التسوّل في اليمن سبيل سهل للحصول على المال

> «الأيام» الخضر عبدالله محمد:

>
متسول طاعن في السن ومعاق في أحد الشوارع الرئيسية
متسول طاعن في السن ومعاق في أحد الشوارع الرئيسية
ظاهرة التسول في بلادنا وازدياد عدد المتسولين يوما بعد يوم لم تعد في الغالب حاجة فرضتها الظروف المعيشية التي يمر بها المجتمع والأزمة الاقتصادية الخانقة، لكنها اتخذت منحى آخر وأصبحت الطريق الاقرب للولوج إلى عالم الثراء ومصدرا سهلا يدر على صاحبه مئات الآلاف من دون كد وتعب بعدما تعددت فنونه وأساليبه واجتاحت طوابير من المتسولين شوارعنا ومساجدنا و(طفّشت) السياح والزائرين لبلادنا. ظاهرة التسول ليست ظاهرة جديدة أو غير مالوفة وإنما شأنها شأن العديد من الظواهر الاجتماعية تبرز دوما وتتزايد في ظل عمليات التغيير والتحولات التي تشهدها البلاد والارتفاع في الأسعار وزيادة معدلات البطالة أمام قطاعات واسعة من أفراد المجتمع، ومما يتوقع تزايد نطاق ممارسة التسول في ظل تراجع دور الدولة وضعف برامج الرعاية الاجتماعية.

مراكز ومواقع المتسولين

تعد ظاهرة التسول من ظواهر الانحراف الاجتماعي والفردي، والملاحظ أن مجتمعنا اليمني يعاني تفشي هذه الظاهرة بصورة لافتة للأنظار

وينتشر المتسولون في معظم نواحي المدن الرئيسية ويتركز سلوكهم في مواقع التجمعات السكانية والأسواق التجارية وبجوار إشارات المرور.. فعلى سبيل المثال نجد أكبر تجمع للمتسولين في المواقع التالية :

- أمام اشارات المرور الضوئية.

- في الاسواق.. لا يمكن أن تدخل السوق دون رصيد جيد, لذلك يكثرون في الأسواق فمنهم من يطلب مباشرة بترديد الأدعية لك ومنهم من يطلب قرضا صغيرا. ولو طلبت أن تشتري له حاجة رفض لأنه يريد جمع النقود.

- في المطاعم.. استغلالا لصبغة الجوع ويحب الناس أن يطعموا الطعام فإن كثيرا من الشحاذين والمتسولين، عندما ينهكه تعب جمع الأموال (بدون تعب) يتجه آخر الدوام إلى مطعم كي يتعشى مجانا على حساب الزائر أو الزبائن أو البائع.

- في أماكن السياحة.. السائح رجل غني عنده مال فائض لذلك سافر للسياحة، فكثير من المتسولين يستهدف السائحين الذين يراهم يبذلون المال دون حساب.

- في البنوك.. عندما تسحب مبلغا من المال فإنك ستصبح أكثر استعدادا للبذل، ولأن البنوك باتت في بلادنا مجمعا وموقعاً للمتسولين والشحاذين.

متسولة معاقة تفترش الأرض
متسولة معاقة تفترش الأرض
اعتماد المتسولين على الإعاقة والمرض والجروح والتقرحات

أصبح ذلك اعتمادا تعتمد عليه بعض الأسر، حيث إن بعضها ترى في المولود المعاق حركيا أو ذهنيا نوعا من مكاسب الرزق، واللافت للأنظار أن عددا من المتسولين المعاقين الذين يرافقهم أحد أفراد الأسرة لا يحظون بالرعاية الصحية من قبل أسرهم ويستغلون أسوأ استغلال، حيث يتبادل أفراد من الأسر للدفع بهذا المعاق في شوارع المدينة وأمام المساجد والمحلات التجارية بغرض التسول وكسب المال من خلال استجداء العطف والرحمة وعرض المعاق في أسوأ صورة. وبعض الحالات لأطفال معاقين ومصابين ببعض الجروح والتقرحات التي تستدعي نقلهم إلى المستشفى للعلاج، إلا أن أهاليهم يعمدون إلى عرضهم وخدش هذه الجروح وإثارتها حتى لا تشفى ويبقى حال الطفل المعاق يثير الرحمة والشفقة في نفوس الناس ويعطفون عليه بمساعدته بالمال الذي لا يستفيد منه وإنما يستفيد منه القادرون على العمل من أفراد أسرته.

وعلى صعيد آخر فإن البعض يمارس التسول نتيجة لحالة مرضية لديه، وهذا النوع قد يتعود على ممارسة هذا السلوك ثم التكيف عليه، ويصبح مكسبا للمال، وغالبهم غير محتاجين ماديا ولكنهم بحاجة إلى تعويض نقص لديهم ممثل في العاطفة فيتسولون العاطفة والرحمة من الآخرين نتيجة لافتقارهم إياها.

أساليب متنوعة ومواقع جيدة

ومن المتسولين من ينتشرون بكثرة ويستخمدمون أساليب مختلفة لاستجداء العطف والشفقة وجعل الناس يخرجون من جيبوهم وحقائبهم النقود لمساعدتهم، ومن هذه الأساليب استخدام الحيلة منم خلال ادعاء البعض بأنه ضرير أو من خلال اصطحاب الأطفال وكذلك استخدام العبارات المؤثرة والديباجة التي يأتون بها في مقدمة خطبهم حتى حفظها الناس وخاصة في المساجد وهي «أيها الناس! تعلمون أن مقادير الله تقدر على كل إنسان فلقد قدر الله علي (والدي أو والدتي أو زوجتي) مرض.. السرطان، أو الفشل الكلوي، أو حادث سيارة، فانتقل إلى رحمة الله فترك أو تركت لي سبعة أو ثمانية أطفال وأنا أكبرهم ولا أجد ما أعيشهم عليه من مأوى أو مشرب أو ملبس فارجو من الله ثم منكم التعاون على المستطاع وجزاكم الله خيرا». أو «أنا جيعان لم آكل الطعام منذ ثلاثة أيام.. نحن يتامى...إلخ». إضافة إلى استخدام الدعاء لمن يعطيهم المال، وكذلك يستخدمون أسلوبا آخر عندما تنادي الأم أو الأب بالمايكرفون والأطفال حولهما في ركن أو وسط شارع مزدحم وينادي بعبارات تثير العطف والرحمة والشفقة والانتباه.

ويسعون باستخدام هذه الأساليب إلى إثارة العطف والشفقة التي يضعف أمامها الإنسان من خلال اختلاقهم لقصص وهمية لأموال قد سرقت منهم أو أسرهم المريضة أو يطلبون من ضحيتهم بعض الريالات ليتمكنوا من ركوب سيارة أجرة أو يعرضون تقريرا طبيا مزيفا وغيرها من الأساليب والحيل والخدع.والملاحظ أن هذا النوع من المتسولين يحترف هذا السلوك، فنجده يختار الأوقات والمواقع المناسبة لممارسة التسول فهو يواظب على الوقوف أمام المسجد عند الصلاة، لا سيما صلاتي المغرب والعشاء نظرا لكثرة عدد المصلين، كما أن البعض الآخر منهم يسافر من محافظة إلى أخرى لممارسة مهنة التسول، وبعضهم يجند نفسه وجميع أفراد أسرته لممارسة التسول في شهر رمضان، مستغلا الحالة النفسية للصائم الذي يمارس العبادة وذكر الله في هذا الشهر أكثر مما يمارسه في الأشهر الأخرى.

متسولة معاقة بالشارع الرئيسي
متسولة معاقة بالشارع الرئيسي
كما أن الاغنياء يخرجون زكواتهم على أموالهم في هذا الشهر لذلك فإن المتسولين يزيد عددهم لدرجة أن البعض منهم يعملون ولديهم مصدر دخل ثابت وليسوا بحاجة إلى ممارسة مهنة التسول، وآخرون يحبون البقاء على القذارة والأسمال المتسخة على الرغم من جمع المال الوفير، وهذا ملحوظ بجلاء فيهم.

إن المتسولين الذين يمارسون التسول كمهنة ووظيفة يستخدمون الحيل والخدع بحيث لا يرقى الشك إليهم، وبهذه الحيل والأساليب أصبحوا يملكون المال بكل يسر وبأقل جهد وهؤلاء يحصلون يوميا على مبلغ يترواح ما بين (1000 إلى 2000) ريال تزداد في أيام العطل والمواسم .

وبذلك فإن دخل المتسول يصل شهريا إلى ثلاثين ألف ريال وأكثر غير خاضعة للضرائب.. وعلى العموم ستظل قضية التسول مشكلة قائمة تؤرق المجتمع ما لم توضع على طاولة البحث من قبل المهتمين والمعنيين، ودراستها عبر نزول ميداني، واتخاذ الحلول المناسبة والناجعة للحد منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى