حد يدّور بقرة تلحسه؟

> سعيد عولقي:

> هو هكذا نحن في اليمن.. نسكت كثير ونزيد بالسكوت لما نأكل بسكت.. وبعدين ينذلح علينا الكلام من كل ناحية وتجلجل الفعاليات والتجمعات والطمبحات والدنادينات أو الدندنادينات وتهل علينا الأصوات من كل حدب وصوب بكل اللهجات والعمامات والكوافي وكأن القوم قد أصيبوا في رشدهم أو كأنهم فجأة وعلى حين غرة ومن دون سابق مقدمات أو إشارات أو علامات قد اكتشفوا أنه يوجد في اليمن فساد وفساد كبير وكبير جداً وأنه البلد كلها.. الناس.. المجتمع كل فئات الشعب من أكبر كبير إلى أصغر صغير ومن أول موديل إلى آخر موديلات واجيه ما عاد تقدرش تتحمل ثقل الفساد أكثر من كذا لأنه زاد على المعلوم وخرج خراجه على كل الخراريج.

كأن الناس قد صحوا فجأة.. أو أنهم الآن بدأوا يصحوا ويشوفوا انه الموضوع قد زاد فيه الزايد وما عاد يتحملش المحككة والمشككة والهدرفة بالكلام المعسول على نخص التمباك المعشوش على الشيشة واللبن.. والناس هؤلاء الذين وكأنهم أفاقوا فجأة واكتشفوا أنه في اليمن فساد هم هؤلاء هم نفس الناس الذين يدينون الفساد من الطبقة الحاكمة إلى المحكومة إلى المعارضة والمستقلة والكل من الطبقة الساحقة إلى الطبقة المسحوقة.. طيب ما نحنا كلنا من أزيد من عشرين سنة واحنا نكتب وننشر في كل الصحف والمجلات وفي أي مكان يجدي أو لا يجدي فيه الكلام نقول هذا الكلام: ياجماعة الخير الفساد ينتشر ويزيد والبلاد تلتعب.. وكلما كثر الكلام عن الفساد وكثر، زاد عدد الفاسدين وازدهر إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه وأصبح الفساد هو سيد الموقف.. وبهذا التسيد أصبح عتاة المفسدين والفاسدين من أشد الناقدين له والمنددين به.. يعني يبدو أن المسألة أخذت عند أصحاب الحل والعقد والزبط والربط طابع ممارسة الكلام اللي يعجب الناس.. فما دام الناس كلهم يشتمون الفساد ويحملونه كل كوارث البلاد اليمنية السعيدة المباركة، فلابد يعني ومما لاشك فيه أنه هذا الفساد هو شيء مش تمام.. إذن فليكن لنا نحن ومن مواقع السلطة وصنع القرار صوت عالي عال العال ونشتم الفساد ونقطع له من بيسه ما دام هذا يريح الناس ونحنا أيش نشتى للناس إلا الراحة والانبساط والمسألة هي إلا كلام والكلام ماشي عليه فلوس.. المهم ان كل واحد مننا قد ملأ الجاراشات حقه بوابير من أحسن الأنواع وبنى له بيوت في أحسن المواقع واشترى له ضياع وأراضي من أفضل ما يكون وبأبخس ثمن يقرره له الفساد وأكثره بالمجان مقابل خدمته في (صناعة) الثورة والدفاع عن (منجزاتها العظيمة) وحماية الوطن من كل الغزاة الطامعين الحالين الضالين والاعداء المتربصين المتخربصين المحلبطين عيال المحلبطين.

إذن فقد ترسخ الفساد وأصبح له حماة متنفذين منتفعين تزداد أعدادهم كلما دارت دورة الأيام.. وقال لي واحد اقتصادي وقد داهمني وأنا أقرأ صحيفة «الأيام» بعد أن وضع يده عليها لكي يلفت اهتمامي إلى ما سيقوله من كلام خطير:«تعرف أنه في الساعات القليلة التي جلست لتقرأ فيها صحيفة الأيام هذه قد تمت بالتمام والكمال عمليات فساد تزيد قيمتها عن مئة مليون دولار!» قلت له بعدم اكثراث:«لا يا شيخ.. خاف تقصد مئة مليون ريال؟» قال بلغة تأكيد وثقة:«أقول لك مئة مليون دولار!» قلت له:«طيب وأنت كيف عرفت هذا الرقم بالضبط؟ كيف قدرت توصل لهذه المعلومات وأنا وأنت مالناش إلا خمس دقائق مع بعض؟».

قال لي الواحد الاقتصادي هذا:«عرفت بهذا؟!» ووضع صبعه على رأسه جنب أذنه من قدام يعني.. فوق المكان اللي تعود الناس المنتحرين أن يضعوا فوهة المسدس فوقه.. قلت له:«معك خبر غير ذا وإلا روح دور لك بقرة تلحسك!» رد علي بسرعة وانفعال أنني أنا اللي بحاجة إلى بقرة تلحسني أما هو فيعمل سمسار وفتح شنطته قدامي وأمام المارين من السابلة وفيها راح يقلب رزم من أوراق عملات البنكنوت أمريكاني على أورباوي على سعودى على يماني.. واستمارات وعقود وشيكات وكروت اكسبرس وهلمجرا قلت له:«طيب وأيش في؟ أنت سمسار واليمن بلاد مفتوحة أو بالأصح مفلتة ومن حقك توثق الصفقات وتعقد الاتفاقيات فده مش ضد القانون.. بلادنا بلاد حرية!» قال:«لكن دلحين صدقتنا؟» قلت له طبعاً الورق اهه قدامي.. قال:«هذا الشغل يساوي قريب خمسين مليون وزيه بايكون كثير على طول اليمن وعرضها تم في الوقت القصير منذ أن بدأت أنت تقرأ الأيام ولعلمك أنه الشغل ذا لاهو قانوني ولا بانوني بل أنه شغل طباخته كلها مبنية على فساد.. أيوه فساد كامل مكمل ورسمي ومعمل..». قام مودعاً وهو يقول لي:«هيا دلحين روح دور لك على بقرة تلحسك».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى