العربية تشتكي من عقوق أبنائها

> «الأيام» عبدالناصر النخعي:

> إن نزول الكتاب الكريم، القرآن العظيم باللغة العربية لهو تشريف لهذه اللغة وتكريم للناطقين بها. وفي ذلك أيضاً دليل على فضل هذه اللغة على سائر اللغات والألسنة، لما فيها من المزايا البيانية، والخصائص اللغوية، ما ليس في غيرها، فهي اللغة التي حملت العلم الإلهي، والبيان الرباني.

وقد ذكر الشيخ الجليل أبو الفتح عثمان ابن جني في خصائصه أن علماء العربية ممن أصله أعجمي إذا سئل عن حال اللسانين وعن الفرق بين اللغتين اللتين يجيدهما وفضل إحداهما على الأخرى، لا يسوي السائل بينهما، بل لا يكاد يقبل سؤالاً مثل ذلك السؤال استبعاداً واستنكاراً أن يكون هناك من اللغات ما تعدل العربية، والأمر كما يقال في العصر الراهن: لا وجه للمقارنة.

ولما جعل الله اللسان العربي هو اللسان الذي يرفع به الأذان، وتقام به الصلاة ويخطب به الخطب، وتؤدى به المناسك، أوجب على المسلمين جميعهم تعلمه كي يفهموا دينهم.

وفي ما مر بنا دلالة واضحة على أن هذه اللغة باقية، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولن يصيبها ما أصاب أخواتها من الضعف والمرض والموت.

ولكن المشكلة التي تعانيها العربية هي عقوق أبنائها، المتمثل في إهمالهم قواعدها وعدم اكتراثهم بتعلمها، إلى أن عمت اللهجات العامية وطمت على كلام الناس عامتهم وخاصتهم، وصار الأمر كما نراه ونقرؤه ونسمعه ونتكلم به اليوم، بل يصل الأمر أحياناً إلى العجمة التي تسيطر على لسان بعض العرب، وإلى الله المشتكى.

والأدهى والأمرّ أن نسمع ذلك اللحن القبيح، والكلام غير الفصيح من أناس يعدون من أصفياء المجتمع وأنقيائه. أعني بذلك المدرسين والخطباء والواعظين!

فيا ليت شعري كيف سينفذ كلام ذلك المدرس أو الخطيب أو الواعظ إلى قلوب الناس وإلى آذان مستمعيه إذا كان يتكلم ويخبط خبط عشواء ولا يكاد يبين، ويكون حاله وحديثه على لغة الأعاجم الذين لا يحسنون العربية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولربما يصرف عنه الأسماع ذلك اللسان المثخن باللحن والخطأ، علم ذلك أم لم يعلم، ويصبح حاله كقول الشاعر:

ربما ضرّ عاشق معشوقاً

ومن البر ما يكون عقوقاً

فها هي أمّنا العربية تشتكي إلى الله، وتنحب بالبكاء لما تراه وتسمعه من أبنائها وتعاني من العقوق. فهلا أقبلنا إليها وعاهدناها على الطاعة والبر والإحسان إليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى