طوفان المشاكل يغرق اليمن ولجان أزمات تحل محل المؤسسات

> «الأيام» عن «النهار»:

> تحت هذا العنوان نشرت الزميلة «النهار» اللبنانية تقريراً خبرياً من مراسلها في صنعاء الزميل أبوبكر عبدالله فيما يلي نصه:«فجأة غابت وظيفة المؤسسات الدستورية والتشريعية في اليمن لتحل محلها لجان أزمات ألفها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أخيرا بقرارات جمهورية خارج إطار المؤسسات الرسمية وأوكل إليها مهمات حل القضايا الشائكة والمعقدة فيما بدا أنه خيار وحيد للهروب من طوفان أزمات أخذ يتزايد بأشكال عدة في عموم المحافظات.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تقف اليمن على عتبة استحقاقات داهمة: الانتخابات النيابية والمحلية، مشروع التعديلات الدستورية المختلف عليه، مشاريع تعديلات قوانين الانتخابات، السلطة المحلية، الصحافة، المطبوعات، إلى الترتيبات الحكومية لإصدار سلسلة قوانين جديدة قالت المعارضة إنها تضع البلاد بكل قواها السياسية تحت طائلة الشبهات والتفتيش عن الضمائر وفرض العقوبات المزاجية، في إشارة إلى قانون «حماية الوحدة الوطنية».

واخيرا بدا الشارع اليمني مهيئا لمزيد من التصعيد حيال منظومة المشكلات التي ظهرت في المحافظات الجنوبية وأخذت طريقها شمالا مع تدشين المعارضة برنامج اعتصامات وتظاهرات احتجاجية على تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والذي وجد أصداء واسعة لدى الشارع المحتقن بسبب الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار السلع والخدمات.

وإزاء المخاوف من زلزال سياسي محتمل، باشرت صنعاء خطوات إصلاحية أشبه بخطة إنقاذ أشرف عليها علي صالح وتزامنت مع فرض حظر على دخول السلاح إلى العاصمة ومراكز المحافظات ولاسيما مع تلويح صنعاء أنها مستعدة للدخول في مواجهات مباشرة مع رموز الفساد.

وفي غضون أيام أصدر الرئيس قرارات جمهورية متتالية لتاليف لجان عدة أوكل إليها متابعة الظواهر الاجتماعية السلبية المؤثرة على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية وتقويمها ومتابعة شكاوى المواطنين الذين تعرضوا للنهب من نافذين ولجان متابعة نزاعات الأراضي ميدانيا، وهي الخطوات التي حاول فيها الرئيس صالح، بحسب المراقبين، امتصاص غضب الشارع.

ولم تكن هذه اللجان سوى إضافة إلى لجان سابقة الفت للغرض ذاته بدءاً من لجنة الحوار السياسي التي تضم الأحزاب الممثلة في البرلمان ثم لجنة المصالحة والإشراف على اتفاق وقف النار الموقع بين صنعاء والحوثيين، واللجنة الرئاسية المكلفة البحث في مشكلات المحافظات الجنوبية، إلى اللجان المعنية بالإشراف على الأسواق وضبط الأسعار، فضلا عن عشرات اللجان الوزارية التي ألفتها الحكومة للنظر في مشكلات المشاريع التنموية والخدماتية التي تعانيها المحافظات ولاسيما منها ما يتعلق بموارد المحافظات والنتائج السلبية المترتبة عن خصخصة مؤسسات القطاع العام فيها وقضايا العمالة المسرحة من جراء التخصيص، إلى اللجان الرئاسية والوزارية المشكلة من وزارتي الدفاع والداخلية والأمن السياسي للبحث في قضية الضباط المبعدين من الوظائف والمحالين على التقاعد منذ حرب صيف 1994.

مفترق طرق

وثمة من يعتقد أن توجه صنعاء إلى تأليف لجان أزمات جاء محاولة لامتصاص الغضب السائد في الشارع في ظل ظروف استثنائية تعيشها اليمن مع تنامي حال الاحتقان وخصوصا في المحافظات الجنوبية التي شهدت تظاهرات واعتصامات احتجاجية غير مسبوقة.

وعلى رغم كل المشكلات التي قفزت إلى الواجهة دفعة واحدة، فإن القضية الجنوبية كانت الأكثر تفاعلا، وهو ما دعا الرئيس إلى تأليف لجنة لمتابعة الظواهر الاجتماعية السلبية التي تؤثر على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية في محاولة لوقف طوفان أزمات خلفتها هذه القضية ولاسيما بعد إعلان أطرافها في المحافظات الجنوبية عدم القبول بالحلول الجزئية التي باشرتها السلطات ومطالبتها بحل شامل لإغلاق ملف آثار حرب 1994.

وترى دوائر سياسية يمنية أن اختيار الرئيس لعضو مجلس الرئاسة السابق سالم صالح محمد، وهو القيادي السابق في الحزب الاشتراكي اليمني لرئاسة هذه اللجنة، قد عكس نية صنعاء إغلاق ملف حرب صيف 1994، وخصوصا أن القرار الجمهوري وضع في مقدم مهمات اللجنة التي ضمت 73 عضوا من الشخصيات السياسية والاجتماعية والمشيخية تعميق التماسك الاجتماعي وتمتينه، وإشاعة روح التسامح والإخاء وتقويم ما تبقى من الآثار السلبية لحرب صيف 1994 ووضع الحلول المناسبة الكفيلة بإنهائها، إلى تقويم الاختلالات الأمنية المضرة بالسلم الاجتماعي مثل الثأر، المظاهر المسلحة، الخطف، التطرف والممارسات التي تهدد التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية والبحث في أسباب تعثر المشاريع التنموية في المحافظات واقتراح الحلول اللازمة في هذا الشأن.

والحال نفسها في لجنة قضايا الأراضي والمرافق الحكومية التي تعرضت للنهب من نافذين في المحافظات الجنوبية والتي رأسها علي صالح واسند إليها مهمة إيجاد حل جذري لهذه المشكلة.

وتحدثت تقارير عن تورط عدد من العسكريين الذين استغلوا مناصبهم في محافظات عدة واستولوا على أراضي المواطنين ومؤسسات تابعة للدولة في المحافظات الجنوبية التي شهدت أعنف موجة احتجاجات منذ حرب 1994.

اهتزاز الثقة

وعلى رغم الجدية التي أبدتها صنعاء حيال هذه القضايا وغيرها، إلا أن تأليف لجان الازمات عكس حقيقة الصراع المحموم بين التيار الإصلاحي الراغب في إصلاح الأوضاع وتيار آخر يضم العديد من مراكز القوى التي تجني مكاسب من جراء استمرار الأوضاع المتدهورة.

وثمة من يرى أن تأليف لجان أزمات على هذا النحو أكد عدم ثقة الرئيس باركان حكومته في التصدي للمشكلات التي تعصف بالبلد وتهدد الوحدة الوطنية كما عكس وجود مراكز قوى اضطلعت بدور مهم في تعقيد المشكلات وشل قدرة الحكومة على الإصلاح.

ويقول محللون إن محاولات صنعاء التخلي عن المشكلات العاصفة بالبلاد وإيلاء مهمة إدارتها إلى لجان على رغم تعطيلها لدور المؤسسات الحكومية، مثّل خطوة للهروب إلى الأمام ومحاولة جديدة لإدارة البلد بالأزمات اذ أن صنعاء أدركت أن أية حلول من طرفها لم تعد مقبولة لدى الشارع على رغم التنازلات التي تقدمها.

ويشير هؤلاء إلى أن أزمة الحوثي بصفتها نموذجا حيث أنهى اتفاق وقف النار الموقع سراً في الدوحة المعارك، غير أنه لم يحظ بقبول من كل الأطراف، وكذلك الحال مع الحلول التي باشرتها صنعاء للتوافق مع المعارضة ولحل مشكلة الضباط الجنوبيين المبعدين والتي لم تجد هي الأخرى قبولا من الطرف الآخر.

مخاوف سياسية

ولم تخف صنعاء مخاوفها من تصعيد خطير في هذه الملفات ولاسيما بعدما أبدت أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك (خمسة أحزاب سياسية من اليسار والإسلاميين) تأييداً كبيراً لقضايا الناس، إلى تنفيذها برنامج «صيفنا نضال» والذي أثار مخاوف حزب المؤتمر الحاكم من فرص نجاح المعارضة في كسب تأييد الشارع اليمني الواقع تحت نير الفقر والبطالة والفساد في الانتخابات المقبلة.

وزاد من ذلك أن المعارضة ظهرت هذه المرة حاملة أجندة مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية جددت فيها المطالبة بوضع حد للتدهور الاقتصادي والمعيشي ولظواهر الفساد والسياسات الحكومية المغذية للاحتكار واعتماد الشفافية في الإيرادات النفطية والحد من أعمال النهب المنظم للثروة والمال العام ووقف جرعات رفع الأسعار، فضلا عن مطالبها بالإصلاح السياسي الشامل وإغلاق ملف حرب 1994 والحد من الممارسات القمعية ضد الفعاليات السلمية ورفع التضييق الحاصل للهامش الديموقراطي وتعزيز الحقوق والحريات العامة والمواطنة المتساوية والحد من سياسات التمييز وإلغاء الآخر.

ولم تقتصر موجة الانتقادات على المعارضة فحسب، بل تعدتها إلى قيادات الحزب الحاكم التي وجهت أخيرا انتقادات حادة وعلنية الى طريقة تعامل الرئيس وأركان حكومته مع القضايا السياسية والاقتصادية وما اعتبروه خللا في السياسات التي تعتمدها الدولة في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية، الامر الذي عدّ مؤشرا لانشقاقات خطيرة داخل بنية حزب المؤتمر الحاكم.

وبينما تؤكد المعارضة أن الحراك الذي تشهده المحافظات جاء نتيجة حتمية لفساد السياسات الحكومية ومحاولة للنضال السلمي لنيل الحقوق، فان حزب المؤتمر الحاكم يرى أن المعارضة تحاول استغلال الجو الديموقراطي لممارسات تخريبية ولإدخال البلاد في صراعات وانقسامات من أجل تحقيق أهداف سياسية وانتخابية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى