«الأيام» ليست مجرد صحيفة

> حسن علي كندش:

> لم تنزلق صحيفة «الأيام» يوما إلى منحدر الابتذال أو التطرف.. كما لم تسقط أبدا في مستنقع النفاق أو التزييف بل حافظت بذكاء أصحابها الشديد على خط غير منحرف.. تسير فيه عجلات صفحاتها بثبات، محملة بهموم وقضايا الناس في إطار المحيط الجغرافي الذي تصدر منه.. حيث أضحت ليس مجرد صحيفة لكتاب وصحفيين أصحاب ماركة مسجلة أو أسماء مشهورة.. بل قفزت بمهارة فائقة لتتشكل كمؤسسة صحفية اجتماعية.. تهتم بالدرجة الاولى بالموضوع.. وليس بالأسماء.. تغوص في الحدث وليس المكان والأشخاص فقط.. تدفع القضية بمهنية عالية إلى دائرة الضوء بأوسع مساحة تسمح بها حرية الرأي.. هكذا غدت صحيفة تشهر الأسماء والأحداث وليس العكس.. حيث تجوب صفحاتها مختلف تضاريس اليمن الجغرافية..والسياسية أيضا.. فهي مقروءة في تعز كما في لحج.. في عدن كما في صنعاء.. في حضرموت كما في الحديدة.. وأيضا مقروءة من رجل السلطة ومن المعارضة.. ومن المواطن البسيط العادي الباحث عن همه، أو عن المدافعين عن همه فيها، وذلك لأنها صحيفة تجمع في سطورها كل ألوان الطيف بعناية فائقة.. تجبرك حتى وإن اختلفت معها على أن تنحني لها احترما.. ولهذا تتسع دائرتها حولها سياجاً وحريةً.. فتغضب بعضاً ممن يخافون الحرية فيحاولون وقف اتساع دوائر الخنق حولهم حتى لا تبتلعهم تلك الدوائر، التي مابرحت منذ الأزل إلا أن تكون عنوانا لتحريك البحيرات الراكدة.

لم تنأ «الأيام» يوما بنفسها عن أي أحداث أو قضية ساخنة في البلد.. حيث تجدها هناك تسهم بالنقل أو بالتبني أو بالرأي.. لإحقاق حق.. أو تسجيل موقف.. أو البحث عن الإنصاف والعدل من خلال رؤية صحفية صادقة وأمينة تراعي خصوصيات وخطوط وسقوف الديمقراطية اليمنية والمزاج السياسي العام في البلد، فلم ينفلت يوما القلم الصحفي منها حتى لا تجد نفسها فجأة في مشارعة عقيمة.. أو في صراع هامشي يبعدها عن أهدافها.. كما أنها لم تحاول الشطط كثيرا لتحارب طواحين الهواء.. وبالتالي تظهر بطولة لم يحن بعد وقتها.. بل حافظت كمؤسسة على توازن بديع يحفظ لها الريادة.. ولكنها لم تكن أبدا في موقف الحياد السلبي تجاه قضايا وطنية وحقوقية.. كما أنها لم تكن أبدا رمادية الموقف.. فانتقلت بشجاعة من الأبيض إلى الأسود والعكس دون أن تقع في المنطقة الرمادية.. منطقة اللا موقف.. وهذا ما حافظ لها على انتشارها.

إن ظهـور أحدهم هنـا أو هـناك مبـديا تـذمرا أو انتقادا لصحيفة «الأيام» بسبب تبنيها قضية ما.. يدخل هذا في نطاق حرية الرأي.. والاختلاف المشروع.. لكن أن يتآمر البعض بهـدف إغلاقـها فهذا ليس من السهولة بمكان لأنه يندرج ضمن الغباء السياسي، الذي لا يعي تداخل الأشياء بعضها في بعض محليا وعالميـا في زمان ومكان يختلفان كثيرا عن عهود الشمولـية والديكتاتورية.. ففي هذا العصر هناك استحقاقات للمواقف والحرية يجب أن تدفع آجلا أم عاجلا.

من المفروض أن تكون «الأيام» كصحيفة يمتلكها قراؤها حاليا وليس آل الباشراحيل فقط.. وبالتالي إن هي أسكتت فهذا لا يعني سكوت ناشريها فقط.. بل أن يخرس ويعمى أيضا من كانوا يصرخون فيها ويقرؤونها.. فهل هذا ممكن؟!

لقد فتحت «الأيام» صفحاتها لكل من أراد أن يكتب أو يعبر عن رأيه فيها بحرية مطلقة.. كما أنها صحيفة شكلت رأيا عاما تجاه كثير من القضايا المحلية، وأضفت عليها بعدا وطنيا سوف يؤرخ لها في يوم من الأيام.. لذا خذوا ما شئتم من الزمان واتركوا لنا «الأيام» نمارس فيها العشق والألم.. اغتصبوا ما شئتم من المساحات واتركوا لنا المكان.. واعبثوا ما بدا لكم في صفحات إعلام حبره من قوتنا.. وأشبعوه نفاقا.. واتركوا لنا حرية الكلمة.

إننا منذ زمن ونحن نبحث عن قضية..قضية نشبع فيها حتى الدماغ حرية.. ونرتوي منها حتى النخاع أملا وأحلاما.. قضية نلفها بألسنتنا.. ونحملها شعاعا في أصابعنا.. نجوب بها مساحة الأرض من الوطن إلى الوطن حتى ولو نزفت أناملنا يومـا ما عـلى الأقـلام دما بـدل الحبر فلا بد من أن نحمل قضية ما .. أو أن ندافع عن قضية ما.. حتى نكون بدلاً من أن لا نكون.. تلـك هـي إذاً القـضية أن تتسـع مساحة حـرية الكلمة والتعبير إلى أبعد مدى.. لعلها تدفع بالمنافقين جانبا.. وأن يرتفع أيضا سقف الرأي الآخر إلى أعلى فضاء.. لعله يحمينا يوما من تساقط الصواعق الحارقة على رؤوسنا.. فحرية الكلمة والقلم لا تدمى مهما كانت.. ولكن الدماء تسيل عندما تغيب الديمقراطية، فكم حمت أوطاناً الحرية.. وكم من أوطان ضاعت عندما فقدت حريتها.

لذلك دعوا «الأيام» تزين صحفنا وزماننا.. وأتوا بمثلها أو أفضل منها إن كنتم قادرين، فليس من الصعوبة أن تكون محبوبا.. فقط عليك أن تغوص في قضايا الناس اليومية وتحس بها، بدلا من أن تبيع بضاعة انتهى تاريخ صلاحيتها منذ زمن.. ولم يعد أحد يلتفت إليها.. أو أن تتمرغ في بنكنوت النفاق لتضليل القائمين على المعبد.. فينهد.. وتنهدون.

فمنذ زمن ونحن نشكوا ضياع قضايانا العربية عامة بأيد وأقلام ارتهنت في بلاط سلاطين هذا الزمان تبيع وتشتري المبادئ والأوهام بأبخس ثمن.. ونادرا ما نجد من يصارع لتوصيل قضايا الناس المهمومة إلى الناس الموهومة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى