نظرة طائر..

> فضل النقيب:

> نختم بهذه الزاوية اليوم نظرة الطائر التي ألقيناها على كتاب «هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن» للأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي المشهور بـ «القومندان»، وهو كتاب فريد في بابه يجمع ما تناثر في بطون المراجع المتباعدة زماناً ومكاناً ليصوغ منها بمهارة حِلية أدبية تاريخية تتوّج بالشاعر الكاتب وعصره وما رآه بعينيه وسمعه بأذنيه وعايشه بحلوه ومره، وكذلك ما عثر عليه من وثائق في خزائنه وخزائن أهله من مرويات التاريخ وسير رجال القرار، وقد جاء في «الخاتمة»:«والله سبحانه وتعالى يعلم أنني لا أقصد من وضعه (الكتاب) ولا أريد بطبعه ونشره إلا خدمة الحقائق والتاريخ، حتى يكون لدى الناطقين بالعربية مرجع عن «مخلاف» جرى عليه ما جرى على سائر أنحاء الجزيرة العربية، بل هو في الواقع مخلاف حقيق بعناية أهله، إذ يدهشني أن أرى في سياحاتي من لا يعرف عنه شيئاً، كأن أهله من سكان المجاهل لا من سلائل الصِّيد الأوائل».

إن ما ينال الطاعنين في العمر من وصول إلى أرذل العمر «حتى لا يعلم من بعد علم شيئاً» ينال الشعوب التي تنعم في الجهالة على حد قول المتنبي:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

حتى يقيض الله لها من أبنائها من يعيد بناء الذاكرة لتكون حافزاً على البناء الموصول ثقافياً وحضارياً، على غرار ما فعله الأستاذ عبدالله محيرز في الجانب العمراني لمدينة عدن وما ينهض به الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني في الجانب الثقافي والمعرفي لـ «فرضة اليمن» التي نقل القمندان عن بعض مؤرخي الإفرنج لما قبل الإسلام قولهم عنها:«إن مدينة عدن زهت بتجارتها على عهد الرومان حتى نافست تجارة القسطنطينية فجاءت أساطيل الرومان وأخربوها لمنافستها لعاصمتهم».

ويضيف:«وذكر بعضهم أنها دخلت تحت حكم الرومان وكانت مركزاً تجارياً مهماً دعاها الرومان يومئذ (رومانيوم أمبوريوم) أي مخزن الرومان».

ونقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، ألم تكن في شبابنا نحن الذين مازلنا نقرأ ونكتب ثالث موانئ العالم قاطبة والمنافس العنيد لهونج كونج وسنغافورة صاحبتي أعلى المداخيل الفردية في عالم اليوم؟ فأما الموقع الإستراتيجي والإطلالة على القارات والبيئة القابلة للتكيف فلاتزال على حالها، ولكن العقول تتغير بتغير الأحكام، فهناك من يرى ويعمل وهناك من لا يرى ولا يعمل، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون!

ويقول ديودوروس الصقلي المتوفى سنة 80 قبل ميلاد المسيح:«وكأن خزانات الدنيا كلها وثرواتها في بلاد العرب السعيدة اجتمعت في سوق واحدة». وينسب إلى «أغاثرسيدس» المتوفى سنة 145 قبل الميلاد وصفه لبلاد اليمن وتجاراتها ومحصولاتها والوارد إليها في عهد القيصر الروماني «بتولمي فيلومايتر» قوله:«يوجد في سبأ كل شيء يجلب السعادة لبني آدم، وغير المحصولات المشهورة يوجد فيها اللبان والمر والقرفة، وكانوا يطبخون مأكولاتهم بالأخشاب ذات الروائح الزكية، وكانوا في أرغد عيشة وفي راحة ونعمة يحسدهم عليها الأمراء والسلاطين».. ومفهوم الكلام أنه يتحدث عن عامة الناس.

ونسب إلى صاحب «مسالك الأبصار» قوله:«عدن أعظم مراسي اليمن، وخزانة ملوكهم، ومحط رحال التجارة، ولم تزل بلد تجارة من زمن التبابعة إلى زماننا هذا، وإليها ترد المراكب الواصلة من الحجاز والسند والهند والصين والحبشة، ويمتار أهل كل إقليم منها ما يحتاج إليه إقليمهم من البضائع» وإلى صلاح الدين بن الحكيم قوله:«ولايخلو أسبوع من عدة سفن وتجار واردين عليها وبضائع شتى ومتاجر منوعة، والمقيم بها في مكاسب وافرة وتجائر مربحة».. فتأمل يا رعاك الله! إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى