حرية ونص إلاُ خمسة!

> سعيد عولقي:

> رمضان جانا وفرحنا به.. أهلاً رمضان، وتهنئة حارة من أعماق القلب لكل الأحباء الأعزاء والقراء الكرام الذين يخصهم بلا استثناء صدور صحيفة «الأيام» وتهنئة رئيس وهيئة تحريرها.. وإذا كانت «الأيام» هي بلسم حرية الرأي فإن هذه الحرية تبقى مخدوشة برغم كل شيء.. ناقصة.. حرية إلا.. مثلما تقول عندما تُسأل عن الوقت وهو غير مكتمل.. وحرية إلا خمسة.. إلا عشرة وهكذا.. والحرية عندنا ناقصة ونص.. أو إنها ناقصة ونص إلا خمسة.. وإذا تشتونا نتكلم بصراحة بانقول إن الحرية في الحياة عندنا ناقصة كثير.. كثير جداً.. وهي برضه علشان ما نتجاوزش الحقيقة أيضاً ناقصة في صحيفة «الأيام» وذه مش لأنه «الأيام» ما تؤمنش بالحرية بل على العكس تماماً من ذلك.. «الأيام» تؤمن بأن أعظم شيء في الوجود هو الحرية و«الأيام» تعرف أن أسوأ شي في الحياة هو أن تكون الحرية ناقصة.. فإذا نقصت فقدت معناها وجدواها ومبرر وجودها.

لكن «الأيام» برغم كل شيء تعلم أنها لا تعيش في عالم من الخيال تلعب فيه دوراً دون كيشوتياً وتحارب طواحين الهواء، وهي تعلم جيداً أنها تعيش في هذا العالم الذي نعرفه ونعيش فيه وتعرف الواقع الذي تمارس دورها فيه، وهي لذلك تمارس هذا الدور بمسئولية وطنية واقتدار مهني.. وأجازف بالقول إن «الأيام» (رئيس التحرير وهيئة التحرير وربما بعض كتاب «الأيام» أو كلهم) يمتنعون عن إطلاق العنان لأقلامهم لتحلق في سماوات الحرية الكاملة التي تملأ الصدر بالهواء النقي الصافي من الشوائب وأدران العيش في مجتمع ملوث بالشوائب التي تتحول بالتكاثر مع مرور الوقت إلى عفن! هناك إدراك بمسئولية عالية للحدود التي ينتهي طريقها عند تابو المقدسات والمحرمات.. وهناك حس لا يخطئ في التمييز بين كرباج الجلاد والرصاصات البلاستيكية والحية.. وهناك علم وافٍ بالفرق بين الحياء والحياة.. وهشام باشراحيل ليس بطلاً تراجيدياً في مأساة إغريقية ندفعه فيها إلى السير إلى حتفه.. ولا نحن نريد له أن يكون كذلك.

ما أريد أن أصل إليه وأريدكم أن تعينوني على ذلك هو أننا لا نريد أن نتحول إلى جمهور من العابثين الذين يصفقون ويهللون مشجعين من يصارع الأسود بوعود براقة بأن في مقدوره أن يتغلب بشجاعته ويصرع تلك الأسود!! أنا هنا لست داعية إحباط أو تخاذل ولقد اكتويت أحياناً بنار المنح والمنع.. بمعنى أن قدراتي المتواضعة مكنتني أن أنشر الكثير مما أكتب وتعثرت في بعض المرات عندما حجبت بعض كتاباتي عن النشر وقد تألمت لذلك ولكنني حمدت الله كثيراً على هذا، فرب ضارة نافعة! وأزعم أنني أفهم دوافع «الأيام» وأعرف مراميها وأهدافها الحريصة ربما أكثر من غيرها على الوحدة الوطنية وعلى العدل والمساواة وعلى الكف عن إهدار الكرامة الإنسانية.. وفي هذا السياق دعوني أروي لكم واقعة قد تكون من بين شواهد كثيرة أقدر على التعبير عن وضع «الأيام» ومكانها ومكانتها.

لنفترض- وقد حدث هذا- أن هناك مقالاً في حجم الألف كلمة نشر في أية صحيفة من الصحف الكثيرة التي تملأ البلاد وتملأ القلوب بالهم والغم، وأن هذا المقال مليان من أوله إلى آخره بانتهاك تابو المحرمات والمقدسات، ويسب ويسخط كل المسئولين الكبار والصغار الفاسدين المفسدين، ويعم الجميع حتى أنه لا يستثني أحداً من رجال السلطة الذين يوجد بينهم بلاشك الكثير من الناس الأفاضل وخيار القوم، ولكن هذا المقال يأخذ الجميع بالشبهات ويتهم الكثيرين بـ «الخيانة» و«العمالة» و«الرزالة» وإلخ.. إلخ، وأنزل بهم شتائم تجعل حتى كلاب السكك تنبح.. ويكتمل المقال ويبروز بفخامة ويطلع مع اسم كاتبه.. وتنزل الجريدة إياها- وقلنا إن من أمثالها كثير- تنزل وفي صفحاتها الكثير من الكلام من بداية الصفحة وإلى الأخيرة.. وهكذا.. هذه وغيرها وغيرها.. أقول إن هذا المقال وأمثاله من الكتابات غير المسئولة لو كان قد نشر- مثلاً يعني يعني مثلاً- في صحيفة «الأيام» إيهيه يالله بالله بللا.. إذا حدث ذلك لكانت القيامة قد قامت ولم تقعد.. ليش؟ لأنه كلام «الأيام» يوجع.. ليش يوجع؟ لأنه يضع السلطة أمام نفسها، بمعنى أنه يكشفها ويعريها بوقائع تعلم السلطة أنها ليست مزيفة ولا مفبركة ولا مشعتلة.. لأن «الأيام» تمارس مهنتها كما قلنا باقتدار لا يبارى.. وبمسئولية تجعلك تنحني لها باحترام وتقدير.. منشان كذا السلطة ما تعولش بالكلام الشيتي بيتى، لأنها تعرف أنه مش مسئول وحق ناس طالبي رزق.. علشان كذا ما يوجعهمش إلا كلام «الأيام» ونحن نعرف هذا الكلام وطبعاً الأستاذ هشام وهيئة التحرير عارفين هذا قبلنا.

لهذا فإن كلام «الأيام» يكسب قيمته الخاصة وتكسب جريدة «الأيام» مكانتها في الصدارة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى