رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> أسرة طرموم والسيد أحمد بن عيسى المهاجر:ورد في كتاب «حضرموت 1935-1934م» لمؤلفه: دبليو. إتش. إنجرامس وقام بتعريبه الراحل الكبير د. سعيد عبدالخير النوبان (ص 51) تقسيم سكان حضرموت، وعندما تناول عنواناً فرعياً عن «أهل المدن» أفاد إنجرامس بأن سكان المدن في حضرموت ينحدرون من حوالى ثمانين أسرة كانت قد هاجرت من العراق مع السيد أحمد بن عيسى (993-874م) واستوطنت تريم وسيئون وشبام والغرفة ودوعن، وأورد إنجرامس أسماء الأسر التي استوطنت تلك المدن ومنها «الغرفة» التي استوطنها آل باعباد وآل مسلم وآل طرموم وآل شيبان.

تناول إنجرامس مدن السلطنة الكثيرية سيئون وتريم، وورد في الصفحة(147): «و(تريس) قرية صغيرة غربي سيئون يبلغ تعدادها حوالى 700 نسمة، كما أن مريمة قرية صغيرة أيضاً إلى الشرق من سيئون ويسكنها 300 نسمة، أما الغرفة فقرية شمال تريم وسكانها حوالى 250 نسمة، وغيل بن يمين منطقة جميلة كمصيف، وهي قرية صغيرة غالبية سكانها من البدو».

آل طرموم في أرشيف عدن:

من يطلع على كتاب «التعليم في وادي حضرموت: النشأة والتطور 1905-2005م» إعداد (لجنة توثيق تاريخ التعليم بالوادي، بمكتب التربية والتعليم بالوادي والصحراء، محافظة حضرموت - سيئون - ص 50) يجد أن مدرسة طرموم الأهلية بالغرفة جاءت استعادة لمدرسة «الدعوة الخيرية» التي أسسها الشيخ القاضي عبدالرحمن عبدالله باعباد عام 1344هـ (حوالى 1925م)، وقام بتمويلها صالح عبيد بن عبدات (دون الإفصاح عن اسمه) عبر وكيله أخيه عمر عبيد بن عبدات، ومنه إلى منصب آل باعباد «بن عباس» إلى أن أصبحت تحت إشراف الشيخ عبدالله عبدالرحمن طرموم وهو من أغنياء بلدة «الغرفة»، الذي قام ببناء المبنى الحالي للمدرسة، الواقع في وسط بلدة الغرفة أمام جامعها الكبير، وتحمل الصرف عليها من ماله الخاص وعرفت باسم «مدرسة طرموم الخيرية» عام 1368هـ (حوالى 1949م)، وقد أوقف الشيخ طرموم لصالح المدرسة منزلين في مدينة عدن، وكان ولداه خالد وفؤاد يحصلان إيجاريهما ويرسلانه إلى ناظر المدرسة آنذاك الشيخ عبدالله محمد محروس، الذي جاء خلفاً للشيخ عوض بكران طرموم.

الميلاد والنشأة

محمود محمد طرموم من مواليد عام 1944م وتلقى مراحل دراسته في عدن وعاش في كنف والده الحاج محمد طرموم، الذي استقر في عدن في أواسط الخمسينات من القرن الماضي بعد اغتراب لعدة سنوات في بلاد الصومال وقد فتح رحمه الله متجراً متواضعاً في منطقة القاهرة، إحدى ضواحي الشيخ عثمان إلى جانب سكنه، قبل أن تنتقل الأسرة إلى منطقة المنصورة.

حصل الفقيد محمود طرموم على عدة مواضيع علمية وأدبية في «شهادة الثقافة العامة» GENERAL CERTIFICATE OF EDUCATION من جامعة لندن عام 1962م عقب إكماله الدراسة الثانوية في كلية عدن وأمضى بعد ذلك عامين إضافيين (سنة خامسة وسادسة) ووفق في الحصول على بعض المواضيع في شهادة الثقافة العامة ولكن هذه المرة في «المستوى العالي» ADVANCE LEVEL بعد اجتيازه «المستوى العادي» ORINARY LEVEL وذلك في العام 1964م.

تجربة عدن في رعاية الطلاب المتفوقين:

كان كل شيء جميلاً في عدن ولو أخذنا نظام التعليم مثلاً نجده نظاماً نموذجياً فتلاميذ المدارس الابتدائية كانوا يتمتعون بحصتهم الصباحية من اللبن والموز وكانوا يخضعون للفحص الدوري في العيون وكان مراسل المدرسة يأخذ الطلاب المرضى كل صباح في طابور إلى العيادة الحكومية، اما الكراريس والكتب فكانت مجانية في المراحل الثلاث.

من الظاهر الجميلة أيضاً أن المرافق الحكومية والخاصة كانت تستقبل الطلاب في العطلة الصيفية Sommer Vacation للعمل في مكاتبها لمدة ثلاثة أشهر براتب رمزي يعينهم على تجهيز أنفسهم للعام الدراسي الجديد ولاكتساب خبرات جديدة.

ثمة مرافق اقتصادية كانت ترعى الطلاب المتفوقين خلال التحضير للثقافة العامة- المستوى العالي وتنفق على دراستهم الجامعية في بريطانيا وعند عودتهم بعد التخرج يلتحقون بتلك المرافق منها: أمانة ميناء عدن ADEN PORT TRUST وشركة مصافي الزيت البريطانية B.P وهيئة الكهرباء العدنية، أما بالنسبة للطالب النابغة محمود محمد طرموم فقد طمعت غيه شركة B.P وكان يتلقى إعانة شهرية مجزية قبل سفره إلى بريطانيا وتحملت الشركة بعد ذلك تكاليف تذاكر السفر والملابس ورسوم الدراسة والإقامة والإعاشة أثناء سنوات الدراسة الجامعية.

طرموم يحمل صفة «المهندس القانوني»:

في العام 1964، غادر محمود طرموم إلى بريطانيا لدراسة الهندسة الميكانيكية وأكملها في العام 1968م بحصوله على بكالوريوس بمرتبة الشرف B.Sc (Hons ومن واقع وثائق الفقيد محمود طرموم، فقد أصبح الفقيد العضو المنتخب لدى مؤسسة المهندسين الميكانيكيين في 7 يناير، 1976م وتم تسجيله «مهندس قانوني» اعتباراً من تاريخه، كما منحه «مجلس المؤسسات الهندسية» (CEI) البريطاني صفة «مهندس قانوني» في 24 يونيو، 1983م وهي أعلى مرتبة هندسية في بريطانيا ويعول عليها كثيراً كمرجعية للاستناس بالرأي أو المشورة، ووصل الفقيد طرموم إلى هذه المرتبة قبل أن يكمل عامه الأربعين وذلك دليل نبوغه ولم يأت هذا الدليل من بلد نام أو متخلف، بل جاء من بلد متقدم ومن مؤسسة الصفوة في هذا المجال في بريطانيا.

طرموم برتقي كل درجات السلم في قطاع الكهرباء:

في العام 1968م، يعود المهندس محمود طرموم من بريطانيا ويلتحق بشركة مصافي الزيت البريطانية (B.P) التي أصبحت شركة مصافي عدن (ARC) وبعد عام واحد (1969م) التحق بالهيئة العامة للقوى الكهربائية وعمل فيها مهندساً للصيانة الميكانيكية وبعد فترة وجيزة عين ناظراً لمحطة التوليد.

في العام 1976م، يعين المهندس محمود طرموم، كبير مهندسي الهيئة العامة للقوى الكهربائية، وارتقى درجات السلم في مايو 1977م عندما عيم قائماً بأعمال الرئيس التنفيذي للهيئة حتى نهاية 1978م، عندما عين رئيساً تنفيذاً للهيئة ومارس مهام منصبه حتى أغسطس 1982م، وخلال هذه الفترة شهد قطاع الطاقة الكهربائية تطوراً نوعياً ملحوظاً في العاصمة والمحافظات الأخرى وكان له الفضل في انتشال القطاع من الأزمة التي واجهته منذ بدء تلك الفترة.

طرموم يحمل معه الكهرباء إلى وزارة الطاقة والمعادن:

عين المهندس محمود طرموم مساعداً لنائب وزير الطاقة والمعادن خلال الفترة 1982 - 1986م وعين في العام 1986م نائباً لوزير الطاقة والمعادن لشؤون الكهرباء والمياه وأبلى طرموم بلاء حسناً في أداء واجباته كخبير في مجال الطاقة وتجلى ذلك في الندوات والمؤتمرات العربية والدولية في مجال الطاقة التي شارك فيها.

كما عاصر طرموم مشروع المحطة الكهروحرارية بالحسوة منذ بدء المشروع في بداية السبعينات حتى يوم وفاته في موسكو حين كان يقوم برئاسة وفد عن الجانب اليمني للتفاوض والتباحث حول بعض قضايا المشروع، وشهد بذلك م. محمد عبدالعليم المدير العام الأسبق للهيئة العامة للقوى الكهربائية بأن الفقيد طرموم كان يرى بعدم قبول وحدات توليد في المحطة قدرتها (55) ميجاواط لأسباب فنية واقتصادية أي لو أننا قبلنا بهذه القدرة (55 ميجاواط) فلابد من وجود قدرة احتياطية تساوي هذا الرقم وهذا معناه تعطيل لحجم كبير من القدرة المركبة لمواجهة الطوارئ وأعمال الصيانة لمنظومة كهربائية صغيرة لا تستوعب هذا الحجم من المولدات بالإضافة إلى تكاليف اندثارها وغيره.

وفي العام 1982م والكلام هنا لمحمد عبدالعليم :«ثبت صحة هذا الرأي وتم الاتفاق على إقامة المحطة بخمس وحدات توليد قدرة كل مولد (25) ميجاواط وهو الاتجاه الصحيح الذي ثبتت صحته خلال الفترة المنصرمة والحالية من تشخيل المحطة».

طرموم يتألق هنا وهناك:

انتخب محمود طرموم عضواً في مجلس الشعب الأعلى عام 1978م وأعيد انتخابه عام 1986م وكان خلال الفترتين عضواً في اللجنة الاقتصادية للمجلس، كما كان المهندس طرموم من الأعضاء الناشطين في جمعية المهندسين اليمنيين (لاحقاً اتحاد المهندسينن اليمنيين) وقدم عدة مساهمات في ذلك الإطار. كان طرموم أيضاً رئيساً للجنة الفنية المتخصصة التي تساعد لجنة المناقصات المركزية للبت في العروض المقدمة لها.

من نشاطات الفقيد طرموم الأخرى، أنه كان رئيساً منتخباً لمجلس الآباء في مدرسة الشهيدة فاطمة الموحدة لفترتين متباينتين. ومن مظاهر تألقه تلك التي شهد بها محمد عبدالعليم أنه تم استيراد بعض المولدات الغازية من الشمال وتم وضع واحدة منها في مصنع الغزل والنسيج خلال الفترة 1981-80م وعند تعرض المولد للعطب كان الفقيد طرموم، رئيس الهيئة العامة للقوى الكهربائية يحضر بنفسه إلى المصنع لإصلاح العطب وإعادة تشغيل المولد لتشغيل أقسام المصنع (كتاب التأبين- ص 38).

وفاء طرموم.. العطاس يكرمه وبن حسينون يزور ضريحه:

في 30 سبتمبر ، 1989م وفي العاصمة السوفيتية، موسكو انتقل المهندس محمود محمد طرموم إلى جوار ربه عن عمر ناهز الـ (45) عاماً وجرت ظهر الأربعاء 5 أكتوبر، 1989م مراسيم تشييع جثمان الفقيد طرموم، عضو مجلس الشعب الأعلى نائب وزير الطاقة والمعادن إلى مثواه الأخير بمقبرة مدينة المنصورة وتصدر الموكب الجنائزي الأخ حيدر أبوبكر العطاس، رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ود.ياسين سعيد نعمان، رئيس مجلس الوزراء وسعيد صالح سالم، وزير أمن الدولة.

في 9 نوفمبر، 1989م منح الأخ حيدر أبوبكر العطاس، رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى الفقيد المهندس محمود طرموم وسام الاستقلال (30 نوفمبر) وبمناسبة الحفل التأبيني لأربعينية الفقيد طرموم في 10 نوفمبر 1989م في مبنى وزارة الصناعة والتجارة والتموين بالمعلا (الذي يتبع المؤسسة الاقتصادية العسكرية حالياً) قام الأخ صالح أبوبكر بن حسينون، نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والمعادن يرافقه عدد من المسؤولين بوضع إكليل من الزهور على ضريح الفقيد طرموم.

خلف المهندس محمود محمد طرموم أرملة وولدين (مازن) و(وائل) ورصيداً اجتماعياً وعلمياً ورصيداً مماثلاً في احترام شرف المهنة وحب الوطن، العملتين النادرتين هذه الأيام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى