بس مش زي خليك في البيت حقنا) .. كما دعوهم إلى رفع العلم في البلكونات والشبابيك .. ومن يضطر للخروج لأمر قاهر فليحمل العلم وهو سائر في الشارع!

تلك صور حضارية من صور المقاومة السلمية تقابلها حكومات البلدان المتقدمة بأسلوب حضاري مماثل .. فهي لا تحرك ساكنا بأكثر من أن تراقب بل وتحافظ وتحمي سير وأداء التظاهرة حتى النهاية .. وإن اضطرت للمواجهة عند التجاوز فأقصى ما تلجأ إليه هو استخدام خراطيم المياه أو الصد والدفع بالأيدي فقط والمتاريس! وبالمناسبة أتذكر مشهداً قلما يغيب عن مخيلتي شاهدته في فيلم عن (غاندي) الأب الروحي لشعب الهند العظيم .. جموع غفيرة تتقدم في مسيرة صامتة في اتجاه محدد فيتعرضها جنود الاحتلال البريطاني لكن المسيرة لا تتوقف .. يضطر الجنود في النهاية إلى ضرب رؤوس المتقدمين بأعقاب البنادق .. فيسقط من يسقط ولكن المسيرة لم تتوقف .. يواصل الصف الثاني السير.. ويستمر الضرب بأعقاب البنادق ويسقط من يسقط والمسيرة لا تتوقف .. تتقدم الصفوف التالية وتتتابع وتواصل الجموع تقدمها وزحفها بنفس الهدوء والصمت والرهبة .. هنا يصرخ القائد الإنجليزي بإعجاب شديد في نهاية الفيلم وهو يرقب المشهد من موقعه الخاص (لقد انتصر غاندي وهزم حكومة التاج البريطاني)!

إشارة :

ناس من أهل الخير قالوا لي إنهم يعرفون السيدة التي ذكرتها في مقالي الأخير (حدث في شارع الزعفران) التي انكسر عظم ساعدها إلى نصفين .. يبقى على جهة الاختصاص التي تسببت في إصابة هذه السيدة أن تعرف واجبها الإنساني والوطني فتقدم اعتذارها لهذه السيدة ودفع مصاريف علاجها وتعويضها التعويض المادي المناسب .. ننتظر الإجابة من الإخوة في المجلس المحلي والبلدي وصندوق النظافة!

E-mail: [email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى