في المكلا جيل المعاناة يصنع الغد

> صالح حسين الفردي:

> كنت في العدد (5170) من صحيفتنا الغراء «الأيام»، وفي محطتها الأخيرة قد كتبت موضوعاً بعنوان (حزب المعاناة الوطني) أشرت فيه إلى أن الحراك المجتمعي بدأ يزحف نحو تلمس أدوات تعبير جديدة خارج إطار الحزبية الضيقة، ويشكل لغته ومفاهيمه وأهدافه، مغيراً قواعد اللعبة السياسية في الوطن عامة، ويؤكد قدرته الكبيرة على تحمل تبعات هذا الاختيار، واستعداده الدائم لتقديم قرابين التضحية، المُشكِّلة لغده الذي يرجوه ويأمله، ويطمح كثيراً في رؤيته سائداً في كل زوايا حياته وإيقاع يومه، رغبة منه في احتضان مستقبله الخالي من الملامح المستفزة والبعيد عن الخطوط الحمراء، ناسجاً طريق الاخضرار الذي لم يعد هدفاً يلحظه في معاناته اليومية.

هذه الرؤى والمعاني برزت بقوة خلال اليومين الماضيين في مدينة المكلا الحاضنة أهلها بود وسلام ومحبة، المدينة المرسلة دفئها وحنوها لكل قادم إليها، إذ تعودت كثيراً على إطلاق الابتسامة عند قدومه وأثناء بقائه ولحظة مغادرته، ولكن انتفض جيلها الجديد في فعالياته السلمية ليعلن عن معاناته الطافحة بالسوء مع شارقة كل صباح، مستشعراً غربة المكان، ونادباً حظه العاثر في امتداد الزمان، فتوالت هواجس الرحيل والاغتراب كي يخرج من دائرة الحصار اليومي الذي يقتاته مع خيالات الرغيف المرهف إلى التلاشي، ويهضمه مع كل حبة أرز حافة جافة يبتلعها بمرارة وهو يطوي مرارة يوم ذهب هباء، وعاد، عاد بعد أن أيقن أن مأساته هنا، وغده هنا، وقادمه هنا، لذا كان هذا العبث الجديد الذي شكلته بقوة قسوة المعاناة، فبلغ الرشد السياسي، ولم يعد في حاجة إلى من يرشده إلى مسالك الطريق وتعرجات النوايا وخفايا النوازع التي تحاصر الرموز الحزبية، وتقيد حركتهم، وقد كان له ما أراد ففرض نفسه معادلاً جديداً يرسل إشاراته واضحة جلية بعد أن شكل جمعيته (جمعية العاطلين عن العمل)، وهي جمعية تشير إلى مأساة إنسانية واجتماعية تراكمت على مدى الأعوام الماضية، مشكلة تربة صالحة لهذه الظاهرة التي لم ترصدها السلطة المحلية بالمحافظة، بل، ربما، تعاملت معها بعنت وإرسال الوعود الانتخابية التي لا تشبع بطناً ولا واست معاناة، ولم تستطع كل ألوان الطيف السياسي (البرجماتي) أن تتلمسها مبكراً، وتضعها ضمن أجندتها المطلبية الوطنية، ولم يع الكثير من حملة المباخر والتزلف والنفاق خطورة استمرارها، وهم- كما يجب أن يكونوا - أقرب إلى رصدها وتحليلها وتنوير السياسي المنغمس في غيه بما يحتلونه من مكانة لدى هذه النخب السياسية، ولكن بقي وسيظل جيل المكلا الجديد مرسلاً معاناته التي حتماً ستصنع غده المنشود، وما على القوى السياسية في السلطة والمعارضة إلا تبني هذه المشاريع الشبابية الصغيرة والأماني الخضراء، علها تكفر عن ذنبها الذي اقترفته بقصد أو بغفلة، ذلك أن المكلا- اليوم- غدت لها ملامح أخرى تكاد تفصل بين زمنين وجيلين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى