هذه ديمقراطيتهم يا سعادة السفير

> أحمد عمر بن فريد:

> قبل أيام قليلة مضت , شاهدت صورة (فوتوغرافية) ذات دلالة ومعنى عظيم من حيث تجسيدها قيم ومعاني الديمقراطية وفضيلتها وأخلاقياتها وتحضرها .. ومن حيث احترام الدولة للقانون ولقيمة الإنسان واحترام رأيه الآخر , أياً كان هذا الرأي الذي يطرحه ويتحدث عنه .. كانت هذه الصورة قد التقطت لأبي الحمزة المصري الذي كان يقود خلايا جهادية في مختلف الدول العربية والغربية وهو يحاضر في جماعة كبيرة من أنصاره في ساحة عامة من ساحات لندن !! وفي هذه الصورة لم أشاهد أي طوق أمني حول هذا الرجل!! ولم يكن هناك انتشار لقوات (الأمن المركزي) أو (الأمن السياسي) أو (الأمن القومي) أو (لقوات لمكافحة الشغب).. ولم يكن هناك أي وجود لأي حواجز إسمنتية أو خلافه .. وكل ما في الأمر كان هناك (رجلا أمن فقط) أحدهما يقف على يمين الرجل والآخر على يساره, واضعين أيديهم خلف ظهريهما وينظران للسماء في حين كان المصري يحاضر جماعته في الساحة عن (الجهاد) وقتل الأجانب في ديار المسلمين !! مع العلم أن هذا الرجل كان قد تحدث في إحدى القنوات الفضائية قبل ذلك بخصوص نظرته لهذه الدولة (بريطانيا) التي تمنحه الحرية والأمان التي يتمتع بها, فوصفها بوصف قبيح ولا يليق حينما قال : إنها لا تعتبر بالنسبة لي إلا بمثابة (الحمام) الذي أقضي فيه حاجتي وأخرج منه !! ومع كل ذلك.. بقي القانون قانوناً .. وبقيت الديمقراطية مبدأ حضارياً وقيمة إنسانية لا مجال للحديث حولها , حتى ولو استغلها رجل لا يحترمها مثل أبي الحمزة المصري!

شاهدت تلك الصورة المعبرة عن ثقة الدولة بنفسها , وثقتها بقوانينها وأنظمتها الديمقراطية (قولاً وفعلاً) وأنا أقارن بين دلالاتها, ودلالة وبشاعة ما يحدث أمامنا في مختلف محافظات الجنوب من (قمع) و(تنكيل) و (اعتقالات) و (ضرب) و(إهانات) و (قتل) للأنفس البشرية البريئة.. لمجرد أن هؤلاء أرادوا أن يعبروا عن معاناتهم وتطلعاتهم المشروعة بطرق سلمية وحضارية وقانونية.. فلم ترق تلك التجمعات للسلطة في بلادنا, ولم يعجبها الحال, ولم تكن - تحت أي مبرر أو ذريعة - ترغب في أن تعكس تلك التجمعات تلك الدلالة السياسية التي تخشاها وتخاف منها ومن مؤشراتها (حد الموت) أمام الرأي العام الداخلي والرأي العام الخارجي .. وإلا لما أوشكت على مبادلة معتصمي بعض المحافظات الشمالية الورود في حين بادلت معتصمي الضالع الرصاص الحي!!

إن صور التنكيل بأبناء الجنوب في مختلف تلك الفعاليات , قد بلغت ذروتها وقمة عنفها على المستويين (الجسدي واللفظي) في أكثر من حالة وفي أكثر من مشهد مؤلم.. فها هو السيد حسن باعوم يعاني الأمرين جراء تدهور حالته الصحية في سجون المكلا, حيث يتوافق في مضاعفة معاناته وإيصالها إلى مرحلة تهديد حياته, صلف بعض مسئولي الأمن هناك, وانعدام الضمير المهني والأخلاقي للطبيب المشرف على تقدير حالته الصحية.. وذلك كما أكدته ابنته الدكتورة (سبأ) التي يوحي اسمها بتجذر هدف الوحدة اليمنية في نفس والدها ووجدانه.. حتى وإن كانت هذه الوحدة التي حلم بها تهدد حياته حالياً في هذه اللحظات العصيبة .

وفي الضالع وردفان كان الرصاص الحي قد استخدم للمرة الأولى يوم الاثنين الماضي بعد أن تم تجريبه في عدن و المكلا , لينتج لنا (مأساة) حقيقية تمثلت في مقتل ثلاثة أفراد وإصابة العشرات من المواطنين وقوات الأمن في مواجهات عنيفة لم تكن الضالع ولا غيرها بحاجة لها على الإطلاق وهي التي خبرت النضال السلمي ونجحت فيها عبر جميع فعالياتها العديدة السابقة .

وربما أن مشهد العنف الجسدي واللفظي الذي تعرض له المواطن عارف عبد الحالمي من قبل قوات الأمن في عدن , ينبئ بشكل واضح بـ (التعبئة الخاطئة) التي تشحن بها عقليات رجال الأمن تجاه (المعتصم الجنوبي).. ففي الوقت الذي كان فيه الرجل يجرجر من قبل مجموعة كبيرة من قوات الأمن ويضرب بأعقاب البنادق بقوة وعنف غير مبررين, كان يطلب منه أن يقول الشهادة.. التي ما أن يذكرها إيماناً منه بمعناها وهو (المسلم الملتزم) حتى يجر من لحيته ويقال له: أسلمت الآن يا كافر !!

إن كبت مشاعر الناس وإيذاء أجسادهم, وجرح كرامتهم في أوطانهم.. هو عمل لا علاقة له بمعاني الوحدة الوطنية, ولا بقيم الديمقراطية التي يقال رسمياً وفي كل مناسبة بأنها خيارنا ولا رجعة لنا عنه, وهو عمل لا يمكن إلا أن يخلق في داخل النفس, الكثير من الغضب والاحتقانات التي إذا ما تراكمت واكتظت في الضمائر، تحولت إلى عنف مضاد, وفقاً لقوانين الطبيعة.. وهو الأمر الذي نبه إليه سعادة السفير الأمريكي في لقائه مع الصحفيين حينما ذكر حرفياً «وفيما يتعلق بالأحداث وبعض الاحتجاجات والمظاهرات التي حدثت مؤخراً في المحافظات الجنوبية, فنحن مهتمون بهذا الأمر بدرجة كبيرة جداً ونتابعه عن كثب, وفي الوقت نفسه نود ألا تتطور الأمور إلى صورة عنيفة وتؤدي إلى مزيد من العنف .. ونتمنى أن تأخذ الأمور مجراها الطبيعي».. لكن الأمور يا سعادة السفير لم تسر بشكل سلمي, ولا بموجب النظام والقانون أو نصوص الدستور .. ولا بموجب قيم وتقاليد الديمقراطية وأعرافها.. وإنما سارت بنهج آخر تماماً قوامه العنف والقمع والقتل والتنكيل.. إذن هذه ديمقراطيتهم يا سعادة السفير.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى