لغة الضاد وتكنولوجيا المعلومات

> «الأيام» د.محمد حامد الحداد:

> من قال إن لغة الضاد التي أنزل بها القرآن تعيش حالة احتضار في ظل تكنولوجيا المعلومات واسعة الانتشار؟! والإجابة تأتي من بيت العرب الكبير الجامعة العربية التي استدعت على التو أطباء اللغة العربية ليبحثوا في أمر جلل هو لغتنا الأم ودورها في تنمية المعرفة العربية، غير أن أطباء اللغة خيبوا الظن بهم فانقسموا إلى فريقين، والعهدة هنا على الراوي.. فريق دعاة التحنيط والآخر أدعياء التفريط، والنتيجة بلا تطويل باتت معروفة ويدركها اللبيب.

وعطفاً على ما سبق أزعم أن النتيجة التي وصل إليها الفريقان تحمل شيئاً من لهو الحديث، فلغة الضاد استطاعت في دولة المدينة ومن بعدها دولة الخلافة أن تستوعب علوم أمم سابقة مترجمة إياها إلى اللغة العربية.. يدرسها ويقرؤها من أراد، حتى أبدع عبرها كوكبة من العلماء في مختلف فروع العلوم الطبيعية والإنسانية، واسألوا التاريخ يحدثكم عن جامعة «بادوا» في إيطاليا إبان العصور الوسطى، كيف استقبلت أفواجاً من مختلف البلدان العربية، درسوا وتعلموا مختلف العلوم وأجيزوا علمياً من قبل هيئة تدريس عربية، وعادوا إلى بلدانهم بعلم وتراث مشرق هو من صنع العرب، يومها كانت الأندلس قلعة محصنة بعلم وحضارة عربية - إسلامية آية للعالمين.

إذاً باللغة والرجال والمعرفة أسهم العرب وشاركوا بفعالية في بناء الحضارة الإنسانية التي نعيش في ظلها حالياً، وبالإسلام عقيدة وشريعة، أخلاقاً وتسامحاً، تعايشاً واعترافاً بالآخر.

ويومها العمل الصالح كان ديدننا والعدالة الاجتماعية هدفنا وتقوى الله غايتنا، وباختصار كان السير بهدي الله نحو الله، وبهكذا منظومة من العطاء بلغت الحضارة العربية - الإسلامية ذروتها مشكلة أنموذجاً للحكم العادل والمجتمع الراشد جذب العقول قبل القلوب، وكان ذا بريق للشعوب المستضعفة من شتى البلدان في أرض الله الواسعة والقابعين تحت سطوة وقهر المستبدين الطغاة.. والسؤال هو، هل يكافأ خاتم الأديان ولغة خاتم الأنبياء والرسل بهكذا دونية؟! كلا فلا الإسلام دين تخلف ولا اللغة العربية عقيمة حتى نصادر حقها وإمكاناتها الواسعة في استيعاب متطلبات العصر وتكنولوجيا المعلومات.

صحيح أن هناك قصوراً في مواكبة لغة الضاد لمتطلبات تكنولوجيا العصر لكنه من صنع أناسها وناطقيها، أما هي كلغة فما شاء الله! وكما أسلفنا فهي مؤهلة وتمتلك كافة الشروط للتعاطي والاندماج الفعال مع متطلبات القرن وأهله وعلى شتى الصعد. إن شل حركة الإبداع وتعطيل طاقات التجديد المنتجة لتسميات جديدة وألفاظ حديثة وصيغ وتراكيب من نوع جديد مرتبط بالحرية: حرية التعبير، حرية الفكر والبحث العلمي، ودعم الترجمة بغير حدود، فهي الوسيط الثقافي - المعرفي بين مختلف الشعوب والأمم.

امنحوا اللغة العربية الحرية كل الحرية لتحيا تتحرك وتتجدد وتصبح كالحياة خلاقة ومبدعة، وتلك هي شروط اندماج لغتنا الأم في عصر تكنولوجيا المعلومات واستيعابه والمشاركة فيه باقتدار.

ومسك الختام، لنجاح عملية تعريب العلوم وتعليمها باللغة الأم ينبغي أولاً الاعتراف بأنها لغة وأداة تعلم مركزية لا مادة مثلها مثل أي مادة في جدول الدراسة اليومي، ونضيف أنها مكون أساسي ورمز كبير لمنظومة العقيدة، الهوية، الانتماء.. وللموضوع بقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى