الرقصات الأفرويمنية - بحث في أفريقانية اليمن الموسيقية

> «الأيام» عبد الرحمن عبدالخالق:

>
ترقيص العروس في الزفين السواحلي
ترقيص العروس في الزفين السواحلي
يعد كتاب «الرقصات الأفرويمنية» أحد المؤلفات المهمة والمتميزة في مجالها؛ مجال البحث في بعض الرقصات الشعبية في اليمن وصلتها بالآخر الأفريقي، بما يعني أن الكتاب دخل منطقة الدراسات الفلكلورية التطبيقية، باعتبار الرقص الشعبي لوناً أصيلاً من ألوان الفلكلور.

وللطابع الخاص للدراسة، كونها تبحث في أفريقانية اليمن الموسيقية، يكون الباحث قد تعامل في بحثه مع الأثنولوجيا - التي تعد حسب أحدث تعريفاتها - الدراسة المقارنة للثقافة، بمعنى أنها العلم الذي يمثل المقارنة العامة، والجانب التفسيري في دراسة الإنسان، وهي في أوسع مجالاتها مطابقة للمفهوم الأمريكي للانثروبولوجيا الثقافية (فوزي الفتيل، بين الفلكلور والثقافة الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978). ولما بين الفلكلور والأنثولوجيا من تداخل وتشابك، فقد تضمنت التوصيات التي خرج بها مؤتمر الفلكلور في بارنهيم عام 1955م «أن الفولكلور علم مستقل» وأنه في الوقت نفسه فرع من الأنثولوجيا.

وبتمكن الباحث من أدواته البحثية قام الدكتور نزار محمد عبده غانم بتجميع كل المعطيات النظرية والتاريخية لتأكيد فرضيته، خاضعاً بعض أهم الرقصات الشعبية في اليمن للدراسة، ومن هذه الرقصات رقصة «الطنبرة» فارداً لها حيزاً كبيراً من بحثه، وهي الرقصة التي تعرف - حسبه- في أجزاء من الخليج العربي برقصة «النوبان» نسبة لمنطقتها الأفريقية الأصلية، وهي بلاد «النوبة» شمال السودان، ويعتبر طقس «الزار» لصيقاً بهذه الرقصة مع ما يصاحبها من دراما غنائية .

تطرق الباحث إلى الآلة الوترية المميزة لرقصة «الطنبرة» التي هي «السمسمية» أو آلة «الطنبرة» الأكبر حجماً، والآلتان سليل آلة عرفت في النقوش السبئية بآلة «الكنارة» .. وأعطى الباحث غانم «الطنبرة» الرقصة والآلة حقها من الدارسة بأبعادها التاريخية والفنية والسوسيولوجية، معتمداً على مجموعة من الكتابات والدراسات لكتاب وباحثين يمنين وأجانب أبرزهم : الدكتور فهد محمد الشعيبي، والرحالة الألماني ليو هرش، والشاعر والتربوي اليمني إدريس حنبلة، والفنان أحمد محمد ناجي، والكاتب والأديب أديب قاسم، والفنان عبدالقادر أحمد قائد، والكاتب جمال محمد السيد .

وأعطى الباحث لرقصة «الليوا» الشهيرة في العديد من المناطق اليمنية مثل عدن ولحج وأبين ومناطق ساحلية أخرى حقها من الدارسة، ففي عدن - كما يشير الباحث - وكما هو حتى اليوم يقيمون حفل الحناء للعريس في المساء قبل ليلة الزفاف ويؤدون في هذا الحفل رقصة وأغنية شهيرة لليوا يقول مطلعها:

دورت له ما لقيته يا ممباسا

هذا الليد بحراني مابمشي معه

ومن أغنيات الليوا أيضاً :

سمارة ياسمارة أوه يا الله

وهناك نصوص عديدة أخرى مصاحبة لرقصة الليوا، إو ما تسمى مصطلحاً (المرد)، وهي ما تعمل على تنشيط الراقصين وتمكينهم من المحافظة على الخطوة إلى جانب الإيقاع أو الموسيقى المصاحبة للرقصة.

وعن رقصة «البامبيلا» يشير الدكتور نزار محمد عبده غانم إلى أن «البامبيلا» لا معنى لها حتى في السواحلية، ويعتقد أن الرقصة قدمت إلى مدينتي الشحر والمكلا في الثلاثينات من القرن المنصرم مع البحارة الأفارقة، وأن نصوصها يمنية، لكنها جريئة الخطاب في الغزل تمشياً مع تحرر الغناء الأفريقي من القيود في هذا الشأن .

ويتناول الباحث «زامل وشرح العبيد أو المماليك أو الموالي»، مشيرا إلى أن هذه الرقصة توجد في مدينة غيل باوزير بحضرموت خلال الأعياد والزيارات السنوية والموسمية، ويورد الباحث عدداً من النصوص المستخدمة في غناء زامل العبيد التي توضح بقوة نفوذ اللغة السواحلية فيه استناداً إلى دراسة للباحث اللغوي اليمني مصطفى العيدروس مثل :

طلعت البنديرة بنديرة التركي

في العبر ياعنفدي

ايا بانا كويلي

كويلي با سيمبا

كويلي كويلي

طمطو طونهمبا يامسيمبا

كويلي كويلي يامسيمبا

ايا بان

رقصة زفة العروس على ظهر الجمل (السكينكو)
رقصة زفة العروس على ظهر الجمل (السكينكو)
وهكذا يقف على رقصات أخرى مثل (السواحيلي) وهي رقصة نسائية سريعة في حضرموت، تؤدى في الأعراس وتتميز بإيقاعها السريع، ورقصة (الميدان) التي تنحصر في منطقة سيحوت بالمهرة على الحدود العمانية، ورقصة (الدحيف) في خنفر بأبين، ورقصة (الحجور أو شرح الصبيان) التي يؤديها مواطنو منطقة وادي حجر بحضرموت، وهم شديدو السواد؛ من أصل أفريقي وتشترك فيها المرأة مع الرجل، إذ تقف النساء قبالة الرجال في الغناء والرقص بشكل غريب .

ويختتم الدكتور نزار بحثه القيم بالوقوف على رقصة (الدربوكة)، وهي رقصة في حضرموت تمثل دراما الصيد والمرسى، وأبرز من يرقصها بحارة السفن الشراعية الأفارقة الأصل لاسيما قبل النزول إلى البحر أو بعد صيد السمك، وتغنى بعض نصوصها بلغة سواحلية صرفة وبشكل جماعي .

إن كتيب (الرقصات الأفرويمنية - بحث في أفريقانية اليمن الموسيقية) للباحث والفنان الدكتور نزار محمد عبده غانم يشكل إضافة نوعية للمكتبة اليمنية، خاصة في مجال الدراسات الفلكلورية الأثنولوجية، وتؤكد الدراسة غنى تراثنا في مجالي الرقص والموسيقى، وانفتاحه على الآخر بما يعني استيعابه الخلاق للمنجز الثقافي في إطار محيطه العربي والأفريقي وتطويره. وهو مـا يضع الدولة والمؤسسات المتخصصة أمام مسئولية الحفاظ على هذا التراث من خلال جمعه ودراسته وتوثيقه عبر مختلف الوسائط بما فيها المهرجانات الداخلية والخارجية فلا يجوز أن نهمل تراثاً حافظ على بقائه وصمد مئات السنين وصار جزءاً من ذاكرة الناس .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى